شكّل موضوع التغيير السياسي في العالم العربي ومستقبل الإسلاميين، والإخوان خصوصا، محور ندوة نظمتها "الجزائر نيوز"، أول أمس الخميس، بفضاء "بلاصتي" بمقر الجريدة، ودعي إليه كل من مدير الثقافة الإسلامية بوزارة الشؤون الدينية بومدين بوزيد فضلا عن الباحث في علم الاجتماع السياسي الزبير عروس ورئيس حركة مجتمع السلم عبد الرزاق مقري الذي وجه إليه الكثير من الحضور، خلال النقاش، أسئلة تتعلق بمستقبل وقدرة الإخوان المسلمين على تجاوز الوضعية الحالية في العالم العربي التي يميزها تضعضع حكم الإخوان المسلمين في دول الربيع العربي بعد وصولهم إلى الحكم فيها، لا سيما في مصر التي أزاح فيها الجيش الرئيس المعزول محمد مرسي. وطرح الباحث في علم الاجتماع السياسي الزبير عروس عددا من الأسئلة، خلال الندوة، حول الوضع الحالي للإخوان المسلمين وكذا مستقبلهم على ضوء ما يحدث حاليا في دول الربيع العربي ولا سيما في مصر وتونس، وتساءل عروس إن كان هناك مستقبل للإخوان المسلمين في المشهد السياسي العام، وهل هناك محاولة من جانبهم لإعادة النظر في استراتيجية العمل وبخصوص المكونات التي تخالف الاتجاه الإخواني. وبدا أن هذه الأسئلة كانت موجهة خصوصا إلى رئيس حركة مجتمع السلم عبد الرزاق مقري الذي أشار في بداية تدخله إلى أن الموضوع يتعلق "بمصر والأمة بأكملها" قبل أن يفرد مداخلته لتشريح جذور التحولات الكبرى التي يعرفها العالم العربي ومآلات الأحداث فيها وفي مصر التي تعيش على وقع أزمة سياسية وأمنية طاحنة تطرق إليها ضيوف الندوة ومدعووها طويلا. وينظر عبد الرزاق مقري إلى المشروع الإسلامي على أنه أحد المشاريع الموجودة في المنطقة العربية إلى جانب مشاريع أخرى تتضمن، في جانب منها، المشروع العربي بقيادة دول الخليج والمشروع الإيراني والمشروع الصهيوني الأمريكي مع فارق أن كافة المشاريع الموجودة في المنطقة وراءها دول تدعمها "عدا المشروع الإسلامي" الذي اعتبره مقري أساسيا لأن "بإمكانه تغيير المعادلة". وعاد مقري إلى شرح مقاربته بخصوص المستوى الداخلي للصراع في المنطقة العربية، مشيرا إلى أنه ينحصر بين الحركة الإسلامية وبين المؤسسات العسكرية في دول المنطقة العربية على اعتبار أن الأحزاب الأخرى، من غير تلك التي لديها مرجعية إسلامية، ليس لديها تجذر يمكنها من الفوز في "الانتخابات". وفي منظور مقري، فإن الولاياتالمتحدة دعمت الديمقراطية في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق جورج دبليو بوش لكون دكتاتوريات الأنظمة العربية أصبحت تشكل خطرا على الغرب من ناحية إفرازها للهجرة غير الشرعية والارهاب، قبل أن "تتراجع عن ذلك لما رأت فوز الإسلاميين في الانتخابات"، غير أن هذا الوضع الذي ميزه، وفق مقري، فشل الأنظمة العربية على جميع الأصعدة أفرز حراكا أدى إلى انطلاق أحداث الربيع العربي التي قال بشأنها مقري إنها ليست ثورات بالمعنى الحقيقي وإنها "مسار ثوري" على اعتبار أن الثورات يكون لديها "قيادات"، كما أن الثورات "تحسم في الأمور" الأمر الذي لم يحدث في أحداث الربيع العربي، وفقه دائما، فضلا عن كون ثورات الربيع العربي "لم تلغ" دوائر النفوذ التي كانت موجودة قبل اندلاع الأحداث. وبدا مقري وكأنه يحاول إيجاد بعض "العذر" لتجربة الإخوان المسلمين في مصر عندما قال إنهم أشركوا غيرهم في الحكم بعيدا عن استبدادهم بالسلطة كما يتهمهم المعارضون، مشيرا إلى أن رئيس الوزراء السابق هشام قنديل ووزير الخارجية في عهد مرسي وكذا الرجل القوي في المؤسسة العسكرية عبد الفتاح السيسي.. لم يكونوا من الإخوان، وكما الذي يحاول تفسير ما يحدث في مصر على أنه جزء من المسار الطبيعي للثورات، قال مقري أيضا إن الثورة الفرنسية احتاجت إلى مائة عام حتى تستقر وتضع أوزارها في مجال الديمقراطية الحقيقية، غير أن بعض المشاركين في النقاش حاولوا توظيف هذا المثال ضد مقري نفسه عندما سألوه إن كان قد حان الوقت إذن للفصل بين الدين والدولة كما فعل الفرنسيون أنفسهم؟ لكن مقري أجاب على ذلك بكون الإسلام لم يضيق على العلم وحرية الفكر كما فعلت المسيحية، وهو نفس الطرح الذي تبناه مقري خلال فترة لا بأس بها من النقاش، عندما أشار إلى أن الحضارة العربية عرفت تألقها بعد الإسلام وليس قبله في معرض إجابته على سؤال لأحد المدعوين ذكر فيه مضايقات تعرض لها علماء ومبدعون مسلمون من جانب دوائر النفوذ الديني في مراحل تاريخية معينة على غرار "عباس ابن فرناس الذي اتهم بالسحر لمجرد أنه حاول الطيران". وعندما تحدث مدير الثقافة الإسلامية بوزارة الشؤون الدينية بومدين بوزيد عن خاصية الولاء والطاعة التي تشترك فيها الكثير من الحركات الإسلامية في المغرب والمشرق، كأحد المكبلات التي تجعل منها لا تساهم في إنجاح الديمقراطية في العالم العربي، أشار مقري، من باب إعطاء مثال، إلى أنه على مستوى حركة مجتمع السلم التي يرأسها، فإن أي مسؤول لا يمكن أن يتبوأ منصبا إلا من خلال الانتخابات في إشارة ضمنية منه على مدى وجود الممارسة الديمقراطية على مستوى الحزب السياسي الذي انتمى إليه منذ سنوات ويرأسه في الوقت الحالي.