الجزائر- قطر: التوقيع على الاتفاقية النهائية للمشروع المتكامل لانتاج الحليب المجفف    غضب جماهيري في سطيف وشباب بلوزداد يكمل عقد المتأهلين..مفاجآت مدوية في كأس الجزائر    اجتماع تنسيقي حول بطولة المدارس الإفريقية لكرة القدم    مولودية الجزائر : بن يحيى يجهز خطة الإطاحة بأورلاندو بيراتس    الإذاعة الجزائرية.. زخم ثقافي وفني وفكري في رمضان    وفاة الفنان حمزة فغولي عن عمر ناهز 86 عاما    اللهم نسألك الثبات بعد رمضان    فتاوى : الجمع بين نية القضاء وصيام ست من شوال    بمناسبة الذكرى المزدوجة ليوم الأرض واليوم العالمي للقدس..حركة البناء الوطني تنظم وقفة تضامنية مع الشعب الفلسطيني    قيادة الدرك الوطني : مخطط أمني وقائي خاص بعيد الفطر    مؤسسة "نات كوم" بالعاصمة: تسخير 4200 عون و355 شاحنة خلال أيام عيد الفطر    المنيعة.. ربط أزيد من 13 حيا سكنيا بشبكتي الكهرباء والغاز    منظمات حقوقية: على فرنسا التوقف فورا عن ترحيل الجزائريين بطريقة غير قانونية    وزارة الشؤون الخارجية : نائب القنصل العام المغربي بوهران شخص غير مرغوبا في الجزائر    العيد ربيقة: الجزائر تشق طريق الانتصارات بقيادة الرئيس تبون    المجلس الأعلى للشباب : اجتماع تقييمي حول مدى تجسيد برنامج قطاع الشباب    المجلس الوطني لحقوق الانسان وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي بالجزائر : اتفاقية تعاون لدعم إنشاء الشبكة الوطنية للنساء الوسيطات    توجيهات وزير الصحة لمدراء القطاع : ضمان الجاهزية القصوى للمرافق الصحية خلال أيام عيد الفطر    تمنراست: جثمان عضو مجلس الأمة عبد الله مسك يوارى الثرى بمقبرة قرية تبيربيرت    سكيكدة : استحداث وحدة خاصة بجراحة الأسنان لفائدة أطفال التوحد و التريزوميا 21 و غير المتكيفين ذهنيا    المغرب : مظاهرات في عدة مدن للمطالبة بوقف التطبيع مع الكيان الصهيوني    رئيس مجلس الأمة يعزي في وفاة الفنان حمزة فيغولي    العدوان الصهيوني على غزة : ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 50277 شهيدا و114095 جريحا    تعليمات صارمة للرؤساء المديرين العامين للموانئ لتسريع معالجة حمولات البواخر    مسابقة تاج القرآن الكريم: اختتام الطبعة ال14 بتتويج الفائزين    فلسطين تطالب الأمم المتحدة بالتحرك لوقف الإبادة الصهيونية في غزة    تنظيم حفل ختان جماعي    البطاقة الذهبية ستتحوّل إلى كلاسيكية    دعوة إلى الالتزام الصارم بالمداومة    عمورة ثاني أفضل هدّاف بعد صلاح    حشيشي يتفقد الوحدات الإنتاجية    الجزائر تُكرّم حفظة القرآن    وزارة التربية تتحرّك..    حملة تحريض منظّمة ضد المقاومة في غزّة..    لقد كان وما زال لكل زمان عادُها..    الجيش الوطني يواصل دحر الإرهاب    إطلاق أول ناد يهتم بصحة الشباب ومحاربة المخدرات    تكريم المتفوّقين في المسابقة لحفظ وتجويد القرآن الكريم    خالدي وبن معزوز يمنحان تأهلا سهلا ل"سوسطارة"    تسويق 238 ألف كيلوغرام من اللحوم المستوردة    صور من الغث والسمين    عمق العلاقات الزوجية وصراعاتها في ظل ضغوط المجتمع    إبراز دور القيم المهنية للصحافة في الدفاع عن الوطن    تواصل العدوان الصهيوني على جنين وطولكرم ومخيم نور الشمس    مخزون كبير في المواد الغذائية    تتويج فريق القناة السادسة بالطبعة الرابعة    6288 سرير جديد تعزّز قطاع الصحة هذا العام    وفاة شخص بصعقة كهربائية    حجز أكثر من 160 كلغ من الأسماك الفاسدة    "سوناطراك" فاعل رئيسي في صناعة الغاز عالميا    أعيادنا بين العادة والعبادة    خطة عمل مشتركة لرقمنة قطاع الفلاحة    إرث جمال مناد سيظل خالدا في الذاكرة    عيد الفطر: ليلة ترقب هلال شهر شوال غدا السبت (وزارة)    كأس الجزائر: تأهل اتحاد الجزائر ومولودية البيض إلى الدور نصف النهائي    صحة : السيد سايحي يترأس اجتماعا لضمان استمرارية الخدمات الصحية خلال أيام عيد الفطر    قطاع الصحة يتعزز بأزيد من 6000 سرير خلال السداسي الأول من السنة الجارية    رفع مستوى التنسيق لخدمة الحجّاج والمعتمرين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ألجي... ألجيري (21)
