سليل عائلة جزائرية عريقة عرفت بإنجاب العلماء والأمراء والسلاطين، فكان منها الإمام عبدالحميد بن باديس الذي يعتبر من رجالات الإصلاح في الوطن العربي ورائد النهضة الإسلامية في الجزائر، ومؤسس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وما ذلك إلا لما توافر له من العلم الشرعي والإحاطة بعلوم الدين إلى جانب خصال وسمات شخصية هي جماع فضائل ومحاسن يهب الله منها لمن يشاء من عباده بقدر حظهم وهمتهم لخدمة الدين والأمة، ونصرة السنة ومحاربة البدع والضلالات التي تعصف بعقائد العباد. ولد الشيخ عبدالحميد بمدينة قسنطينة عاصمة الشرق الجزائري في 5 ديسمبر 1889، وكان الابن الأكبر لوالديه، وكان والده بارا به يحبه ويتوسم فيه النباهة، فقد سهر على تربيته وتوجيهه التوجيه الذي يتلاءم مع فطرته ومع تطلعات عائلته. وكما العلماء الأجلاء الذين يهيئهم القدر لحمل أمانة الدعوة ختم ابن باديس حفظ القرآن وهو ابن 13 عاما، ثم تتلمذ على الشيخ حمدان الونيسي، وهو من أوائل الشيوخ الذين كان لهم أثر طيب في اتجاهه الديني. بعد أداء فريضة الحج مكث الشيخ ابن باديس في المدينةالمنورة ثلاثة أشهر، ألقى خلالها دروساً في المسجد النبوي، والتقى بشيخه السابق أبو حمدان الونيسي وتعرف على رفيق دربه ونضاله فيما بعد الشيخ البشير الإبراهيمي. زار ابن باديس بعد مغادرته الحجاز بلاد الشام ومصر واجتمع برجال العلم والأدب وأعلام الدعوة السلفية، وزار الأزهر واتصل بالشيخ بخيت المطيعي حاملاً له رسالة من الشيخ الونيس. عاد ابن باديس إلى الجزائر عام 1913 واستقر في مدينة قسنطينة، وشرع في العمل التربوي الذي صمم عليه، فبدأ بدروس للصغار ثم للكبار، وكان المسجد هو المركز الرئيسي لنشاطه، ثم تبلورت لديه فكرة تأسيس جمعية العلماء المسلمين، واهتماماته كثيرة لا يكتفي أو يقنع بوجهة واحدة، فاتجه إلى الصحافة، وأصدر جريدة المنتقد عام 1925 وأغلقت بعد العدد الثامن عشر؛ فأصدر جريدة الشهاب الأسبوعية، التي بث فيها آراءه في الإصلاح، واستمرت كجريدة حتى عام 1929 ثم تحولت إلى مجلة شهرية علمية، وكان شعارها: "لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها". توفي رائد النهضة يوم 16 من أفريل سنة 1940، وقررت الجزائر أن تحتفل في كل عام بذكرى وفاته واختير لها ‘'يوم العلم'' كلقب يطلق على ذكرى العلامة والمصلح. والشيخ ابن باديس عالم مفسر، فسر القرآن الكريم كله خلال 25 عاما في دروسه اليومية، كما شرح موطأ مالك خلال هذه الفترة، كما أنه كان سياسيا يكتب في المجلات والصحف التي أصدرها عن واقع المسلمين وخاصة في الجزائر ويهاجم فرنسا وأساليبها الاستعمارية ويشرح أصول السياسة الإسلامية.