رئيس الجمهورية يستقبل الأمين الوطني الأول لجبهة القوى الاشتراكية    وزير العدل يعقد اجتماعا مع الوزيرة المحافظة السامية للرقمنة    عرقاب يشارك هذا الثلاثاء بروما في اجتماع وزراء الطاقة المعنيين بمشروع ممر الهيدروجين الجنوبي    عطاف يترأس جلسة نقاش مفتوح حول الوضع في الشرق الأوسط بما في ذلك القضية الفلسطينية    مجلس الأمة: جيلالي تبرز أهمية قانون تسيير النفايات الجديد في بناء الإقتصاد الأخضر    رئيس الجمهورية: كل رموز المقاومة والثورة التحريرية المجيدة يجب أن ينالوا حقهم من الأعمال السينمائية    حماية مدنية: اجتماع اللجنة الثنائية المشتركة الجزائرية-تونسية بولاية الوادي    الجوية الجزائرية: المسافرون نحو السعودية ملزمون بتقديم شهادة تلقي لقاح الحمى الشوكية رباعي التكافؤ بداية من 10 فبراير    سكان غزّة يحتفلون ببدء الهدنة    تقرير 2024 يُرفع إلى الرئيس في مارس    فاتورة استيراد زيوت المحركات تتراجع    لا تساهل مع كل أشكال المضاربة والاحتكار    مشروع توسعة السد الأخضر يتقدّم..    قانون المالية يخصص تدابير جبائية    نظام جديد لتسيير البلديات قريباً    بورصة الجزائر: انطلاق عملية فتح رأسمال بنك التنمية المحلية ببيع 2ر44 مليون سهم جديد    رمضان في القصر خلال مارس    مسابقة لتوظيف الطلبة القضاة    تلمسان: جمع أزيد من 25 ساعة من الشهادات الحية حول الثورة التحريرية المجيدة    الطارف… الإطاحة بشبكة إجرامية تنشط في الاتجار بالمؤثرات العقلية    صهاينة يدنّسون الأقصى    الجزائر تشهد حركة تنموية رائدة    الجزائر تخسر أمام تونس    باتنة: وفد عن البعثة الاستعلامية المؤقتة للجنة الصحة والشؤون الاجتماعية والعمل والتكوين المهني بالمجلس الشعبي الوطني في زيارة للولاية    وهران : ترحيل إحدى عشرة عائلة إلى سكنات لائقة بوادي تليلات وبئر الجير    فلسطين: الحرب خلفت آثارا كارثية على الأطفال في غزة    فلسطين: برنامج الأغذية العالمي يسعى إلى توفير الغذاء سريعا لمليون شخص في غزة    المنظمة العالمية للصحة ترحب بوقف إطلاق النار في غزة    رئيس الجمهورية: كل رموز المقاومة والثورة التحريرية المجيدة يجب أن ينالوا حقهم من الأعمال السينمائية    سينمائيون يشيدون بعناية رئيس الجمهورية لقطاع السينما    عطاف في نيويورك للإشراف على اجتماعات لمجلس الأمن    تقليص مدة الاستجابة لنداءات الاستغاثة    استلام محطة تصفية المياه المستعملة السداسي الثاني من 2025    الحرب تنتهي في غزة والمحتل يجرّ أذيال الهزيمة    صحافيون وحقوقيون يتبرّؤون ويجدّدون دعمهم للقضية الصحراوية    60 منصبا تكوينيا في طور الدكتوراه بجامعة وهران 1    ولايات جنوب تنظم فعاليات متنوعة وتدشين مشاريع تنموية    أنشيلوتي مهدَّد بالإقالة    تلاميذ تقرت وسطيف في ضيافة المجلس الشعبي الوطني    سينمائيون يشيدون بالاهتمام الكبير الذي يوليه رئيس الجمهورية لقطاع السينما    الأسواق الإفريقية والآسيوية وجهات واعدة للتصدير    ديدوش مراد صنع مجد الجزائر    وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ    عروض كثيرة لحاج موسى    الجلسات الوطنية للسينما: بللو يبرز دور الدولة في ترقية المشهد الثقافي    رياضة مدرسية: تأسيس عشر رابطات ولائية بالجنوب    الطبعة ال3 للدورة الوطنية للكرات الحديدية: تتويج ثلاثي تلمسان بولاية الوادي    جيدو/البطولة الوطنية فردي- أكابر: تتويج مولودية الجزائر باللقب الوطني    بلومي يباشر عملية التأهيل ويقترب من العودة إلى الملاعب    ريان قلي يجدد عقده مع كوينز بارك رانجرز الإنجليزي    بلمهدي: هذا موعد أولى رحلات الحج    رقمنة 90 % من ملفات المرضى    بلمهدي يزور المجاهدين وأرامل وأبناء الشهداء بالبقاع المقدّسة    المتحور XEC سريع الانتشار والإجراءات الوقائية ضرورة    كيف تستعد لرمضان من رجب؟    