الكتاب الجزائري.. غياب وكساد كثيرا ما يشتكي الأدباء في الجزائر من غياب التسويق والترويج لكتبهم وإبداعاتهم وأسمائهم، وكثيرا ما تُلقى اللائمة على الناشر الجزائري، تُرى هل مهمة التسويق ترجع بالأساس إلى الناشر وحده وليس إلى الكاتب أيضا، هل الغياب الملحوظ للأدب الجزائري في محافل الداخل والخارج نتيجة لعدم التسويق يعد خطأ وخطيئة الناشر لوحده وأن أمر التسويق والترويج ليس من مهمة الكاتب الذي من المفروض أن يتفرغ للكتابة والإبداع وليس للترويج، مشكلة من تحديدا، ولماذا الناشر الجزائري لا يقوم بتسويق الأدب الجزائري ولا يسعى لإيصاله وتقدميه كما يجب؟، هل أهل النشر ليست لهم القدرة على تعريف الأدب بشكل جيد، أم هم أصلا لا يجيدون أبجديات التسويق؟، ومن جهة أخرى لماذا الأدباء في الجزائر لا يُجيدون ولا يُحسنون الترويح لأدبهم، لماذا ينزون في أمكنتهم ويراوحونها دون أن يبذلوا جهدا لتقديم أو لتسويق أدبهم إلى الآخر، لماذا ليست لهم في هذا المجال استراتيجيات وأجندات جدية وراسخة بتقاليد خاصة بالترويج والتسويق تخدمهم وتخدم كتبهم وإنتاجاتهم؟. وحتى مع توافر الخدمات التكنولوجية كالإنترنت إلا أن التسويق الأدبي في الجزائر مازال هو الغائب الأكبر وبلا رؤية ممنهجة وبلا خارطة مستقبلية يمكن أن تؤدي مهمة جليلة للأدب والكِتاب والكُتاب معا. هذه أسئلة شغلت كثيرا ومازلت تشغل أهل المشهد الأدبي والثقافي في الجزائر، ويبدو أنها ستظل تشغله كثيرا وطويلا لأن لا حلول تبدو في أفق هذا المشهد وهذا ما لمسناه ولاحظناه من خلال أراء بعض الكتاب وهم يتحدثون عن أزمة التسويق الأدبي وعن غياب استراتيجيات ملموسة ومدروسة بهذا الشأن. إستطلاع/ نوّارة لحرش الخير شوار/ قاص و روائي نحن نعاني من غياب صناعة حقيقية للكتاب نحن نعاني بالفعل من غياب صناعة حقيقية للكتاب تتجاوز الناشر والطابع إلى الدوريات والمنابر الإعلامية المتخصصة، وفي كل مرة نجد أنفسنا مضطرين للتأسيس الذي يتكرر بشكل دراماتيكي في ظل غياب ثقافة الإعتراف و"السند" على رأي أحد المفكرين المغاربة، مضطرون في كل مرة للبدء من الصفر، مع القطائع المتكررة، وهذا الأمر أدى بالفعل إلى إنهاك الكاتب الحقيقي الذي يمنعه حياؤه وكبرياؤه من الترويج لنفسه بالطرق المطلوبة لأي بضاعة يراد لها الانتشار، الكاتب عندنا يعاني على أكثر من صعيد ولئن تمكن من كتابة نص حقيقي فقد حقق المعجزة مع الجو الذي يعتبر الإبداع جريمة. عمار مرياش/ شاعر التسويق عملية صناعية لا نتوفر عليها إن عملية تسويق الكتاب الورقي هي عملية صناعية أصلا تخضع لقوانين وتقاليد وتتطلب بالإضافة إلى كتاب جيدين طبعا، تتطلب منشئات قاعدية مختصة كالمكتبات ونقاط التوزيع وكذلك موزعين محترفين يملكون الموارد المالية والبشرية والمادية والسمعة الحسنة وثقة السوق وتتطلب كذلك وجود ناشرين قادرين على اقتراح كتب جديرة بالتسويق بالإضافة إلى ضرورة وجود حياة ثقافية منتعشة: أمسيات ندوات لقاءات مهرجانات بيع بالإمضاء الخ وتحتاج أيضا إلى ضرورة وجود قراء جيدين وقادرين ماديا ومعنويا على استهلاك الكتاب. هل ترين هذه العناصر متوفرة في الجزائر؟. الشاعر هو مبدع يشتغل على اللغة والوعي والإحساس، مهمته أن يساعد في تطوير الذوق والوعي والإحساس والفن وليس مطالبا أن يفهم في التسويق والاقتصاد والمحاسبة وأن يملك شاحنة مملوءة بالكتب وهو يتنقل من وهران إلى قسنطينة