«لا للعنف.. لا للتحرش الجنسي"، هو الشعار الذي رددته غالبية النساء اللواتي التقت بهن “الجزائر نيوز"، عشية إحياء اليوم العالمي للمرأة، في ظل تفاقم مثل هذه الظواهر في مجتمع ذو نزعة ذكورية، بعد أن أصبحن عرضة لمختلف أشكال العنف والتحرش الجنسي، بدءا من الشارع مرورا بأماكن العمل ووسائل النقل العمومي، وصولا إلى المدارس والجامعات التي غابت منها كل معاني الاحترام. «الجزائر نيوز" تنقل، هنا، شهادات بعض الأستاذات اللواتي تعرضن لاعتداءات لفظية وجسدية بل حتى التهديد بالتصفية الجسدية، أثناء أداء مهامهمن بمؤسسات تعليمية -يفترض بها أن تُعد أجيال المستقبل- إلى جانب طالبات أصبحهن عرضة للمساومات بسبب علامة تضمن الانتقال إلى قسم أعلى.. هذه الشهادات، ربما تعكس صورة سوداوية عن واقع المرأة في مجتمع ذكوري. أستاذات بالثانوي تعرضن للتهديد بالقتل، الضرب والاعتداء اللفظي إستفحلت ظاهرة العنف في المؤسسات التربوية في السنوات الأخيرة بشكل ملفت للانتباه، لم يسلم منه لا الأستاذ ولا التلميذ وحتى المدراء، حيث تشير إحصائيات مجلس ثانويات الجزائر إلى أن تسجيل أزيد من 25 ألف حالة عنف رقم ينذر بالخطر، نظرا للانعكاسات السلبية لهذه الظاهرة على المجتمع. وضحايا اعتداءات التلاميذ على الأساتذة كثر، أغلبيتهم من الأستاذات، وهذا ما توضحه شهادة الأستاذة زينب بلهامل، بإحدى ثانويات العاصمة، التي أكدت أنها تعرضت للتهديد بالتصفية الجسدية من قبل تلميذ يتعاطى المهلوسات داخل المؤسسة التربوية، حيث تم ضبطه أكثر من مرة في حالة غير عادية، ما دفعها إلى رفع شكوى إلى إدارة الثانوية التي قررت إحالته على مجلس تأديبي، لكن لم تقرر أي عقوبة في حقه، ليتم بعد ذلك تحويله نهاية السنة الماضية إلى ثانوية “بوعتروة" التي تعد أحسن ثانوية على مستوى الجزائر وسط، والأدهى والأمر من ذلك، حسب المتحدثة، أن هذا التلميذ تمكن من التأثير على تلميذ آخر لطالما عرف بسلوكه المستقيم وتفوقه في الدراسة، فأصبح بسببه يستهلك المهلوسات وتحول إلى تلميذ عدواني تهجم على المساعدة التربوية التي تعرضت للضرب المبرح على يده، ما استدعى تدخل حارس المؤسسة لإنقاذها من بين يديه. ثانوية “البيجاوي" هي الأخرى كانت مسرحا لحادثة اعتداء تلميذ على مساعدة تربوية ضبطته في وضع مخل بالحياء رفقة زميلة له، حسب تأكيد ممثلة الكلا، ولا يقتصر الأمر على تعاطي المخدرات والأقراص المهلوسة فحسب، بل الخمور كذلك يتم شربها في القسم بعد تعبئتها في علب المشروبات الغازية وتوزع على تلاميذ القسم ما يشجهم على القيام بتصرفات والتفوه بكلام خطير ولا أخلاقي داخل المؤسسة التربوية، وتختلف ردة فعل الأساتذة، خاصة النساء، حيال هذا الوضع، فبعضهن ترفض دخول القسم مجددا -حسب تقارير الكلا- وأخريات يلجأن إلى البكاء. ولا يقتصر الوضع على ما ذكر فحسب، حيث أصبحت ظاهرة التحرش الجنسي مثيرة للانتباه في كل الأوساط والفضاءات، فتلميذات بالثانوي على غرار ليزا، زينب، هالة.. وغيرهن كثيرات، ضحايا لمختلف التحرشات، سواء داخل المؤسسة التربوية أو خارجها، حيث تؤكد “ليزا"، صاحبة