على هامش المهرجان الدولي للأدب وكتاب الشباب في طبعته السادسة والذي كانت ساحة رياض الفتح مسرحا لفعالياته على مدار تسعة أيام، من 13 إلى 22 جوان الجاري، نشطت "الجزائر نيوز" ندوة صحفية استضافت خلالها الروائي العراقي الدكتور محسن الرملي والشاعر الجزائري خالد بن صالح والكاتب والناشر لزهاري لبتر بالإضافة إلى زينب مرزوق المكلفة بالاتصال في محافظة المهرجان، أين تم التطرق لفعاليات المهرجان وإشكاليات الكتاب والنشر في الجزائر. الجزائر نيوز: نبدأ من المهرجان، كيف ينظر الكاتب إلى مثل هذه التظاهرات الثقافية؟ رأيي أنه يجب الإكثار من هذه النشاطات وتحسينها، كما يجب توزيعها على باقي مناطق البلد، فهي تقرب الثقافة من المتلقي وتقرب المتلقي من الانتاج الثقافي، عدا ذلك فهذه النشاطات لا تكتفي بالجالية المثقفة الجزائرية إنما تتيح المجال أيضا للجالية العربية والعالمية، وبالتالي تتيح للمتلقي فرصة التعرف على عدة وجوه وأصوات من مناطق العالم وتفتح مجال الاطلاع على ثقافات مختلفة حوله، بهدف التعارف، التلاقح واحترام جماليات التنوع. التظاهرات الثقافية هي حالة صحية للثقافة، تجمع أسماء محلية وأجنبية لتخلق فضاء مفتوحا للحوار وتبادل الخبرات، أهم ما في هذه التظاهرات الثقافية أنها تحمل طابع الجدية لتأسس علاقة بين النقد والقراءات، هي فرصة لكي ينقل الأديب تجربته ويتحدث عنها بشكل أوسع ويوصلها للآخر، هي فضاء مفتوح للكتاب والشعراء والمبدعين للتواصل فيما بينهم وتكوين علاقات صداقة تخدم الأدب وتجربة الإبداع. الجزائر نيوز (لخالد بن صالح): بما أنك من الكتاب الشباب الجزائريين الذين حضروا في هذه التظاهرة، كيف تنظر إلى حضور المبدعين الشباب في الطبعة السادسة؟ أولا أنا سعيد جدا بوجودي في هذه الطبعة بعد إصدار كتابي الثاني "120مترا عن البيت"، الرواية كان لها حضور في الصحافة ومجالات القراءة الأدبية في الجزائر، بخلاف مجموعتي الأولى "سعال الملائكة المتعبين" التي لقيت صدى عربيا أكثر من كونه جزائريا. رغم ما حققه هذا العمل كتجربة أولى على مستوى الكثير من الملاحق الثقافية العربية "كالمستقبل اللبنانية، أخبار الأدب، القدس العربي" ولكن يبقى هذه الأمر يحز في نفسي كمبدع جزائري، كون الاهتمام المحلي معدوم لهذا النص وهذا حال الكتاب والمبدعين الشباب الجدد بصفة عامة. شعرت بسعادة داخلية تحققت لي بعدما حقق عملي الجديد نجاحا ومدى الصدى الذي لقيه من أقلام ثقافية أو صحفية جزائرية. أعتقد أنه يجب أن يكون هناك اهتمام بالإصدارات الجديدة للشباب ربما استطاعت أن تحقق شيئا للمشهد الأدبي بصفة عامة. الجزائر نيوز (لخالد بن صالح): ألا تعتقد أن وجودك خارج البلاد كان له دور في اختيارك لهذه الطبعة؟ المشكل الأساسي الذي نعاني منه هو التوزيع سواء داخل الجزائر أو خارجها، الكتب التي تنشر في العاصمة لا تتيح للقارئ في المناطق الداخلية فرصة الإطلاع على جديد الأدب وإن تحقق ذلك فيكون بأسعار خيالية تفوق قدرة القارئ على أن يقتنيها، فالتحدي الكبير للكاتب الجزائري هو حضوره الداخلي أكثر من حضوره الخارجي، رغم أن الحضور الخارجي يمنحه العديد من الامتيازات كترجمة أعماله للغات أخرى. تجربتي مع دار "الاختلاف"، (كونها تعمل شريكة مع دار لبنانية)، جعل عملي يتوزع في دول عربية كثيرة