إلى سطيف إلى عنابة إلى تلمسان لترك بضعة كتب في المكتبات النادرة الباقية التي سلمت حتى الآن من الإتلاف، إننا في هذه الحالة نحله محل سيزيف الذي استطاع أن يخدع إله الموت ثاناتوس فعاقبه كبير الآلهة زيوس بأن يحمل صخرة من أسفل الجبل إلى أعلاه، فإذا وصل القمة تدحرجت إلى الوادي، فيعود إلى رفعها إلى القمة، ويظل هكذا حتى الأبد. لكنني أعتقد أن للشاعر والكاتب اليوم إمكانية جديدة من خلال أدوات جديدة هي الإنترنت والتكنولوجيات الجديدة والشبكات الإجتماعية والتي بفضلها يمكن لسيزيف أن يتحول إلى فراشة فلسفة الكاو التي يمكن لحركة جناحيها في البرازيل أن تؤثر على إتخاذ القرار في اليابان في المثل المشهور بأثر الفراشة. المقارنة مثلا مع المشارقة في مسألة التسويق الأدبي غير ممكنة، الجزائر هي قارة مقارنة مع لبنان مثلا التي هي قرية بالنسبة للجزائر ولكن عدد المكتبات الموجودة في هذه القرية هي أضعاف مضاعفة من عددها في هذه القارة، المقارنة غير ممكنة أصلا. عبد الوهاب بن منصور/ قاص وناقد وروائي يجب خلق تقاليد جديدة و النظر إلى الكتاب كسلعة لها خصوصياتها أعتقد أن الترويج للكتاب ومن ثم تسويقه يحتاج إلى تضافر جهود كلّ من الكاتب والناشر إضافة إلى بعض مؤسسات المجتمع، وذلك وفق رؤية ممنهجة مسبقا، لأنّ الكتاب، وإن اعتبرناه سلعة فلابدّ من النظر إليه كسلعة لها خصوصياتها، كمنتج ثقافي معرفي. لكن الكاتب الجزائري، الذي يقول دائما، وهذه مقولة متداولة بين كتابنا، أن النص الجيّد يصنع حضوره أثبتت فشلها وخطأها، فالقارئ في وضع اقتصادي غير مريح، وهو وضع أغلب الجزائريين، لا يجازف بشراء أيّ كتاب دون سابق معرفة بالكاتب على الأقل أو دون توصية من آخر. إن الترويج للكتاب يبدأ قبل صدوره وهي مهمة الكاتب نفسه حيث عليه أن يعلن من حين لآخر أنّه بصدد نشر كتاب وعليه أن يخلق تشويقا لدى القارئ المتتبع، ثم أثناء الصدور وهنا تبدأ مهمة الناشر التي تكون مكملة لمهمة الكاتب، إذ لابد من الإعلان عن ذلك بتنظيم حفل بيع بالتوقيع والحديث عن الكتاب وفائدته. وبعد صدور الكتاب على الكاتب والناشر أن يواصلا الترويج بإقامة الندوات والأيام الدراسية حول الكتاب والكاتب وبالتالي خلق الكاتب "النجم" ولو لفترة وجيزة، وفي هذه العملية التي قد تكون مكلفة لابدّ للناشر من وضع خطة محكمة انطلاقا من رؤيته ودراسته للسوق، لكن الناشر عندنا وهروبا من هذه المسؤولية المكلفة يلجأ عادة للترويج للكتاب بالطرق العادية، خاصة عن طريق الصحفيين بمنحهم نسخا يعلقون عليها بدل دراستها ونقدها، وقد تكون تلك التعليقات غير محفزة لشراء الكتاب، في الوقت الذي يكتفي فيه الكاتب بحديث أو اثنين عن كتابه لينزوي بعدها في عزلته، وكثيرا ما لا يُسوّق الكتاب بشكل جيد يسمح بوصوله إلى كلّ القراء فيحرمهم ويحرم نفسه من الربح، باعتباره تاجرا بالدرجة الأولى. إننا مطالبون بخلق تقاليد جديدة في صناعة الكتاب وترويجه، ولا نكتفي بمعرض الكتاب، الذي غالبا ما يغيب عنه كتاّب الداخل والهامش، باعتباره الفرصة الوحيدة لإشهار الكتاب. خالد ساحلي/ كاتب وقاص لا نملك تقاليد حقيقية لصناعة الكتاب ولا لثقافة النشر في الجزائر الكاتب روائيا كان أو قاصا مؤرخا أو أكاديميا لا ينتظر الحصول على قراءات كثيرة بقدر ما يهتم في المقام الأول بنشر أعماله ليأخذ عليها مبلغا زهيدا أو لتمكينه من تقديم نفسه للإدارة من أجل