يجري الحديث في العديد من وسائل الإعلام، العربية منها والأجنبية، على أنّ الأحداث التي شهدتها مصر في الآونة الأخيرة، وتشهدها حاليا، خاصة بعد "الانقلاب" الذي قادته قيادات المجلس العسكري وعلى رأسها الفريق عبد الفتاح السيسي، وزير الدفاع، ضد الرئيس "المنتخب" محمد مرسي، المنتمي ل "جماعة الإخوان المسلمين" التي تعتبر الجماعة الأم للإخوان المسلمين عبر جميع الدول العربية. ويتنبأ مراقبون ومحللون بوقوع ما يسمونه "آثار المشهد المصري" على مختلف التنظيمات الإسلامية في العالم العربي، بل وهناك من يتنبأ بمشهد أكثر سوءً بتبني البعض لقناعة أخرى، غير تلك التي تتبناها حاليا العديد من الأحزاب الإسلامية، سواءَ السلفية أو الاخوانية، بعدم نجاعة التغيير السلمي الديمقراطي من خلال صناديق الاقتراع، وترك الإيمان بالتغيير عن طريق العمل السياسي، مما يغذي التطرف والعودة من جديد لسيناريوهات العنف المعهودة سابقا والتي عرفت تراجعا كبيرا في مختلف دول ما يسمى ب "دول الربيع العربي" التي نجحت فيها الثورات بخلع رؤساء وزعماء ظلوا عقودا على رأس الاستبداد والدكتاتورية التي خنقت كل معارض ومنهم "الإسلاميون" الذين دُفع ببعض منهم لتبني أفكار العنف واستخدام القوة كسبيل وحيد أمام طغيان الحاكم الذي أقصى هذه الفئة من المشهد السياسي وغلق لعبة "السياسة" عنهم. ولا يجري حاليا استثناء إخوان الجزائر، ممثلين أساسا في أقوى وأكبر حزب سياسي، حركة مجتمع السلم، وعلى عكس ما كان عليه الأمر في السابق، حيث كان الجميع يستثني إخوان الجزائر من اللحاق بركب ما سمي آنذاك "الربيع الإسلامي"، هاهي قراءات جديدة تضع إسلاميي الجزائر ضمن الدائرة التي ستتأثر من "سقوط جماعة الإخوان المسلمين" واللحاق بركب "الشتاء الإسلامي" في المنطقة، ولو بشكل أقل سوءً من مصير إخوان مصر، أو ما تتنبأ به تحليلات حول إخوان تونس والمغرب، الذي تجري حولهما حاليا محاولات "تقويضية"، بدأت بالفعل في تونس بتأسيس نظيرة تمرد المصرية بشعار "من أجل تونس تمردوا". هل ستتأثر "حمس" مثلا، أو التيار الإسلامي بالجزائر بأحداث مصر؟، لعله يستحيل الإجابة على هذا السؤال بشكل قطعي ونهائي، فالمشهد المصري لا يزال غامضا، والاستقطاب متواصل بين مؤيدين ل "الشرعية" يطالبون ب "مليونياتهم" رجوع مرسي لقصر الرئاسة، ومعارضين مؤيدين ل "الانقلاب العسكري" يحاولون تثبيت قناعة جديدة اعتبرتها صحيفة "الجارديان" البريطانية أنّه" لا نظير لمثل هذه القناعات في كافة دول العالم" بتوصيف الحدث على أنّه انقلاب شعبي أو ثورة جديدة أو ثورة تصحيحية لثورة 25 جانفي، ما يفتح المجال واسعا أمام احتمالات عدة، كل احتمال سيعود ب "آثاره" على الطيف الإسلامي في العالم العربي عامة، والجزائري خاصة. أولا، يجري التسويق "إعلاميا" لاحتمال دخول مصر في "حرب أهلية" أو بالأحرى تكرار "سيناريو تسعينيات الجزائر"، وذلك من خلال جنوح الإسلاميين "المظلومين" لرفع السلاح واستخدام القوة، ما من شأنه أن يكرر المشهد الإعلامي التقليدي، الدولي والعربي، بتوصيف كل من هو "إسلامي" على أنّه إرهابي وجهادي لا يؤمن بالديمقراطية والعمل السياسي السلمي، وباعتبار أنّ "حمس" و"النهضة" و"العدالة والتنمية " .. أحزاب جزائرية تحمل صبغة "الإسلامية"، فإنّها ستدرج ضمن هذا السياق، ما من شأنّه أن يبني قناعة أخرى لدى مختلف الفاعلين الدوليين والقوى العظمى بأنّ وصول "إسلامي" في أي دولة عربية للسلطة "خط أحمر" مثلما كان معمولا به في السابق، قبل أن تتغير النظرة الغربية بحلول رياح الربيع العربي. ثانيا، يرى آخرون أنّ إخوان مصر قد تعلموا من تجارب سابقة، ومن التجربة الجزائرية خصوصا، فينتهجون منهج "السلمية المطلقة" دون الاستجابة لأي "استفزاز" من الطرف الآخر الذي يعمل على استدراجهم لمستنقع "العنف والسلاح"، وهنا يبرز احتمالين فرعيين، إمّا أن تنجح القوى الرافضة للانقلاب العسكري، في استرجاع "الشرعية" ما من شأنّه أن يحافظ على الصفة "الديمقراطية" للإسلاميين وحظوظ إخوانهم في كافة الدول العربية في كسب السباق مرة أخرى أو على الأقل الحفاظ على مكاسبهم الحالية، أو تفشل جميع محاولاتهم مع الأيام وتفض جميع مظاهراتهم ويستمر الوضع على حاله حتى تترسخ لدى الجميع ذهنية القبول بالأمر الواقع، وبذلك ينطفئ وهج الإسلاميين في مصر وغيرها من الدول. وفي الاحتمال الثاني، ستكون "حمس" أمام واقع، قد يفرض عليها إعادة حساباتها من جديد، خاصة فيما يخص منهجها الجديد الذي يرتكز على المعارضة المطلقة للسلطة، ضمن الإطار البنّاء والموضوعي، وربما يستطيع رئيس الحركة عبد الرزاق مقري، الذي رفض منذ توليه رئاسة الحركة فكرة قيام ثورة في الجزائر وركز في مختلف خرجاته الإعلامية والسياسية على فكرة التغيير السلمي فقط، مع احتفاظ الحركة ب "شعرة معاوية " مع السلطة بعدم الحسم في ملف وزير التجارة الحالي مصطفى بن بادة، أن يجعل من كل هذه "أوراق إنقاذ" تلعب عليها حمس، في حالة جاءت الرياح دول الربيع العربي بما لا تشتهي سفنها، وربما تجد "حمس" نفسها أمام مراجعات جديدة، قد تعود بها إلى نقطة الصفر، نقطة الارتكاز الأولى التي تشتغل أساسا على مبدأ "التغيير من داخل النظام" وعلى أساس قاعدة "التدرج"، عكس ما تمخّض في المؤتمر الخامس تأثرا برياح الربيع العربي التي لم تصل "حمس".