إلى جانب الكتب السماوية التي أثرت بعدد كبير من الناس، هناك أيضاً كتب علمية وفلسفية استطاعت تغيير آراء الناس ومعتقداتهم الفلسفية من أجل خير الإنسان والبشر.. فمن الدين والفقه، مرورا بالسياسة والاستراتيجية..وصولا إلى العلم والاقتصاد.. احتفظت هذه الكتب دوما بوقع عظيم ومستمر في الحضارة والإنسان. ظهر الكتاب سنة 1900، ويضم ثمانية فصول، لكل منها عناوين فرعية، أهمها "حلم جويلية 1895"، "لماذا تتشوه الأحلام"، "عناصر الحلم"، "أحلام نموذجية"، "الرمزية في الأحلام"، "أضغاث الأحلام"، "لماذا ننسى أحلامنا"، ولماذا يوقظنا الحلم". تحول اسم فرويد إلى أصل نزعة علمية وفلسفية ومدرسة قائمة بذاتها، خلقت نظرة جديدة في إشكالات كانت تأملية وأضحت علمية، منها تأثير عدم اكتمال الإدراك على الوعي، والأساس الجنسي لاضطراب وظائف الأعصاب، ووجود الغريزة الجنسية لدى الأطفال وأهميتها، ووظيفة الأحلام، وعقدة أوديب، والكبت والمقاومة وقراءة الأفكار، يعتقدون أن هذه الأفكار أمورا عادية. ثم إن فلتات اللسان ونسيان الأسماء وعدم القدرة على تذكر الروابط الاجتماعية، تتخذ أهمية جديدة عند النظر إليها من وجهة نظر فرويد. لا جدال في أن فرويد هو مؤسس طب الأمراض العقلية الحديث. فقبل عصره كان طب الأمراض العقلية يتناول أغراض الجنون، مثل انشقاق الأنف ومرض العقل الجنوني، الذي يحتاج إلى العزل في مستشفى الأمراض العقلية. بدأ فرويد عمله الإكلينيكي بعلاج حالات الكبت والتنازع العصبي. وسرعان ما استنتج أن مثل هذه التنازعات ليست قاصرة على مرضى الأعصاب، بل تصيب أيضا سليمي العقول. وعلاوة على ذلك، ليست الاضطرابات العصبية أمراضا بالمعنى الصحيح، بل حالات نفسية عادية، بدليل أننا "كلنا مرضى عصابيون"، فالقلق المرضي والاكتئاب والعياء والإجهاد وأشكال البرانويا، كلها حالات نفسية يمر منها كل إنسان، وكانت المشكلة الكبرى هي كيفية علاج هذه الاضطرابات العقلية واسعة الانتشار. وبناء على ملاحظاته وتجاربه وممارسته علاج كثير من مرضى فيينا، بنى أسس التحليل النفسي في أواخر ذلك القرن. ومن الطبيعي أن يكون للمدرسة الفرويدية، تلامذة عبر كل الأزمنة، ومن مختلف الجنسيات، منهم من بقي وفيا لمفاهيمه ومنهجه في التحليل، ومنهم من طورها وأدخل مفاهيم أخرى للتحليل النفسي، كوليم رايش وجاك لاكان وكارل يونغ وبيير داكو وغيرهم كثير. كانت الاعتقادات ما قبل الفريدية تعتقد بهامشية الأحلام، فهي بالنسبة لأرسطو مثلا بقايا صور النهار، وهي بالنسبة لديكارت أفكار وهمية غير يقينية وغير بديهية، لكن بالنسبة لفرويد، الأحلام هي آلية تكثيفية للتعويض والتكيف مع معطيات، فرضتها الطبيعة الغريزية للكائن الحي، هذه الطبيعة التي تواجه إكراهات المنع من طرف الواقع من جهة، ومن طرف سلطة الرقابة الأخلاقية، ومن ثمة فأحلامنا ليست هامشا في شخصياتنا، بل هي حقيقتنا اللاشعورية. أحلامنا هي صور مكثفة، لأزمنة وأمكنة وأشياء وشخوص لا يربط بينها رابط واقعي فيزيائي مباشر، ولكن رابطها نفسي، ومن ثمة ينبغي دوما النظر للأحلام على أنها لغة مكثفة من الرموز القابلة للتفسير والتأويل، ومرجع التفسير ليس عاما، أي لا يمكن تعميم التفسير الذي يعطى لحلم رآه شخص عن شخص آخر، وهذا ما يناقض بعض التفسيرات الروحية للأحلام، والتي تضع معاني قبلية للأشياء والأشخاص المشاهدة في الحلم. هناك سبب قوي للاعتقاد بأن فرويد في مصاف كوبرنيكوس ونيوتن، كأحد الرجال الذين فتحوا أفقا جديدا من آفاق الفكر الإنساني، فاتحا بذلك إمكانية كانت تبدو مستحيلة في فهم الظاهرة الإنسانية، علميا. كان فرويد من أعظم كتاب العلوم كثيري التصانيف في عصرنا. فلا يمكن أن نجد مجموعة الأفكار الجديدة والآراء السيكولوجية التي خرجت من قلمه، في أي كتاب فرد أو صحيفة واحدة. ومن المحتمل أنه كان ينظر إلى أول مؤلف له، وهو المؤلف العظيم "تفسير الأحلام"، الذي صدر سنة 1900، كأكثر مؤلف محبب إلى نفسه، ويضم جميع الملاحظات والآراء الأساسية، تقريبا. ويتفق معظم النقاد على أن حق فرويد في الشهرة الدائرة يعتمد على اكتشافه وارتياده للعقل غير الواعي. فقارن عقل الإنسان بجبل جليد ثمانية من أجزائه مغمورة تحت السطح فقال إن معظم العقل مختف داخل اللاواعي. وتوجد تحت السطح دوافع ومشاعر وأغراض، لا يخفيها المرء عن غيره فحسب، بل وعن نفسه أيضا. لقد ابتكر فرويد طرقا جديدة للوصول إلى الصراعات والعواطف الداخلية، تحليل الأحلام، الذي كان فرويد أول من توصل إليه، فقبل عصره اعتبرت الأحلام بدون معنى أو هدف. كان كتابه "تفسير الأحلام" أول محاولة لدراسة عملية جديدة لهذه الظاهرة. وقد أبدى فرويد ملاحظته بعد نشر ذلك الكتاب بواحد وثلاثين سنة، حول كونه يتضمن، حتى بعدا حكميا في هذا اليوم الحاضر، أعظم الاكتشافات التي ساعده الحظ في إيجادها، وأكثرها قيمة. وتبعاً لفرويد. "يحق لنا أن نؤكد أن الحلم هو الإنجاز المستمر لرغبة مكبوتة" يمثل كل حلم دراما في العالم الداخلي، فالأحلام دائماً نتيجة صراع. وقال فرويد: "الحلم هو حارس النوم"، ووظيفته مساعدة النوم، لا إزعاجه فيطلق سراح التوترات الناتجة عن رغبات لا يمكن تحقيقها.