احتضان بعض مشاريعه الثقافية أو لأجل التوظيف. لقد شهدت إحدى المرات مع صديق تقدم لمسابقة أستاذ جامعي كيف سُئل عن عدد مؤلفاته لأن عامل التأليف يدخل ضمن المسابقة، ولأنه كان محتاطا لهذا المشكل فقد ألّف بضعا من الكتب القيمة التي لم يسأل يوما عن تأثيرها في الساحة الثقافية في الجزائر أو حتى على المستوى الأكاديمي، لأنه ضالع بالشأن الثقافي الجزائري، لأنه فشل هنا ونجح في أمكنة أخرى من البلدان العربية، لقد ألف كتابا لم يتعدى عدد نسخه 500 نسخة وزعها على الأصدقاء، لكنه كما قال أضاف عنوانا جديدا لمطبوعاته. السؤال المطروح مسؤولية توزيع الكتاب وتعريفه للقارئ والإعلان عن أهميته الثقافية والسياسية والاجتماعية في يد من؟، وهل هناك مؤسسات بحثية بمعنى الكلمة تتابع تطورات صناعة الكتاب والتعريف به وتقديمه كعينة بحثية لمشكلاتنا؟. هل عندنا ديار نشر تتمتع بمصداقية حقيقية؟، وهل عندنا مؤسسات إعلامية حقيقية تعلن للكتب الجديدة والتعريف ولو بأسطر موجزة عنها وعن أصحابها؟، وهل عندنا كاتب حقيقي يحمل أعباء الترويج لأدبه وأفكاره أم الكاتب مجرد وهم ظرفي ترفيهي، لعبة حلوى يؤكل بمجرد أن يعطى وعد امتياز؟ ثم كم من ديار نشر وهمية تعمل على المناسباتية مثلها مثل الكتّاب اللصوص الظرفين الذين يتخلون عن رسالة الكتابة بمجرد حصولهم على إستفادات؟، سؤال آخر ألا ترين معي أن المحترقين بالحرف تخلوا عن مهنة الكتابة طمعا في راحة عقل ووخز ضمير بتركها لخسرانهم الدنيا وضياعهم بين فقر وخوف وعراء ولبقاء كتبهم في علب من كارتون في ديارهم، لا سوق كتاب في الجزائر. نحن لا زلنا لا نملك تقاليد حقيقية لصناعة الكتاب ولا لثقافة النشر، إن كانت ديار النشر تعمد في العمل على اللصوصية بأكل حقوق التأليف للكاتب فكيف تعمل على نشر عمله. ما من شك هناك نزهاء يعمدون إلى العمل الاحترافي لكن المشكلة يعملون مع الأسماء المعروفة والتي لها يد داخل السلطة أو كانت في السلطة ثم أحيلت على المعاش، أعني بذلك مشكلة الواسطة في النشر والتوزيع والدعاية للكتاب، أنظروا لكتاب الطاهر الزبيري كم بيع منه لسبب واحد فقط، للترويج الذي لقاه من المؤسسة التي طبعت له الكتاب والأمر معروف نفسها من عملت على توزيعه في معرض الكتاب. هناك يوميات جزائرية لا تعترف بالثقافة بقدر ما تمارس الدعاية لتوجهاتها خدمة لأغراض سياسية أو لأجندات خارجية للمعارضة فتعمل كل ما في وسعها لأجل نشر الكتاب بشتى السبل والدعاية له حتى ولو لفظه المثقفون والكتّاب والنقاد. هل الكتاب الجيد وصل حقا إلى يد القارئ؟ أم أن بعض الأسماء فقط من يعرفها الشارع الجزائري وهذا الأمر مقصود لأجل الهيمنة على أجيال بكاملها وحصر ما تعانيه وما تقدمه من حلول وإصلاحات ليبقى حبيس الرؤوس والرفوف والأدراج ولأجل تهميش دوره الريادي صراع أجيال الكتّاب. من المفروض أن الكاتب يقدم عملا ثم يؤمن بنظرية بارت موت المؤلف لأن دوره ينتهي هنا، ثم يسعى بعد ذلك إلى عمل آخر متفرغا للإبداع والبحث. نحن في الجزائر لا نزال بعيدون كل البعد عن الندوات والأمسيات التي يتم فيها الترويج للكتاب وبيعه من خلال الإمضاء لأنه في الأساس لا توجد هكذا أمور وإن وجدت فالقراء منعدمون. إذا هي عدم جدوى الكتاب والقارئ معا ولكن مع هذا هناك بصيص أمل لمحته في ديار نشر منها دار ميم لصاحبتها الأديبة والمترجمة آسيا علي موسى كيف تعمل على نشر كتب المبدعين وتتحمل