هذا العنوان الاستفزازي للمفكر المعاصر البلغاري الفرنسي تزيفتان تدوروف، الذى انتهى إلى القول إن التنوير مسألة ذاتية تنبثق من الداخل، لأن الديمقراطية لا يمكن أن تكتسب كما تستورد الآلة مع قطع الغيار، وفي سياق هذا التنوير الجديد، يروي لنا قصته مع الأدب التي بدأت بقراءة “القصص الكلاسيكية المعدة للأطفال، ألف ليلة وليلة، وحكايات كرم وأندرسن، وتوم سيور، وأوليفر تويست، والبؤساء"، وقد واصل عشقه للقراءة في الإعدادية والثانوية من خلال “عالم الكتاب، كلاسيكين أو معاصرين، بلغاريين أو أجانب"، وفي جامعة صوفيا، اكتشف بأن الكلام عن الكتب ستكون مهنته، ولكن السؤال الذي أقلقه هو: كيف يتحرر من الارتباط الإيديولوجي؟ في ماي 1963، اكتشف بباريس، رولان بارت، الذي أشرف على أطروحته والتقى، جيرار جينيت، الذي أشرف معه على مجلة “بويتك" أي الشعرية، وحفزه إلى ترجمة نصوص الشكلانيين الروس إلى اللغة الفرنسية، فأصدر كتاب نظرية الأدب بعد انخراطه في المركز الوطني للبحث العلمي. وفي أواسط السبعينيات اهتم بالتحليل الأدبي مستعينا بأدوات ومفاهيم علم النفس والأنثروبولوجيا والتاريخ، ومن أجل فهم أفضل للمؤلفين اعتمد على “تاريخ الفكر المتصل بالإنسان، في الفلسفة الأخلاقية والسياسية". وهذا الدرس المنهجي جعله يبدع كتب “غزو أمريكا" و«في مواجهة الحدود القصوى" و«مغامرو المطلق"، وهي أشكال جديدة عن التعابير الأدبية لأنها “سير ذاتية، مذكرات، مؤلفات تاريخية، شهادات، تأملات، رسائل، نصوص فلكلورية مجهولة المؤلف لم تكن تشارك الأعمال الأدبية وضعية التخيّل، لأنها تصف مباشرة الأفعال المعيشة.. وبعبارة أخرى، اتسع عندي حقل الأدب، لأنه يستوعب الآن الدراسة والبحث التأملي، إلى جانب القصائد والروايات والقصص والأعمال الدرامية، هذا المجال العريض للكتابة السردية المرصودة لاستعمال عام أو خاص". ووفق هذه الرؤية التكاملية للمعارف والفنون والعلوم يفسر لنا قيمة الأدب باعتبارها أكثر “كثافة وإفصاحا من الحياة اليومية، غير المختلف جذريا، يوسع من عالمنا، ويحثنا على تخيل طرائق أخرى لتصوره وتنظيمه". لكن ما حقيقة الأدب في المدرسة؟ وهل بالفعل يؤدي هذه المهام في التعليم المدرسي؟ يعترف “تدوروف" أنه لم يدرس مادة الأدب في الثانوي أو الجامعي إلا فترة محدودة، ولكنه اكتشف عند متابعة الواجبات المدرسية لأبنائه بأنه دون المستوى المطلوب، لأن توجيهاته لم تساهم في رفع مستواهم. وبعد مشاركته في لجنة استشارية ضمن المجلس الوطني للبرامج، تابعة لوزارة التربية الوطنية، توصل إلى مجموعة من الحقائق نذكر منها قوله: “إذا كان الجاهل في الفيزياء هو من لا يعرف قانون الجاذبية، فالجاهل في الفرنسية هو من لم يقرأ ديوان بودلير (أزهار الشر). ويمكن الرهان على أن روسو وستندال وبروست سيظلون مألوفين لدى القراء طويلا بعد أن يكون النسيان قد طوى أسماء المنظرين الراهنيين أو تشييداتهم المفاهيمية، وإنه من غياب التواضع أن نقوم بتدريس نظرياتنا عن الأعمال الأدبية بدل الأعمال الأدبية “. وفي هذا التقييم، الذي الذي يثمن الإبداع الأدبي كمعيار لمعرفة اللغة ويرتب مكانة النص قبل الدراسات النقدية، لأنه إذا كان من المفيد للتلميذ “تعلم وقائع التاريخ الأدبي أو بعض المبادىء الصادرة عن التحليل البنيوي. غير أنه لا يمكن بأي حال أن تحل دراسة وسائل المدخل هذه محل دراسة المعنى، الذي هو غايتها". إن هذا الموقف يدعونا إلى فهم أفضل لرسالة الأدب كخطاب عن العالم، سواء بالعودة إلى تاريخ الفلسفة ومراجعة علم الجمال لأن المجتمعات الغربية في نهاية القرن العشرين ومطلع الواحد والعشرين تميزت “بالتعايش السلمي تقريبا بين ايديولوجيات مختلفة، وأيضا بين تصورات للفن متنافسة"، وساهم الأدب في تجاوز لحظة كآبة التاريخ الأوروبي لأنه مثل الفلسفة والعلوم الإنسانية “هو فكر ومعرفة للعالم النفسي والإجتماعي الذي نسكنه". فالفيلسوف، جون ستيوارت مل، في سيرته الذاتية أقرّ بدور كتاب قرأه، مصادفة، كان سببا لشفائه من إنهيار عصبي خطير، والفيلسوف الأمريكي، ريشارد روتي، أكد أن “الأدب لا يعالج جهلنا بقدر ما يبرأنا من عبادة الأنا بمعنى وهم الإكتفاء الذاتي". وبهذا يشجعنا تدوروف على القراءة بكل الوسائل، بما في ذلك قراءة الكتب التي ينظر إليها النقد الاحترافي بتعال، إن لم يكن باحتقار، منذ رواية الكسندر ديماس (الفرسان الثلاثة) حتى هاري بوتير".