الشعر الأشقر، أن تعرضها للتحرش الجنسي باستمرار جعل حتى تنقلها عبر سيارة الأجرة، منفردة، أمرا مستحيلا، وتفيد زميلاتها بتعرضهن للتحرش في ختلف وسائل النقل العمومي، خاصة عن طريق الاحتكاك “الوقح" المتعمد، الذي أصبح يمارس بشكل بادٍ للعيان. العنف، محاولة الاعتداء الجنسي، مساومات الأساتذة تطبع يوميات الطالبات تركنا طالبات الثانوي بالقرب من ثانوية عروج وخير الدين بربروس، وانتقلنا إلى الجامعة المركزية، أين تؤكد تصريحات الطالبات أن مثل هذه الظواهر السلبية التي لا تمت للجامعة بصلة، أضحت من الأمور الأكثر شيوعا، اليوم، بعد أن بات الاعتداء على أخلاقيات التدريس بالجامعة سلوكا عاديا، لأن الحصول على النقطة لم يعد يقيم بما تبذله الطالبة من جهد فكري وإنما بما تتمتع به من مقومات شكلية، وهذا ما تؤكده “صارة" طالبة بكلية الحقوق في دراسات ما بعد التدرج، التي شهدت سنة 2009 فضيحة أخلاقية بعد التسجيل الصوتي الذي فضح مساومة أستاذ لطالبة من أجل النقاط، وتعد هذه الحالة واحدة من بين العديد من الحالات، وما خفي منها كان أعظم، في ظل غياب الضمير المهني، تضيف المتحدثة التي عادت بها الذاكرة إلى الحادثة بمجرد حديثنا عن وضع المرأة، “إذا أردت الحصول على علامة جيدة ما عليك سوى الاعتناء بالمظهر الخارجي ولا يهم غير ذلك"، كما تقول، فيما تؤكد “زهرة" خريجة علم المكتبات، أنها لم تتحصل إلى اليوم على شهادة تخرجها بسبب خضوعها لمساومة أحد الاساتذة الذي يصر على عدم منحها علامة إلا مقابل أشياء أخرى لا علاقة لها بالشق البيداغوجي والعلمي. لا يكاد يمر يوم بالجامعة، دون تسجيل حادثة اعتداء لفظي أو جسدي، حسب تصريح العديد من الطالبات، لتضاف حوادث اعتداء جديدة على هذه الفئة إلى الحوادث التي سجلت في السنوات الماضية، ولعل أبرزها تعرض الطالبة “صبرينة" لتشوه على مستوى الوجه بعدما اعتدي عليها داخل جامعة الجزائر 2، ببوزريعة، إلى جانب حادثة محاولة الاعتداء الجنسي على موظفتين بقسم علم المكتبات، العام الماضي، وهي حوادث تعكس أن نساء الجزائر في خطر. ولم تنف الأستاذة بقسم علم المكتبات والتوثيق والمسؤولة عن المكتبة بجامعة الجزائر 1، هادفي فاطمة الزهراء، وجود مثل هذه الظواهر، إلا أنها فضلت استعمال مصطلح “سلوكات سلبية"، من قبل العمال وزملائهم في المصلحة، إلى جانب الاعتداء على الأستاذات، وأضافت أن المرأة العاملة سواء كانت موظفة أو أستاذة جامعية، هي اليوم عرضة لمختلف أشكال العنف داخل وخارج محيط المهنة، إلا أن حدته تختلف حسب طبيعة المهنة التي تمارسها المرأة، وهذا نتيجة الذهنيات السائدة في المجتمع عن المرأة والتي تصب مجملها في اتجاه سلبي، حيث يسجل عدم احترام للمرأة بشكل عام، حسب المتحدثة. وإذا كان المغزى من إحياء هذه المناسبة هو الاعتراف بدور المرأة في المجتمع وتحديد التحديات التي تعترضها في سبيل المضي قدما للمساهمة في تحقيق المنفعة العامة، جنبا إلى جنب مع الرجل، إلا أن النظرة السلبية تجاه المرأة ووجود مثل هذه الظواهر، من شأنه أن يعيق مسار تقدمها بالرغم من أنها اقتحمت جميع الميادين.