يرى الأستاذ نور الدين بن يسعد، رئيس الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، أن محاربة الفساد في الجزائر، مسألة مرتبطة بالإرادة السياسية. وأكد المتحدث ذاته، في هذا الحوار مع “الجزائر نيوز"، أن قانون الإجراءات الجزائية يسمح وفقا لإجراءات خاصة تعرف ب “الامتياز القضائي"، بمتابعة الوزراء والمسؤولين السابقين في قضايا فساد، إذا كانوا فعلا متورطين أثناء تاريخ وقائع ملفات الفساد. تابعتم، حتما، ما تم تداوله بخصوص فضائح الرشاوى والعمولات في قضية سوناطراك، ما هو تقييمكم للموضوع، لاسيما وأنه تم ذكر كلا من الوزير السابق للطاقة شكيب خليل - على الأقل من باب علمه بالموضوع في تاريخ الوقائع - وفريد بجاوي، إبن أخ وزير الخارجية الأسبق، محمد بجاوي؟ هذه القضية مصدر انطلاقها إيطاليا، ولاسيما الصحافة الإيطالية التي أخرجت معلومات تحقيق من القضاء الإيطالي. في الواقع، يفترض أن يكون هناك طرفين على الأقل.. طرف جزائري، بأسماء جزائرية، وطرف إيطالي بأسماء إيطالية، وذلك كله فضلا عن أسماء أخرى لا نعرفها، على اعتبار أن منطق التحقيق يكشف أمورا لم تكن معروفة من قبل، هذه أول ملاحظة، أما الثانية فترتبط بكون أنه المفروض هناك اتفاقية قضائية بين الطرفين، الجزائري والإيطالي، وعلى هذا الأساس يفترض أن يكون هناك تعاون. ثالثا، وفيما يخص الأشخاص الذين ذكرتهم، فإن الإشكال يتمثل في ما إذا كانوا مسؤولين ويشغلون مناصب حاليا وفي الوقت نفسه متورطين، أم إذا كانوا وزراء سابقين أو مسؤولين سابقين وكانوا مسؤولين في تاريخ الوقائع، لأنه في قانون الإجراءات الجزائية هناك ما يعرف ب “الامتياز القضائي"، وهو إجراء خاص على مستوى المحكمة العليا. إن الملف المطروح، حاليا، بهذا الخصوص على مستوى محكمة سيدي محمد لا يعنيهم لمجرد صفتهم، وإذا كانت هناك إرادة لاستدعائهم بخصوص القضية، فينبغي تطبيق هذا الإجراء على مستوى المحكمة العليا. أنا لا أريد استباق الأحداث كثيرا، ولكن بالنظر إلى ورود اسم شكيب خليل، كوزير سابق، قيل من خلال الصحافة إنه كان على علم بما يحدث، وفريد بجاوي الذي يقال أيضا إنه كان صاحب دور كبير في الموضوع، وذلك من خلال الصحافة أيضا. هل تعتقدون، كمحامي، أن هناك عقوبات قانونية ستطالهم، وما هي على وجه التحديد؟ أنا لا أريد استباق الأمور، لأن الخوض في الموضوع بهذه الطريقة قد يصبح من عالم الخيال. أنا محامٍ، وكناشط في مجال حقوق الإنسان، أعتقد أنه لا بد من إيجاد توازن بين حرية التعبير وبين ما يعرف بافتراضية البراءة، وكلاهما أمر مقدس، ولا نستطيع الحديث عن مدى تورط هؤلاء الأشخاص إلى أن يكون هناك حكما نهائيا، وهذا ما يعرف بافتراضية البراءة. لو افترضنا أن، شكيب خليل، موجود، حاليا، بالولايات المتحدةالأمريكية، كما تردد الصحافة وبعض الأطراف السياسية، ويملك وثائق إقامة بهذا البلد، وبغض النظر عن البلد الذي يوجد فيه فريد بجاوي، حاليا، هل تعتقدون أنه يمكن تسليمهما في حال إدانتهما قضائيا بالجزائر؟ نعم، يمكن تسليمهما في حالة الإدانة، ومن تتم إدانته يتم طلب تسليمه من جانب الدولة الجزائرية، ولكن شريطة وجود اتفاقية قضائية بين الجزائر والبلد الذي يوجه إليه طلب التسليم. لكن رأينا مثلا عبد المومن خليفة لم يتم تسليمه إلى حد الآن، رغم صدور حكم قضائي في حقه؟ بالنسبة لقضية الخليفة، لا ننسى أن الجزائر لا تزال في قوانينها عقوبة الإعدام، وهذا ما يجعل بعض الدول تستعمل هذه الحجة لعدم تسليم المطلوبين، وفضلا عن ذلك، هناك أيضا فرق في تقدير طبيعة الجرائم من دولة إلى أخرى، وما يعتبر عندنا جريمة فقد يكون ليس كذلك في دولة أخرى. مؤخرا، بمناسبة حلول الذكرى ال 42 لتأميم المحروقات، أكد الرئيس بوتفليقة، أن العدالة ستأخذ مجراها بصرامة فيما يتعلق بقضية سوناطراك، ربما هذا دليل على أن هذه القضية لن تمر مرور الكرام، أم لديكم رأي آخر؟ محاربة الفساد، قضية مرتبطة بالإرادة السياسية، هناك مسألة التكفل المؤسساتي بمحاربة الفساد من خلال ميكانيزمات الرقابة، المتمثلة في جوانب منها، في القضاء ومجلس المحاسبة، والشرطة القضائية.. وهي كلها هيئات تابعة للدولة، بغض النظر عن إلزامية إصلاحها، لكن السؤال المطروح هو: هل هناك سلطة قضائية حقيقية؟ وهل هي مفصولة عن السلطات الأخرى؟ حاليا، لا أعتقد أن هناك فصل بين السلطات في الواقع، والسلطة التنفيذية هي المسيطرة على السلطات الأخرى، وفي قانون الإجراءات الجزائية يسمح للنيابة العمومية باختيار من تقوم بمتابعته وذلك قد يفتح الباب من ناحية تأثير السلطة التنفيذية على السلطة القضائية و"انتقاء" الأشخاص المتابعين.. وهذا يؤدي، في نهاية المطاف، إلى غياب العدالة. إن الفساد باللغة الفرنسية مشتق من كلمة لاتينية تعني “التدمير"، والفساد يؤدي إلى التقليص من أثار الاستثمارات في المجتمع. إن الأمر يتعلق بقضايا المال العام، وكل جزائري ينبغي أن يكون معنيا بالأمر. إن الجزائر صادقت على الاتفاقية الأممية لعام 2003 الخاصة بمكافحة الفساد، والتي نصت، بإلحاح، على مشاركة المجتمع المدني في مكافحة الفساد، وهذا ما يؤدي إلى ضرورة حرية إنشاء الجمعيات وحرية الصحافة، والعمل النقابي، وهي كلها أدوات للوقاية. إن الإدارة مثلا، بحاجة إلى الإصلاح، ونحن نرى أن المواطن في خدمة الإدارة وليس العكس، وفي كل المهن ينبغي أن يكون هناك أخلاقيات للمهنة، وهذا الأمر ينطبق على الإدارة أيضا، كما أنه لا بد من التكوين الذي يعني غيابه مزيدا من تفشي الفساد. من جهة أخرى، هناك في الدول المتقدمة ما يعرف ب “قانون الحصول على المعلومة"، وإذا عين وزير في بلد كالنرويج مثلا، يمكن للمواطن هناك أن يطلع على حسابه المالي الشخصي. عندنا، نحن نرى فضائح في قطاعات يفترض أن المسؤول الأول فيها يستقيل ولكن الأمر لا يحدث. إن معايير تعيين المسؤولين عندنا ليست شفافة والانتخابات طريقة لتعيين المسؤولين السياسيين، لأن هذه الانتخابات ليست حرة، والمسؤول عندنا يحاسب من قبل من عينه وليس من قبل المجتمع. هناك انتقادات كثيرة وجهت لمضمون قانون مكافحة الفاسد الصادر عام 2006، في رأيكم هل هو كافٍ؟ في قانون العقوبات الجزائري لعام 1966، كان الشخص الذي يقوم بسرقة ألف دينار يعاقب بالإعدام، وقد تم رفع قيمة المبلغ دون تغيير العقوبة في عام 1975، حيث أصبح خمسة آلاف دينار بدلا من ألف، لكن ذلك تم بسبب التضخم، واليوم يتم أخذ الملايير مقابل عقوبة حدها الأقصى عشر سنوات بموجب قانون الوقاية من الفساد ومكافحته الصادر عام 2006. لكن من المهم الإشارة إلى أن مسألة العقوبة، من حيث حديها الأدنى والأقصى، ليست هي الرهان، ولكن استرجاع المبالغ المأخوذة هو الرهان الحقيقي، وعندنا لا يتم القيام بذلك، لاسيما وأن شبكات الفساد هي شبكات منظمة. لا بد من تكوين الشرطة القضائية في مجال اقتفاء أثر الأموال المأخوذة وذلك فضلا عن تكثيف التعاون الدولي. وعندما نأتي للحديث عن الخارج ينبغي طرح تساؤل مفاده: لماذا ليس هناك إرادة للمجموعة الدولية من أجل مساعدة الشعوب على استرجاع أموالها المنهوبة، خصوصا وأن الفساد يتضمن طرفين فهناك الراشي وهناك المرتشي.