«نحناح ينهض من قبره ليتحدث للناس عن أسرار نضاله".. هذا هو الوصف الوحيد الذي تبادر إلى ذهني وأنا أتحدث للإبن الأكبر للراحل محفوظ نحناح، الذي لم يرث عنه أسرارا في غاية الخطورة وحسب، وإنما ورث شبهه أيضا، فهو أشبه الأولاد بوالده رحمه الله وورث عنه طريقة الحديث وحتى الإشارات والخرجات اللفظية النادرة التي كان يتميّز بها الشيخ محفوظ.. يعترف لنورالدين كل الذين تحدثنا معهم حول شخصيته، أنه رجل ذو رجاحة عقل وكاتم سر والده، وأقرب أبنائه إليه في حياته، إذ كان كثير التنقل معه، وكان الإبن الذي كثيرا ما فتح باب البيت لاستقبال شخصيات ومسؤولين كبار في الدولة الذين زاروا نحناح حيا وميتا، فأُتيحت لنورالدين فرص حضور مناسبات ولقاءات وسماعه كلاما لم يسمعه عن والده أحد غيره، خاصة عندما قضى معه 21 يوما الأخيرة بمستشفى في فرنسا، أين كان الشيخ على فراش الموت.. لكن نورالدين صام عن الكلام منذ رحيل والده قبل 10 سنوات ودسّ في صدره كثيرا من الأشياء، حاولت “الجزائر نيوز" أن تخرج بعضها اليوم لكل المهتمين بشأن نحناح وعلاقاته بالحركة والسلطة. أبناء الشيخ المرحوم محفوظ نحناح، باتوا معروفين لدى العام والخاص، لكن نجله نورالدين، الموصوف بالعلبة السوداء لنحناح، كان دوما رجل ظل قبل وبعد وفاة الوالد عليه رحمة الله. لو فاجأتك بأن تعرّف نورالدين نحناح، ليس كحالة مدنية وإنما من مدى بقائه وفيا لنهج والده ومبادئه ومواقفه السياسية؟ بسم الله الرحمن الرحيم.. بالنسبة لموقعي من الشيخ رحمه الله، فإنني مازلت أعتبر نفسي معه في مواقفه ومبادئه، لأنني تعلمت منه الكثير، إذ قضيت كثيرا من الوقت طيلة حياتي معه. لقد صلت وجلت معه أنحاء البلاد وقد ساعدني في التقرب منه أكثر مهنتي كمصوّر. ويمكنك القول أنني كنت مصوره، لا أقول مصوره الخاص ولكن كنت متطوعا في حركة مجتمع السلم بهذه الصفة. أما عن خصاله وميزاته التي كانت تطبعه، وكنت معجبا بها كثيرا، أنه لم يكن في قلبه الكراهية، وهذا السر الذي جعله محبوبا عند الناس، رغم خلافاته مع البعض. أتذكر له عبارة شهيرة كان كثيرا ما يرددها فبقيت إلى اليوم في ذهني، وهي “من لا يحب والدك لا تحبه، عليكم أن تحبوا من يحب والدكم".. وهذا مبدأ قد لا يخص محفوظ نحناح رحمه الله، بل يخصنا جميعا إذ لا نستطيع أن نحب من يكره أولياءنا. قلت إن الشيخ كان يختلف مع البعض، رغم حب الناس له وحبه لهم، هل يعني هذا أنه كان للشيخ أعداء؟ لم يتحدث الشيخ يوما، حسب معرفتي الطويلة به، عن أعداء له بالتحديد، ولكنه كان يعتبر كل من كان عدوا للإسلام من أعدائه. أما بالنسبة للبقية فكان يحب الجميع، فقد كان يعتبر عدم الرد على من يسبه أويشتمه أويخالفه بتطرف، صدقة منه في سبيل الله، ولم يتراجع يوما عن هذا المبدأ أو تخلى عنه. كنا نتأثر كثيرا عندما نسمع عن جهة أو شخصية من الشخصيات نزلت عليه سبا، وهذا طبيعي لأنه والدنا، كانت تأخذنا الحمية، لكنه علّمنا تملّك النفس وأن ما يتعرض له ينبغي أن نتعايش معه لأننا لا نملك قدرة تغييره. وكنت كثيرا ما أسقط في جدل سياسي مع أطراف معينة بسبب ذلك. وماذا كان ينصحك أوبماذا كان يعاتبك عندما تأخذك الحمية عنه؟ كان دوما يرجح الحوار بالدفاع عن الفكرة بشكل راقي ومسؤول، لا أن ننحرف بالنقاش إلى مستويات هابطة. لقد تعرضنا في العديد من المرات لاعتداءات وليس فقط للسب أو الشتم، ولكننا كنا نقاوم جميعا بشكل أوبآخر. وليس من السهل أن تعيش بشكل عادي عندما يكون لك والد مثل الشيخ محفوظ نحناح رحمه الله. الحمية كانت تأخذني لأنه ببساطة كان والدي. كان يقول لنا لا تنتظروا مني أن أقول لكم كيف تتصرفوا عندما يُعتدى علينا، وكان يقول أنه إذا “شفتوها خشانت عليكم.. بعدوا"، لم يكن يطلب المساعدة من أحد، كان يدافع عن أفكاره بمفرده ولا يوكل الدفاع عنه لأي كان، ولا يخشى مواجهة أحد.. لقد عانينا كثيرا في حياته رحمه الله من الألسن وحتى الأيدي، ولكنه كان ولايزال وسيبقى مصدر فخرنا واعتزازنا جميعا. هل تغيّرت هذه الحال بعد وفاته؟ نعم تغيّرت كثيرا، فرحيله رحلت معه الكثير من الأشياء التي كانت تحدث وهو على قيد الحياة، فتصرف الأشخاص الذين كنت أعرفهم في حياته لم تعد التصرفات ذاتها عندما مات والدي.. لقد التقيت الكثير منهم بعد وفاته ونظرتهم إليّ كنت أقرأ دوما فيها الأسف والحسرة على ما كانوا يفعلون ويقولون. لقد أبدوا ندما على ما كان يصدر منهم خاصة تجاهي، لأن ما عايشته لم يكن يظهر في الصحافة بل كان دوما في الكواليس المظلمة، وذلك بحكم مرافقتي لوالدي.. بعد والدي حدثت الفرقة وتعددت الأهداف والمطامع وبرزت الطموحات، ولكن الأمر الواقع أبرز نجاعة العمل بمبدأ “إذا كثرت الأديان فعليك الإمساك بدينك".. لقد عاد الرشد إلى بعض الناس تجاهنا بعد وفاة والدنا محفوظ نحناح.. وطرحوا على أنفسهم أسئلة أهمها “ماذا كنا نفعل بهؤلاء الناس؟".. ولكن هناك من أصبح يأكل مع كل رئيس ويرقص مع كل عريس.. الصحافة تأبى الحديث بالألغاز، سأعود لكي تشرح لي القصد من هذه العبارات الأخيرة، ولكن قبل ذلك دعني أتعرف ويتعرف الرأي العام على حقيقة علاقة عائلة نحناح حاليا بحركة مجتمع السلم أو بقادتها الذين خرجوا عنها، فقد ظهر كأن هناك تسابقا على نيل مباركة عائلة نحناح في حال قررت مجموعة إنشاء حزب سياسي أو تنظيم ما، ما حقيقة ذلك؟ أولا علينا أن نقف مليا عند أمر مهم للغاية، إن المكان الذي نجلس فيه جميعا الآن (الغرفة التي كان يستقبل فيها المرحوم نحناح ضيوفه وتقع بالطابق الأرضي لبيته بالبليدة)، كان مفتوحا للجميع، وقد دخله الجميع سواء من خارج الحركة أو أبناء الحركة، ولم يدخله إلا من أبى.. لقد دخل هذا البيت “المليح والقبيح" من كانوا ضده ومن كانوا من أنصاره.. لقد دخل وخرج إلى ومن هذا البيت مسؤولون ووزراء وإطارات وقطارات كبيرة في الدولة الجزائرية ( يضحك)، منهم حتى قيادات كبيرة جدا في الجيش، بينهم من لايزال إلى اليوم ومنهم من توقفت مسيرتهم، وقس على ذلك. ومن المناضلين من بقي على العهد في الحركة ومنهم من يناسبه قول الله عز وجل {سبح باسم ربك الأعلى}. هنا أنت تحيلني إلى العودة لفك الألغاز التي تتحدث بها كثيرا، فمن يطلع على هذا الحوار قد يكون قاسيا معي إذا لم افتك منك حقائق الأمور بل وإجابات على هذه الألغاز، هل نستطيع الذهاب بجرأة أكثر، وأن تذكر أسماء الذين تعتقد أنهم خانوا أو بقوا أوفياء لنهج الشيخ نحناح سواء من المسؤولين أومن ضمن قيادات الحركة، ولنبدأ بأبو جرة سلطاني مثلا؟ والله حتى لا أريد جرح أي شخص أو من يلي أبو جرة، أريد أن أقول حقائق فقط في هذا الباب، مادامت الفرصة قد اُتيحت. أما الرجل الذي ذكرت فتربطني به علاقة وطيدة يسودها الاحترام الكبير والمتبادل، وحرام أن أزيد على ذلك أو أنقص منه. ليس لي أولنا مع أبو جرة سلطاني أي نزاع أو مشكلة. هل لا يزال يتردد على البيت ليطمئن على الأهل مثلا؟ أنا العبد الضعيف يزورني مرارا وتكرارا، بل ويكلمني “ساعة على ساعة"، وليست هناك أي بروتوكولات تمنعني من مكالمته أواللقاء به، فهو أستاذ وداعية حتى لا أقول الشيخ، لأنها كلمة عزيزة علي كثيرا. لم يألف لساني قولها لغير الغالي علينا جميعا.. والدي محفوظ نحناح رحمه الله، ولكن ليس لدي ما أتحرج من قوله في أبو جرة سلطاني. أتفهم كثيرا اختيارك لهذا الكلمات، ولكن أنت الذي تكتم أسرارا كثيرة اطلعت عليها من والدك أوحضرت ظرفا من ظروف حدوثها، هل الشيخ سلطاني كان جديرا بخلافة الوالد رحمه الله بغض النظر عن انتخابه أوتزكيته على الطريقة النظامية؟ موقفي الشخصي ممن قد يتداولون على خلافة والدي لا يستحقون أكثر من عهدة في نظري والله أعلم.. (ماندا وعڤب وصحّ يسلمك).. ربما كانت السنوات الخمس الأولى لأبو جرة سلطاني كفيلة بمستقبلها لو اكتفى بها. إذا كان سلطاني (تاع ماندا وعڤب) كما تقول، فمن هو الأصلح لخلافته في نظرك؟ والله شخصيا لا أستطيع أن أحدد شخصا بعينه، قد تصنع الأيام والنضالات قياديا جديرا برئاسة حركة مجتمع السلم، وحاليا هناك أسماء تدور في الكواليس وقد برزت في الصحافة، لكن ليس على لسان أعضاء في المكتب الوطني أو على لسان قيادات، فهناك من يتحدث عن أهلية عبد الرحمان سعيدي وعن عبد الرزاق مقري. لا أريد الخوض في سيرة أي منهما، وقد تكون الأيام أحسن وسيلة للإجابة وتحديد الخليفة. قلت أن بيت نحناح أخرج إطارات ومسؤولين كبار في الدولة، لكن هؤلاء بينهم من خرج عن حركة مجتمع السلم بداعي أنها انحرفت عن منهج الشيخ نحناح، فتعددت بداخلها الملل والنحل، منهم من هجر ومنهم من ينتظر، ودعني هنا أثير قضية الذين هجروا مثل مناصرة وغول.. ما قولك فيهما؟ أما مناصرة فذكره الله بخير.. ولكن الخروج عن حركة مجتمع السلم فقد آلمني كثيرا وتأسفت له أيضا. فكل من حدث له صداع في الرأس يحمل أغراضه ويخرج، بدل الدفاع عن الفكرة كما كنت أذكر عن والدي. كان على من خرج أن يعي ويدرك أن هذه الحركة سهر على بنائها رجال كانوا ينامون من الليل قليلا، ثم تأتي أنت في آخر المطاف لتتركها بتلك الطرق التي عرفناها.. ما تعلمته عن الشيخ رحمه الله أن النضال يكون داخل الحركة وليس خارجها بمبرر أنه لم تعجبك قيادة فلان أوعلان. أنا نورالدين نحناح أتحدث باسمي الخاص وبصراحة.. لم يعجبني الانقسام لأنه لا ولن يبني الحركة لا اليوم ولا غدا. وماذا عن غول؟ والله هذا له شأنه اليوم.. غول سيحول.. غول سيزول لماذا هذا الاعتقاد؟ لأنه خرج كالبقية الذين لم يظهر عنهم أثر، ربما ستظهر أطراف أخرى ستسير على عقبيهما. ولكن غول من بين الإطارات الأقوياء الذي أنجبتهم حركة مجتمع السلم وفرضوا أنفسهم داخل السلطة كما يقول البعض ومن المفروض إذا كان هذا المستوى الذي أوصلته إليه الحركة بتغطيتها له في إطار النضال بداخلها، يُفترض أن يكون على الأقل أكثر القياديين تمسكا بنهج نحناح وأوفاهم للعائلة؟ يا أخي من الصعب أن تتحدث عن العهد بالنسبة للشخص الذي ذكرته، أوعن الوفاء وما أدراك ما الوفاء. فالوفاء كلمة ثقيلة جدا، وحتى لا أقول خان الوفاء أقول أنه اليوم انكمش على ما كان عليه، وهو “ڤابض بلاصتو وقاعد". علاقتي بغول قديمة قبل أن يكون وزيرا وقبل أن يكون نائبا. معرفتي بغول كانت قبل أن يكون ما هو عليه اليوم.. اليوم أنت تعرف.. غول مسؤول كبير (يقولها بحسرة) وللحديث بقية.. أنا لا أريد التركيز على شخصية ما. ولكن بحكم أنك تحدثت عن الذين ذكرتهم بلا حرج، أصر لكي تتحدث عن غول بلا حرج، ما الذي يجعلك كذلك بينما القاصي والداني داخل الحركة يشهد أن غول كان من أول المبادرين لتلبية ما أمكنه من انشغالات عائلة نحناح.. هل حرجك في أنك لا تريد القول أنه لم يلتزم مثلا؟ في الحقيقة ليس كل ما يُقال جدير أن نسمعه أو ننصت له، وإذا كان هو من قال ذلك فهذا كلام غول لا يلزمه إلا هو، وهو حر في قول ما يشاء. أما أن نأخذ تصريحا أواثنين في جريدة ما مرة أو مرتين كمرجع، فهذا خطأ. وعن علاقة الشخص الذي ذكرت بالعائلة فأرد عليك سريعا لأقطع أمامك مزيدا من الأسئلة عنه. أما عن وقوف غول مع العائلة بعد رحيل نحناح أقولها بكل صراحة.. لم نجد لا غول ولا غير غول، لا خطوة من قبله، والكلام الذي يكون قد قاله “إزيدو في روحو". غول أنا الذي أجلسته بهذا البيت بعد وفاة والدي مع أهم مسؤول في البلاد . وقد عبّرنا أمام هذا المسؤول الكبير عن عرفاننا لغول في وقتها بالتزامه الشفهي وقد باركنا أمامه حتى إمكانية حمله المشعل، ولكن كان ذلك ظنّا منا أنه سيبقى على العهد، وأقول ظننا حتى لا أستعمل ألفاظا أخرى.. ولكن مباشرة بعد منحنا له فرصة الجلوس معه بطلب منه، تمت الحكاية وانتهت. القيل والقال لا ينتهي في الحقيقة، ولهذا أقول اليوم أن عائلة المرحوم نحناح لم توكل لأي شخص صلاحية الحديث باسمها. وذكّرت غول بذلك وبالتزامه، ولكن اليوم بعد 10 سنوات عن رحيل محفوظ نحناح لو أبدأ في كشف الأسرار لن أتوقف وأنا أتحمل مسؤولياتي.. فعندي ما أقول عن غول ولكن أفضّل اختصار كل شيء بأنه ليس صاحب وعد رغم قسمه. كان أبناء نحناح في أزمة سكن مثلا، ولكن اليوم أكون مجحفا في حق الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وأحمد أويحيى لو قلت أن غول ساعدنا على الأقل في إيصال انشغالنا، فهذا الذي تتحدث عنه لم يساعدنا، فبالله عز وجل ثم محفوظ نحناح داخل قبره، يعود الفضل في تفريج أزمة السكن عنا، إلى الرئيس عبد العزيز بوتفليقة والوزير الأول السابق أحمد أويحيى، وبلخادم، ولا أحد يزايد علينا.. لا غول ولا غيره. ونحن لم نحصل على سكن في حياة المرحوم بل بعده، وغول أراد تبني هذا الخير، وهناك من أراد تبني أمور فعلها الرئيس وأويحيى بالقول أنه هو من كان وراء قرار منح السكن لأبناء نحناح. وماذا عن باقي المسؤولين، بن بادة مثلا؟ ذكره الله بخير، إنه رجل وفيّ لنهج نحناح، وفي لعمله، وفي مواقفه وفي رجولته، وهو من الناس الذين كالمرجان وليس كالحجر في الوديان، وإننا لا نزكي على الله أحدا، وليس لنا معه أي مصلحة، ولكنه يجعلك تشعر بصدق أنه رجل وفي وصادق في ما يقول، وهو يختلف كثيرا عن بعض الوزراء. وبالمناسبة أريد أن أقول أنني لم أدق يوما على باب بيت وزير من الوزراء بعد وفاة الشيخ. هل تؤكد محاولة الاتجار باسم نحناح وبعائلته سياسيا؟ هذه الموضة انتهت. لقد حاولوا اغتصاب مؤسسة الشيخ محفوظ نحناح، ومنهم من أسس مؤسسة الشيخ نحناح، ونحن عائلته لا علم لنا بالموضوع وآخر من يسمع، بل هناك أطراف عملت على إقناع أطراف أخرى تعنيها المؤسسة أن عائلة نحناح هي التي ترفض إنشاء هذه المؤسسة، وهذا غير صحيح. ثم هل نكون في مؤسسة لا صلاحية لنا فيها، ويتم فقط استعمالنا كديكور ليلتقطوا لنا الصور في الصفوف الأولى أمام الصحافة في كل مناسبة؟؟، وبالتالي عملت على إقناع شقيقي أن هناك أطرافا تريد استعمالنا فقط في إنشاء مؤسسة محفوظ نحناح دون إشراك حقيقي، وبالتالي هم الذين كانوا ضد العائلة ولم تكن العائلة ضد المؤسسة. هل لكم منحة ما من حركة مجتمع السلم اليوم، تعيل العائلة أوتتدبر بها شؤونها؟ لقد علمنا بعد وفاة الشيخ أنه كان له راتب شهري، ولكن بعد وفاته “طبقوا علينا صحّ.. اسلمك.. ويسقسي عليكم الخير ويحمد رايكم" (يقولها باللهجة البليدية)، وأقولها بكل مسؤولية ولا أحد يزايد علينا، لأن هؤلاء الناس أنا الذين أعرفهم وليس هم الذين يعرفونني. فمنذ سنوات الثمانينيات عرفت الأشخاص والمسؤولين الذين كانوا يترددون على بيتنا ولا يعرفون الفرق بين “لارانج والتشينة".. فالبليدة معروفة بأشجار لارانج.. وللتنكيت فإن أحد الذين كانوا يأتون إلينا وقد أصبح وزيرا، قال لي مرة بعد أن لاحظ في طريقه إلى بيتنا كثيرا من ثمار “لارانج".. لماذا لا يقطف البليديون “التشينة من الشجر".. اعتقادا منه أنها برتقال.."كان ما يفرقش". وهناك أحد الوزارء الذي لايزال وزيرا إلى يومنا هذا، اندهش يوم طلب منه والدي إذا كان يملك بدلة كلاسيكية في البيت، لأنه كان سيُصبح في الغد وزيرا، لأنه هو من اقترحه في الحكومة.. ماذا كان يتمنى نورالدين نجل نحناح، أن تحققه الحركة بعد رحيل والده ولم يتحقق؟ أشياء كثيرة جدا، ولكن أختصرها في أنني كنت أتمنى أن تذهب الحركة إلى أبعد الحدود السياسية وتكون رائدة من كل الجوانب، ولكن للأسف. ولكن دعني أسألك عن نضالك، أليس اللوم عليك اليوم إن كنت بعيدا عن مراكز القرار داخل حركة مجتمع السلم التي خرجت من بيتكم، لأنك لم تحاول أن تفتك مكانتك التنظيمية كباقي المناضلين، وعلى الأقل أن تكون عضوا في مجلس الشورى الوطني.. أليس هذا خطأ منك يا نورالدين. هل هذا هو اختيارك أم كانت رغبة والدك في إبقائك بعيدا؟ نعم أنا اليوم بعيد عن الحركة، وفي حياة والدي كنت مهتما فقط بمرافقته لخدمته والتعلم على يده والنهل من مبادئه، ولم أكن أفكر في المسؤولية، فوالدي عندما ولدت كان غائبا وعند ختاني كان غائبا وعندما تزوجت كان غائبا. لقد وهب نفسه للدعوة والنضال، كان على لسانه جملة واحدة “راني رايح إذا رجعت رجعت وإذا مارجعتش كملوا الطريق". على ضوء هذا الكلام، لدينا معلومات تقول إن والدك خلال مرضه لم يكن يثق في بعض الذين حوله من قيادات حركة مجتمع السلم، هل صحيح؟ بدأت تفتح معي جرحا عميقا (يأخذ نفسا مطولا) الناس الكبار في الحركة هم الذين لم يكن يثق بهم، وفي الوقت الحالي لا تحرجني لقول أكثر من ذلك، سأكتفي بهذا دون ذكر الأسماء، وقد تأتي المناسبة مرة أخرى. بحديثي عن هذا الموضوع أتذكر أنه اعتدي عليه بمكتبه في مقر الحركة. من طرف من؟ من طرف من سمحوا لأنفسهم باغتصاب المكتب في فترة مرضه واعتدوا على حرمته ونهبوا منه الوثائق التي لا نعلم ما كان محتواها و أسرارها، فالشيخ رحمه الله كان ضرره الأول الذي تأثر له كثيرا هو هذا الاعتداء وهو غائب. وكان ذلك في 2002 لما كان في تعب شديد. ومن قام بذلك هم أربعة أوخمسة أعضاء من المكتب الوطني دون ذكر الأسماء. وقد جعلهم الشيخ يقسمون على المصحف الشريف، وأقسموا أنهم ليسوا لهم علاقة بالاعتداء على مكتبه. فهل بقيت ثقة بعد أن يقوم الشيخ بجعل أشخاص يحلفون على المصحف؟. لقد قال لي في يوم من الأيام أنه يعرف ويجيد القيام بكل شيء.. “نعرف نضّارب ونعرف نرقد تحت الڤناطر أو نبات بلا عشا، أنا قراني الجوع والحفى كيما قال العنقى"، ونحن أبناؤه أيضا قراهم الجوع والحفى، وفرق بين من صنع الأحداث ومن جاءت به الأحداث. الخطر اليوم على الحركة كما يبدو لي من الخارج تكمن في الذين جاءت بهم الأحداث. لقد عشت مع الشيخ 21 يوما في المستشفى بفرنسا في نهاية عمره، وكنت أعرف الناس الذين كان يستقبلهم والناس الذين كان يرفض استقبالهم، ولا أريد أن أسمي. تقصد أناسا في السلطة أوفي الحركة؟ لا أقول في السلطة بل في الحركة، إذ كنت أنا من استقبلت رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة أثناء زيارته للشيخ بالمستشفى الأمريكي بفرنسا، وقد مكث معه بغرفته مدة 45 دقيقة. كنت عندما أبلغه عن قدوم البعض لزيارته وهم في قاعة الانتظار بالمستشفى يقوم لاستقبالهم، وكنت عندما أبلغه عن أشخاص آخرين يشير بيديه أنه يرفض استقبالهم. لقد جعلني والدي أقرأ في فترة 21 يوما مكثتها معه بالمستشفى ما لم أقرأه بجانبه طيلة 40 سنة، الرجال الذين يقدرهم الشيخ والذين لا يقدرّهم. لقد كنت أحاول دوما أن أطلب منه أن يسمح لي في حالة أخطأت في حقه يوما ما.. كان يرد عليّ بقوله “أنت لا تؤذي"، وكان يطيل في بعض الأحيان النظر إليّ فيقول “علابالي بلي راك تقول بداخلك أني فرطت فيكم أومادارناش كذا وكذا، راك حاب تقولي ناس كانوا معاك صفر اليدين ولاوا دي ميلياردير.. راك حاب تقولي هكذا".. كنت دوما أقول له لا تفكر في غير مرضك، لكن في أعماقي فهمت الرسالة التي قالها لي، وقالها لي وهو يبكي. وبينما هو على فراش الموت كان يأتي إليه أناس (يحاولوا يتريتيو) ليتفاوضوا معه ويبحثون عن جهات معينة، سيأتي يوم أكشفهم فيه، خلاصة القول إن الشيخ مات مخدوعا منذ عمله بالأردن. تقصد أنه تمت تصفيته بشكل غير مباشر؟ لا أريد الدخول في التفاصيل الآن من فضلك، أنا ابنه وما قاله لي في 21 يوما لم يقله لأحد غيري. المسؤولون في الحركة عندما كانوا يزورونه في المستشفى كانوا كثيرا ما يقلقونه عن موضوع ضرورة العودة إلى الجزائر، حتى انتفض في أحد الأيام وقال لهم أنا أفهمكم أنتم متعددو الزوجات ولكم تجاراتكم وأولادكم، وأنا تعتقدون أنه ليس لدي أولاد “اللي حاب يروح يتفضل". لقد حرموني أنا العبد الضعيف من رؤية والدي طيلة ثلاثة أوأربعة أشهر، إذ خبؤوا لي ولوالدتي جواز سفري، بداعي أنهم يسعون لجلب التأشيرة لنا ولكنهم لم يريدوا أن نطلع على ما يفعلونه به هناك، حتى خرجت الأمور عن حدها. لقد وضعونا في حالة بائسة، وكان علينا البحث عن وساطات لكي نتحرى أخباره. لم يكن معقولا ما تعرضنا له خلال فترة مرضه. في السياسة لم أكن أتدخل ولكن عندما يمرض والدي فهذا شأننا العائلي الخاص الذي لم يكن لأحد الحق أن يقرر فيه غيرنا، إلا أن الذي حدث معنا كان العكس. ومن فعلوا فينا هذا معروفون، سيأتي اليوم الذي أكشف فيه الأسماء أيضا، لقد كان يتلاعبون بي وبوالدتي حتى لا تكتشف ما كانوا يفعلون به، وفي نهاية الأمر حتى “الفيزا" لم يجلبوها لنا. لقد خبؤوا عنا الجوازات، كان والدي يرفض شرب الدواء من أيدي الناس الأقرب إليه في الحركة، لقد كان يطلب مني أن أنزع حبة الدواء التي لم يبتلعها من تحت لسانه عندما يغادرون الغرفة، وهذه المسألة لاتزال تحيّرني إلى غاية اليوم. والحيرة سببها أن هؤلاء الذين كان يقول عنهم ذلك يدعون أنهم كانوا الأقرب إليه. لقد أصبح كل من هب ودب يقول أنه كان صديقا للشيخ.. من صافحه يقول ذلك، من رفع له يوما محفظته يقول ذلك، ومن أخذ معه صورة يقول ذلك.. الشيخ مات مخدوعا وأتحمل مسؤولية ما أقول، وحسبي الله ونعم الوكيل، ودعوتي أن ينتهي هؤلاء في المستشفيات وفي المحاكم إن شاء الله. أنا متأكد أنهم لا ينامون بضمير مرتاح، لأن خلال فترة مرض الشيخ كانوا يبيعون المعلومات حول مرضه لجهات معينة، لإطلاعهم على كم تبقى له.. وماذا عن الوثائق التي ضاعت؟ لم نعثر عليها ولم نعرف محتواها، ولكن هذه المسألة كانت من بين ما أتعب الشيخ كثيرا، لما اعتدي عليه بمكتبه ضاعت بعض الوثائق، والبعض جاؤوا إلى البيت بعد وفاته لأخذ وثائق أخرى، لكنهم لم يمنحونا أي اعتبار لكي يطلعوننا على محتواها لنتأكد أنها لا تشكل خطرا على سمعته أو على سمعة العائلة. لقد قالوا لنا فقط أنها تخص الحركة. مقابل ذلك عندما ذهبت إلى مقر الحركة لكي أستعيد ملابسه وجدتها مرمية على الأرض وأنا الذي انتشلتها، وسألتهم إن كان هذا هو جزاء المرحوم؟؟ نحن لا نحتاج اعتبارا من أحد والحمد لله عندما نخرج الى الشارع لا يقال لنا أن والدي مدين للناس بل يقولون لنا كنا مقصرين مع والدكم.. لكن هناك من بقي رجلا حقيقيا ولم يتحول، وكما ذكرتهم لك سابقا بالاضافة إلى ميمون.. لقد أخذوا منّا في حركة مجتمع السلم أشياء خاصة بالشيخ، وقد طلبناها منهم ورفضوا إعادتها لنا، ولا أحد استطاع أن يأخذ موقفا من الآخر لأن كل واحد منهم له.. فليردوا الرزق إلى أصحابه، ومن يسمع أو يقرأ سيعلم بأنهم معنيون. لقد عاش والدي بقدره ومات بقدره.