يجمع المتتبعون للشأن الثقافي أن القطاع لم يعرف “بحبوحة" مثلما عرفها في عهد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، بالنظر إلى المبالغ المالية الكبرى المخصصة لاحتضان الفعاليات العربية والافريقية والدولية، الانتعاش دب في كل الجسد الجزائري، إلا أن الكم غلب على الكيف في نظر من ينتقدون غياب استراتيجية ثقافية واضحة. راهنت الجزائر في نهاية التسعينيات على العودة إلى الساحة الدولية، من خلال التكثيف من الفعاليات الثقافية والفنية، وكان لا بد من تكسير جدار الخوف واحتلال الساحات والفضاءات بالموسيقى والتظاهرات، بعد أن سكنها الجمود وبرودة الوحدة والعزلة. لهذا بدأت العودة إلى المهرجانات العتيدة مثل “تيمقاد" و«جميلة".. وغيرها، فشكلت المحور الذي تحولت عبره الجزائر إلى قبلة لاستقبال ضيوف من خارج الوطن، ناهيك عن تحريك الطاقة المحلية لصالح النشاط الجهوي. من الجحود إنكار الخطوة الكبيرة التي حققها قطاع الثقافة طيلة ال 14 عاما من عمر عهدة بوتفليقة، بعدما كان اسم الجزائر يثير الرعب في الأنفس، أصبحت البلاد قبلة لجنسيات متعددة، تبحث عن أفق جديدة للعمل والاستثمار. استعاد الجزائري حرية الخروج إلى الحفلات والمهرجانات الموسيقية والمسرحية والغنائية، بعدما كان خروجه لقضاء حوائجه اليومية، ضربا من المجازفة والمخاطرة بالنفس. كما راهن بوتفليقة في سنوات حكمه الأولى على الصالون الدولي للكتاب، فنظمه إلى اليوم تحت رعايته السامية ويشرف شخصيا على افتتاحه. كما حاول الرئيس أن يرعى جائزة علي معاشي للشباب، إلا أنها لم تفض إلى نتائج مرضية، ولم تخرج أسماء متوجيها عن حدود الوطن، أصلا طالب الكثير منهم بمنحها طابعا دوليا أو عربيا على شاكلة الجوائز الأخرى. كرست الجزائر في عهد بوتفليقة مؤسسات تسهر على تطبيق سياسته الجديدة، التي يمكن أن نشبهها ب “الصدمة" التي تعيد الحياة للشخص. وكان الديوان الوطني للثقافة والإعلام أبرز الجنود المكرسين للمهمة، والذي ضخت عبره ميزانيات معتبرة لاستقبال النجوم العرب وتوفير كل سبل الراحة لهم. وزارة الثقافة ممثلة في وزيرتها، خليدة تومي، شكلت المعادلة الصحيحة لتطبيق خطة الرئيس، رغبته، أمله، هدفه... لم يسبق لوزارة ثقافة أن حظيت باهتمام حكومة معينة، مثلما حظيت وزارة تومي بسخاء حكومات عهد بوتفليقة، وأصبح لوزيرة الثقافة القدرة على المطالبة بميزانية أكبر، وهو ما تؤكده المسؤولة الأولى على القطاع في كل مرة. شكل احتضان الجزائر لأكبر التظاهرات العربية منذ 2007، المنعرج البارز في مسيرة القطاع، ومعه أموال لم يكن يتصورها وزير ثقافة سابق في عهد سابق، أيضا سمحت الفعالية بترسيم مهرجانات أصبح تعدادها 167 بين وطنية ومحلية، ناهيك عن ملتقيات ولقاءات وإنشاء مؤسسات جديدة. في زمن بوتفليقة بلغت طباعة الكتاب أرقاما قياسية، في 2007 و2009 و2011 إضافة إلى البرامج التكميلية لهذا المشروع الذي استقطب دورا حقيقية وأخرى وهمية؟ فيما يقول المنتقدون أن ملايين الكتب المنشورة لم تخرج إلى النور الثقافة الجزائرية، وأنها لم تقم سوى بتكرار ما كان سائدا من قبل. تلقي ثلة من المثقفين والفنانين اللوم على عهدة بوتفليقة ومن خلاله خليدة تومي، إهمالها للفعل الإبداعي الحقيقي، بالقول إن تبني الدولة للنشاط الثقافي لا يعني بالضرورة وجود حياة ثقافية، ويتساءلون من منابرهم عن التزام الوزارة الصمت حيال الإعلان عن خطتها الثقافية سنويا وشرح سياستها القطاعية، منددين ب “الأبوة" الثقافية الممارسة على الابداع بمختلف أشكاله. فيما ذهب آخرون للقول إن السياسة الثقافية الممنهجة للرئيس خلقت أدبا سلطويا، فيما كان ينتظر من الكتاب والأدباء أن يمنحوا للجمهور متنفسا إبداعيا للتعبير الحر.