في ذلك أعباء كثيرة بخاصة أنها أنثى في زمن رجولي سيء بامتياز. الحقيقة هناك كتّاب ومبدعون تحملوا أعباء توزيع الكتاب وخسارة جنوها جراء طبع إبداعاتهم بطريقة مهينة، لأن الناشر لا يدّعم مشروع خاسر في بدايته، أقصد مشكلة القراءة والمقرؤية والإهمال الكبير لدور الكاتب والمبدع وانعدام قانون يحميه ويعينه. أتمنى أن ترقى دور النشر إلى مستوى يمّكنها من تطوير تعاملها مع الكاتب، بأن تحفظ له حقوقه وترفع عنه غبن توزيع الكتاب، كما أتمنى من مدراء اليوميات أن يرتفعوا قليلا فوق منفعتهم ومصالحهم بأن يمنحوا الفضاء الكافي للتعريف بالكتاب ويقدّموا مبادرات كما في الدول العربية الأخرى المشجعة على القراءة لتعرف المجتمع بمبدعيه أكثر مما تعرف بلاعبيه من الدرجة الرابعة والخامسة في الدوري البلدي، على الدولة مراقبة ديار النشر وإرغامها على التقيد بالتوزيع، وعليها أيضا مساعدة الناشر ماديا بمشاريع تخدم الكاتب والناشر والقارئ معا. بشير مفتي/ روائي في غياب المقروئية وإستراتيجية التسويق نبدو وكأننا نكتب وننشر لأنفسنا سمعت منذ أيام فقط دبلوماسيا جزائريا من العهد الذهبي للدبلوماسية الجزائرية يقول أن قوة الدبلوماسية تنبع من قوة الداخل الذي تمثله فإذا كانت البلد تعبانة والدولة غلبانة لا تنتظر من دبلوماسيتها أن تقوم بأي دور، وهذا هو ربما حال أدبنا في الجزائر فإذا كان وضعه داخليا ومنبته في أسوأ الأحوال وهو يعيش في محيط لا يهتم به ولا يضعه في أولوياته فوجوده في حد ذاته مقاومة حقيقية ضد ثقافة الزوال والانهيار والتتفيه التي نعيشها. بالنسبة للكتاب هنالك أنواع، هناك من يقدم على الإشهار لكتابه والتحدث عنه والترويج لبضاعته وإرسال أعماله إلى الداخل والخارج حتى يفتك له مكانة هنا أوهناك كما يوجد نوع لا يحب ذلك أو لا يستهويه فعل كهذا وهو ينتظر من الآخرين أن يقوموا بذلك مثل النقاد، الإعلام، الناشر إن كانت له إمكانيات طبعا، بالنسبة للناشر طبعا الأمر يخضع لإستراتيجية الناشر وما يطبعه وإيمانه بما ينشره كذلك وهنالك من يقوم بهذا الدور وهنالك من لا يقوم ولا أحد يلوم أحدا لأن نشر الأدب لا يأتي بنفع مادي غالب الأحيان على الناشرين، ولهذا تبدو العملية كلها في غياب المقروئية والتوزيع والمكتبات كأننا نكتب لأنفسنا وننشر لأنفسنا ونريد من العالم أن يسمع بنا لأننا نكتب بشكل جيد ولم يتم اكتشافنا بعد. لا أدري أين المشكلة بالضبط؟ ولكن لو كان هناك واقع ثقافي قوي وسليم ببلادنا لذللنا الكثير من هذه المشاكل التعريفية بأنفسنا، ألا نستطيع أن نؤسس ببلادنا مثلا مجلات كبرى مثل العربي أو دبي أو أخبار الأدب ونحرص على أن توزع عربيا فيكون ذلك هو الطريق الأهم للعبور والوصول إلى كل الضفاف المستعصية الوصول إليها. ألا يمكننا أن نقيم مهرجان عربي أو حتى عالمي كل سنة للرواية مثلما يفعل غيرنا فيتم الاحتكاك والتعارف والتواصل والإشهار، ألا يمكننا تأسيس جوائز كبيرة ببلادنا تقدم الأحسن عندنا وتعبد له الطريق ليصل إلى الغير وهو متوج بمقدار من الإحترام والتقدير، لم نفعل هذا ولن نفعله في القريب العاجل ونظن أن كل شيء سيحدث بمعجزة أو بالصدفة ولكن لا نؤمن بأن الأمر يتطلب عمل كبير وجريء لتحقيق أي شيء لهذا كله أظن أن إصلاح الوضع الثقافي الداخلي سيسهم لا محالة في دفعنا إلى الخارج دون مشاكل أو عوائق وإلا فالأمر سيبقى مسألة فردية كل واحد يخوض معركته لوحده.