ثلاث أسباب تكتب لك التوفيق والنجاح في عملك    نحو طبع كتاب الأربعين النووية بلغة البرايل    انطلاق قراءة كتاب صحيح البخاري وموطأ الإمام مالك عبر مساجد الوطن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ألجي... ألجيري (26)
نشر في الجزائر نيوز يوم 20 - 08 - 2013

وهي في البدء كان الحب، كذلك قالت لي أمي ذات يوم في لحظة من لحظات انشراحها النادرة.. أجل ويا للعجب حدث هذا مع أبي، من يصدق؟! لحظة جارفة، خاطفة تشبه لحظة البرق الوميضي، حدث زلزال خفي في داخله، لكن هل كان يعلم ويدرك تلك اللحظة الجديدة، الطارئة في حياته وعلى وجوده، كل ذلك ظل كامنا في أعماقه، فقط شعر أن الأرض مادت لحظة
تحت رجليه واستبد برأسه دوار لا عهد له به.. كان يمر على دارهم، عائدا من مزرعة سارنو حيث كان يشتغل ضمن الشغيلة الموسميين.. الشمس منفجرة في السماء، وصوت الحشرات يدب في كل مكان على ذلك الطريق المترب المؤدي إلى معسكرات اللفيف الأجنبي الملتفة حول حينا ڤومبيطا. ما الذي كان يدور في رأسه؟! ما الذي كان يجول ويجول في مخيلته وهو يركض على متن دراجته الهوائية ويضع في مقدمتها سلة مملوؤة بالعنب الأسود نوع السانسو.. ما الذي كان يفكر فيه وهو يسوق الدراجة الهوائية ويصغي في الوقت ذاته إلى ذلك الدبيب والطنين في عز صيف سيدي بلعباس الشهير بقيظه وجفافه.. كانت متجهة عبر ذلك المسلك الضيق العامر بالثرى والحصى نحو دراهم، وهي تحمل على كتفها رزمة بيضاء مملوءة بالصوف.. ترتدي تنورة سوداء مفخفخة، فولارة مزركشة على الرأس، وعينان لامعتان عامرتان بالرغبة الشهوانية النابضة، وبشرة مشرقة شديدة السطوع.. نواجذ بيضاء ذات لون الفضة.. خفق قلبه، استيقظ مواته، انخطف.. شحنة كهربائية مرت في كل أوصاله.. كانت تضع سواكها بين فكيها وهي تتغنج بشكل سري لكنه غامض ومفضوح في الآن نفسه.. لم يجرؤ على التركيز على وجهها، لكن ثمة نداء عميق جذبه بقوة وعنفوان إلى بئرها المعتم... كان العرق ينضح من جسده بغزارة وعنف.. من أين يأتي كل هذا العرق المالح، من عينيها البريئتين أم من تلك الهجيرة الخانقة.. وعرف فيما بعد (كم من البعد، لا أعرف..) أنه الحب.. وراحت مفاصله ترتعد بحيث سقط من على دراجته الهوائية مرتين، ولم يكن ذلك من عادته.. هو ينفي أنه سقط في ذلك اليوم اللافح مرتين من على دراجته الهوائية، إلا أن والدتي سمعتها تقول في لحظات متقطعة ذلك مرارا.. دخل البيت كأنه به حمى فلم يأكل ولم ينم.. وسألته التي ستصبح جدتي ما به، فلم يجب واكتفى بتمتمة كلها إشارات غامضة ومبهمة، وعندما نام حلم بها متجردة من كل شيء إلا ابتسامتها التي كانت تطير وترقص فوق رأسه، ثم سقطت ميتة فجأة في غابة صدره، فاستيقظ مفزوعا.. وخرج أمام الباب، فدخن سيجارة، ثم لف أخرى، وأخرى وأخرى واتجه تحت خيوط الفجر إلى الحصيدة الممتدة إلى غاية الآفاق البعيدة لبحيرة محمد سيدي بن علي.. ومر وهو ساهم النظر كأنه منوم مغناطيسيا على دراهم، دار أمي خيرور ذات الرقم الثابت إثنان وعشرين، إثنان وإثنان، نفس