وهذه فرصة للمبدع كي يعرف في الدول الأخرى ويشارك في فعاليات المهرجانات الدولية الأدبية. الأمر نفسه هنا بالجزائر، فالمعرض الدولي للكتاب هو الطريقة الوحيدة للقارئ من المدن الداخلية كي يكون على اطلاع بالجديد في عالم الكتاب على المستوى العربي أو المحلي، أعتقد أنه يجب أن تقام معارض وطنية في المناطق الداخلية، ويجب تقليد التجربة الأوربية المتمثلة في المقاهي الأدبية المنتشرة في المدن والعواصم، هذا التقليد الذي تحافظ عليه هذه البلدان رغم الأزمة المالية الخانقة التي تعانيها. يجب توطيد العلاقة بين القارئ والناشر والمبدع. الجزائر نيوز: رغم أن هذا المهرجان معنون بأدب الشباب إلا أننا نسجل ظهورا محتشما لهذه الفئة، حيث لا توجد سوى ثلاثة أسماء تقريبا، ما قولكم في هذا الموضوع؟ أنا أعتقد أني مطلع إلى حد ما على المشهد الثقافي الجزائري والجزائر أمة ولادة وأنا في زيارتي الثانية اكتشفت مزيدا من الأسماء حتى التي لم تحضر هذه الفعاليات اكتشفتها من خلال كتاباتها، ثم ليس شرطا عندما تعنون تظاهرة بأدب الشباب أن يكون حضور المبدعين الشباب فيها طاغيا، فحضور البعض وإتاحة الفرصة لهم ليتحاوروا مع أسماء لها تجربتها مثل حسن داود بشكل مباشر خصوصا أن اللقاءات تدار بشكل حوار وليس محاضرة كلاسيكية يسهم في تطوير قدراتهم وتفتيح آفاقهم . صحيح أن مشاركة الشباب في هذه الفعالية قليلة، حيث توجد ثلاثة أو أربعة أسماء فقط، هناك أسماء تحصلت على جوائز وطنية ودولية مثل الروائي "إسماعيل يبرير" الذي تحصل على جائزة "الطيب صالح" للرواية عن عمله "وصية المعتوه" ولا نجد اسمه حاضرا ، الإشكالية في من يختار الأشخاص الجديرين بالمشاركة في الطبعة وعلى أية معايير يتم هذا الاختيار. الإشكالية تتجاوز هذه النقطة، إذ يجب على الإعلام أن يقوم بدوره في إيصال المعلومة، ولكن كي تصل المعلومة يجب أن يقوم الناشر بالاتصال به وإطلاعه على الأعمال الجديدة. هذا ليس المهرجان الوحيد الذي يقام، والأسماء تتغير كل طبعة ومن لم يسعفه حظ القدوم في هذه الطبعة ستفتح له الأبواب في الطبعات اللاحقة، عموما الأمر يعود للجنة التنظيم ولها معاييرها الخاصة في اختيار الأسماء المشاركة. المشكل الجوهري هو في تسمية المهرجان في حد ذاته والهدف منه، ماذا أردنا من خلال خلق هذه التظاهرة ؟ وما هي فلسفتها؟ المهرجان يتطرق من جهة إلى الأدب بشكل عام كالقصة القصيرة، الرواية والشعر، ومن جهة أخرى إلى أدب الأطفال والشباب (رغم وجود فرق بين الأدبين) المشكل أنه من المستحيل أن تتطرق في برنامج واحد إلى أدب الأطفال والشباب والكبار، على كل حال نحن لا نملك أدب أطفال ولا مهرجانا خاصا به مثل ما تفعل الدول الأوربية كمهرجان "مونتري" أو مهرجان "بولونيا" لأدب الأطفال. السؤال الذي يجب أن نطرحه هو هل يوجد أدب أطفال أو أدب شباب في الجزائر؟ أقول أن انتاج دور النشر هنا لا يرقى إلى المستوى المطلوب سواء لأطفال الجزائر أو أطفال العالم العربي، مما يطرح سؤالا ثانيا وهو هل توجد صناعة كتاب في الجزائر؟ الجزائر نيوز ( للزهاري لبتر): كنت قد دعوت إلى ثورة في صناعة النشر، على أي أساس تقوم هذه الثورة؟ وكيف نغربل الفضاء الأدبي ممن دعوتهم بتجار الكتاب والأدب؟ حسب إحصائيات الصالون الدولي للكتاب بالجزائر يوجد 200 ناشر و150 مكتبة في الجزائر، منها 50 مكتبة تتمتع بمستوى دولي وتنتشر في العاصمة وشمال الجزائر. بالنسبة للناشرين نجهل عدد العناوين المنشورة كل سنة، سواء ما تعلق باللغة المكتوب بها أو بالمقروئية أو نوعية الكتب. نحن لا نملك أي إحصاءات تمس هذه النقاط الحساسة حول الكتاب والأدب، أما بالنسبة للذين أسميهم تجار الكتاب، نحن نجهل عدد الناشرين الذين أمضوا عقودا مع الكتاب المتعاملين معهم، وكم يدفعون لهم... يتقاسم الناشر العائدات مع الكاتب أو يطلب منه أن يدفع له بينما العكس صحيح في الدول الأوربية، وهذا هو السبب الذي جعلني أسمي هذا النوع من الناس بتجار الكتاب وأنا لا أملك احتراما تجاههم، إن لم تقتنع بمحتوى النص لا تنشره، في رأيي الناشر هو من يسعى لنشر الكتاب ويقاتل من أجله، يمضي عقدا مع المؤلف ويعطيه حصته المتمثلة في ال10 بالمائة، لهذا دعوت إلى ثورة في مجال النشر. كيف سنؤسس صناعة للكتاب في الجزائر؟ كيف سنبني فلسفة الكتاب وفلسفة الأدب في الجزائر؟ كيف نكوّن سياسة للكتاب والأدب بهذه الطريقة؟ الجزائر نيوز: طبع في إطار المهرجان كتاب لتكريم مجموعة من الكاتبات الجزائريات، فيه مقتبسات من بعض أعمالهن دون أخذ موافقة بعضهن حتى أن إحداهن قالت إنها لم تعلم مطلقا أنها مكرمة في هذه التظاهرة، هل يصح هذا الأمر؟ في حالة التكريم من مصلحة الناشر ومن مصلحة المؤلف أن تنشر مقتطفات من أعماله في كتاب مماثل، الأمر أشبه بإشهار مجاني، وهذا ليس نشرا للكتاب وبيعه بل هو نشر لصورة الكاتب واسم ناشره وبالتالي هذا سيدفع القراء إلى البحث عن الكتاب الكامل لاقتنائه، هذا مباح في التكريم فالكل هنا يحتفل وفي لحظة التكريم من يهتم بالحقوق؟ الجزائر نيوز: في رأيكم لماذا نستدعي دائما كتابا شبابا من الخارج ولا نفتح المجال لمبدعينا الشباب هنا؟ ربما يكون ذلك لانتشار هذه الأسماء وكما قلت سابقا اللجنة لديها معاييرها، وإن كنت أعتقد أنه من المهم جدا إعطاء الأولوية للكاتب في الداخل على الكتاب الجزائريين الموجودين خارج الوطن. لسنا ضد إحضار أدباء من خارج الوطن لإلقاء محاضرات هنا، بالعكس، أعتقد أن هذا سيكون إضافة لجيلنا من المبدعين الشباب لصقل خبرتهم، ولكن أؤكد على نقطة أراها مهمة وهي إذا تم استدعاء كاتب سواء من الداخل أو الخارج في هذه اللقاءات الأدبية يجب أن يستحق هذه الدعوة وأن يقدم الاضافة، ما الفائدة عندما تدعو كاتبا توقف عن الكتابة منذ 10 سنوات؟ ماذا سيضيف شخص كهذا للمهرجان أو للأدب؟ القائمون على مثل هذه التظاهرات يجهلون أو يتجاهلون كتاب الداخل لأنهم لا يقرأون بالعربية، تلاحظ أن الاهتمام الوحيد بالأدب الفرانكفوني وخاصة الأدب الصادر بالخارج، الكثير من القراء ينبهرون بسارة حيدر رغم أنه لا أحد اهتم بها أو قرأها عندما نشرت الاختلاف روايتها "الزنادقة" ونفس الشيء اكتشفوا وجود عمارة لخوص بعد أن سافر لإيطاليا ونشر روايته هناك ثم اشتريت الحقوق وأعيد نشرها بالفرنسية في دار البرزخ ولا أحد يعرف أنه قبل ذلك بسنوات نشر أول رواياته في دار الاختلاف، وهذا يطرح إشكال الاهتمام بالكتابات المنشورة بالفرنسية على حساب الكتاب الذين يكتبون بالعربية. الجزائر نيوز: لماذا تعجز دور النشر الجزائرية ومؤسساتنا الثقافية عن تسويق المبدعين الجزائريين رغم الإمكانيات والطاقات الموجودة؟ أولا هناك غياب لاستراتيجية ثقافية من المؤسسة الرسمية، غياب استراتيجية للتوزيع غياب استراتيجية للنشر والكل يعلم الكارثة التي حدثت في 2007 يعني هناك دور نشر وهمية ولدت في تلك السنة ووئدت في تلك السنة بفعل فاعل يعني بفعل أصحابها في حد ذاتهم من أجل أغراض ربحية وتم إقصاء كل دور النشر الحقيقية التي كان لها خط إبداعي معين وهذا يطرح الكثير من الإشكاليات، بدل أن تمنح مثلا الدعم لدار نشر تأسست اليوم فكر في دار نشر لديها عشرين سنة من التواجد وتعيش أزمة ولها خط إبداعي ولها أسماء معينة تنشر لها وقدمتهم للقاريء ومثلوا الإضافة امنحها الدعم ووفر لها امكانية الاستمرار، قبل 2007 كان عدد دور النشر قليل جدا وبمجرد الإعلان عن الدعم ارتفع العدد إلى أكثر من 200 دار نشر والمشكل أن الكتب التي نشرت، لا من حيث جودة الطباعة ولا من حيث المراجعة الأدبية ولا من حيث المستوى ولا من حيث وجودها في المكتبات كان هناك تشويه كبير. بالعودة إلى السنوات الأخيرة هناك حركية للنشر وهناك مجالات اهتمام معينة للنصوص الجيدة والنصوص ذات المستوى ولكن هناك مشكل في التوزيع فكل شيء ممركز في العاصمة ومن هنا فالناشر يطالب الكاتب بالمال لأنه لا يملك أدوات التوزيع لو كان الكتاب يصل إلى الولايات الداخلية أكيد سيباع، ماذا تساوي ألف نسخة في بلد مثل الجزائر حتى دول أوربية متواضعة من الناحية الاقتصادية تطبع من 4000 إلى 5000 نسخة للعمل الواحد وهذا المشكل مطروح بالجزائر وعربيا أيضا. مثلا الكاتب الياباني موراكامي صاحب رواية "كافكا على الشاطيء" تبيع دور النشر من روايته ملايين النسخ باليابان وبأمريكا ولما ترجم العمل اجتمعت دارا نشر عربيتين "الساقي" و "الانتشار العربي" من أجل 2000 نسخة وعندما كانوا بصدد توقيع العقد وعرف الكاتب بالعدد أخذ الأمر على أنه نكتة وقال لهم خذوا الحقوق خذوا أي شيء المهم وزعوا الكتاب في العالم العربي وبالتالي فالإشكال يتعلق بالمقروئية في العالم العربي بالدرجة الأولى ولكن هذا لا ينفي غياب استراتيجية للتوزيع وغياب استراتيجية واضحة لاستغلال مكتبات البلديات التي أنشئت هنا وهناك ولكنها لازالت إلى غاية اليوم هياكل دون روح نظرا لغياب التفعيل اللازم لمديريات الثقافة ودور الثقافة، حيث كل الاهتمام ينصب على صرف الملايير في مهرجانات لا قيمة لها لا من الناحية الاجتماعية ولا الثقافية ولا حتى السياسية في حين يبقى الكتاب مظلوم في الجزائر هذا أمر مؤسف جدا ويتحمل العبء في النهاية الكاتب والناشر والقارئ الذي يحرم من الكتاب. الجزائر نيوز(لمحسن الرملي) هل هناك جدوى من الكتابة في ظل الخراب والانهيار؟ الإبداع والكتابة هو العزاء والبلسم الوحيد أمام الخراب في القطاعات الأخرى، فمثلا في مصر الأمل في التغيير يقوده المثقفون ويجب أن يعودوا في كل الوطن العربي لممارسة دورهم التنويري، وفي العراق كان بلسم حياتنا هو الشعر والأدب وأول ما حدث بعد احتلال العراق استمر الحراك الثقافي وأقام مجموعة من الشباب بعد شهر مهرجانا للمسرح لبث الروح في الناس حتى لا ييأسوا ويصابوا بالإحباط. انا أقول هذا عن تجربة كنت في الجيش العراقي أقود الدبابة وكنت تحت القصف أقرأ وأكتب داخلها كنت أوثق اللحظة التي أعيشها كانت الكتابة هي بلسمي في اللحظات الصعبة.