العلامة الرقمية لسيدي بلعباس فيما بعد.. وقف مسمرا للحظات طويلة كأنها الدهر المديد، ثم راح يذرع الخطى ويحفر الآثار على أديم التراب المبلل بالندى.. ويمكن التخيل أنه في تلك الساعة الوحيدة من فجر ذلك اليوم، يكون قد مر وهو يتجه نحو الأفق البعيدة للحصيدة بمزرعة أولاد الكابرير والمنحدرين من سلالة خيطانو.. الغجر الإسبان الذين انتقلوا إلى وهران في القرن الثامن عشر ثم زحفوا نحو ضواحي بلعباس في أواخر القرن المذكور وبداية القرن التاسع عشر، وأنا لا أتذكر جيدا كم كان عمري عندما كنت أقف في نهاية الأصيل في تلك الصيوف الزنزانة رفقة أترابي على قارعة الطريق، وكابريرو (الجد، صاحب العينين الخضراوين والوجه الأشقر، واللباس المتسخ والجسم الرقيق المنتصب باتجاه السماء وهو يقود تلك القطعان الضخمة، المؤلفة بالعشرات والمئات من الخرفان والماعز، بحيث يحمل بعضها تلك الأجراس الرنانة والنواقيس المتناغمة في أعناقها، يتخللها الثغاء والمأمأة ونباح كلاب الحراسة المرافقة لها، وصغير كابريرو الجدد ولعلعة المشاحيط والكرافاجات التي تلعلع في تلك السماء المتدثرة بالغروب الأفل على يد بعض الأبناء والأصفاد المساعدين لكابريرو الجد... كان المشهد مثيرا وخلابا ويبدو لي الآن كالحلم العتيق الموغل في القدم. وفي الأيام الموالية تردد على دراهم لكنها لم تظهر ولكنه رغم الحزن الصامت العميق الذي استولى عليه لم ييأس وظل ينتظر إلى أن تظهر، وفي ذات يوم طويل ظهرت وتقفى آثارها كاللص بينما كانت ذاهبة إلى الكوشة الوحيدة آنذاك بڤومبيطا في شارع العبيد (الزنوج)، كانت تحمل فوق رأسها ثلاث خبزات معجونة مكسوة بالسرابيت ذات الخطوط والأشكال، وكانت الكوشة التي تديرها عائلة الفروسي تقع في الحقيقة في آخر شارع العبيد، وفي أقصى الزاوية اليمنى حيث يوجد بيت المهابيل، وأنا ما لبيت المهابيل، يا لبيت المهابيل.. كانت جدتي من والدتي عندما تقرر معاقبتي تهددني أن تأخذني وترمي بي إلى بيت المهابيل، لم أدخله أو أزره في حياتي قط، وكنت أشعر بالقشعريرة والفزع عندما ينهال والدي على رأس خيرور بالضرب المبرح ويهددنا جميعا أن يقذف بنا هناك.. حيث بين المهابيل وأنا جارتنا بورطاشي.. عندما ذبح المجاهدون الذين نزلوا من الجبل إلى حينا ڤومبيطا ابنتها عباسية ماما المتهمة بالوشاية ومخالطة المظليين، فقدت عقلها ووصنعت رأسا من القماش مثل رأس ابنتها عباسية ماما وطلته بالألوان الحمراء وظلت تخرج إلى شوارع ڤومبيطا شبه عارية راكضة، زاعقة وصادحة.. عباسية ماما، عباسية ماما هذا رأس عباسبة ماما، في الليل والنهار، في الصيف والشتاء، وفي الخريف والربيع تركض وتزعق وتصدح عباسية ماما.. عباسية ماما، والرأس القماشي مغروس في عمود طويل ملون بالأحمر القاني، وذلك إلى أن ألقى عليها رجال ذو ملامح باردة القبض عليها وڤمطوها في رداء أبيض وقذفوا بها في مؤخرة سيارة تولول وطافوا بها في كل شوارع ڤومبيطا، بينما السيارة الشيطانية تولول وبورطارش.. عباسية ماما، عباسية ماما. وضعوها في بيت المهابيل ولم تخرج منه أبدا، وانتشر الخبر وكل عالم ڤومبيطا عرف، وغضبت جدتي وأختها حليمة أيما غضب، وكانت جدتي ترغب في تزويجه من ابنة عريفة محلة أولاد سيدي بلال مؤسسو شارع العبيد أو شارع الزنوج، ولم يتزوج والدي إلا من خيرور في زمن الحرب، وأياما قليلة كانت مرت على ذبح عباسية ماما، بنت بورطاش..

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.