نشر في الجزائر نيوز يوم 13 - 08 - 2013

بقيت آثار زيارتي الأولى لحانة مريم العباسية عالقة في ذهني عدة سنوات، كنت رفقة فارس وكان فارس في ذلك المساء مبتهجا بصديقته التي تعرف عليها في حانة العباسية، حيث كانت تشتغل نادلة ومصاحبة وعشيقة في أوقات الضرورة، كانت الحانة ضواحي غابة بوشاوي ما بين مطاعم وملاهي بالومبيتش وملهى البهجة.. الموت، الرصاص ومهرجان الحياة المجنونة والجسد.. قفزت إلى ذهني تلك الصورة المتشابكة والشائكة والمليئة بالمتناقضات، وكنت في تلك الفترة أصلي بشكل متقطع يرضخ
للنزوة وحالاتي النفسية والروحية المتقلبة، وكنت بين فترة صلاة وأخرى أدخن وأشرب بنزق وجنون وحزن غريب هو مزيج أو خليط بين هستيريا التشبت بالحياة والله وفكرة العالم الآخر، فكرة الخلود الغامضة. كانت حانة العباسية مثل سرادب من تلك السراديب التي وصفها كاتبي المفضل في زمن المراهقة مكسيم غوركي.. الأضواء كابية، موسيقى الراي الكلاسيكي تنوح وتنوح في قلب تلك الطبقات السميكة من الدخان.. آه، إنها مغنيتي المفضلة، كانت هناك تقف على السدة بلباسها التقليدي المزركش بالألوان.. بنظراتها القاتلة وصوتها الهادر المهول مسجلا حضوره بكل سطوة وطغيان.. يا لها من جنية حقيقية، الشيخة الجنية الحقانية بنت سعيدة.. ويرافقها القصابة وزوجها البراح زواوي بصوته المدمدم والفصيح.. شاعر من طراز نادر وعجيب.. سألني إن كان الجو قد راق لي.. كنت فرحا، منتشيا بتلك الأجواء التي افتقدتها منذ وقت طويل... لم أعد أفكر في الطريق، ومخاطر الطريق والموت.. كنت أفكر في تلك اللحظة الصافية، الجميلة الشهية، لحظة الحياة الواقفة وهي كلها تهوي وجها لوجه أمام الموت الغادر والمتغطرس والمنطوي على الخيانة والدسيسة.. فارس كان زميلا في الجريدة، طلق والده أمه وهو صغير.. تركها وجروه فارس في خميس الخشنة وسرقته وهران.. سرقته ليالي وهران في السبعينيات، وتزوج هناك من راقصة لكن سرعان ما توفي فجأة ولا أحد لديه الخبر اليقين كيف توفي والده.. وكان فارس لا يشعر براحة تجاه الراي الكلاسيكي لأنه يذكره بشقاء أمه بعد مفارقة والده لها.. ووفاته الغامضة.. والآن؟! إنه يعيد اكتشافه من جديد.. بدأت التحرر كان يقول لي، وهو يتناول زجاجة البيرة بشكل كوميدي يدعو إلى الضحك.. لم يفكر فارس أنه سيصبح يوما متخصصا في الشؤون الأمنية وقضايا الجماعات الإسلامية المسلحة، لكن الخوف من الموت دفعه بقوة إلى التوغل في الشأن الأمني.. بدأ فارس حياته في كتابة القصص القصيرة والروبورتاجات في بداية مشواره الصحفي في جريدة "الوحدة" التي كانت تابعة للإتحاد الوطني للشبية الجزائرية، وفي تلك الجريدة احتك بالشيوعيين من حزب الطليعة الإشتراكية (الباكس).. تعرف على يوسف الجزائري، وعلى الروائي الشاب الذي تم اغتياله عام 1993 قرب بيته في باينام، الطاهر جاووت، وعلي هشام ياسين، الذي تحول من ناقد فني إلى نقيب في الإستخبارات ومقاتل ضمن القوات الخاصة. قدمني فارس إلى صديقته عتيقة، وهي فتاة بيضاء بضة، شهية ولذيذة، وذات عينين عسليتين وشعر لامع مصبوغ وشفتين مستفزتين وجسد مشتعل، وكانت بلباس قصير يكشف عن ساقين وفخذين عظيمين، وكانت ترتطق علكتها التي كانت تلوكها بشكل صارخ بين الفينة والأخرى.. جلست إلى طاولتنا ونادت على زميلتها المدعوة البشارية لتنضم إلى طاولتنا، لم تستشرنا في ذلك وتصرفت وكأنها صاحب الطاولة وصاحبة الشأن.. البشارية في الثلاثينيات من عمرها.. تنحدر من تيشي ببجاية لكنها أقامت عشر سنوات في بشار مع زوجها السابق، العسكري برتبة ملازم في الجيش.. كان يتركها تزني في بيته مع عقيد كان يشرف على العمليات القتالية في تندوف دعما للبوليزاريو ضد قوات الجيش المغربي.. وذات يوم وصفها بالخائنة عندما اكتشفها تقوم بنفس العملية مع شاب برتبة مرشح كان يقضي خدمته العسكرية ضواحي قرية تبلبالا.. كاد يقضي على ذلك الشاب وصفعها بعنف وقوة.. وهي قالت له.. هل صحا ضميرك يا ديوث؟.. وعندئذ استشاط غضبا.. لكن سرعان ما تحول إلى بائعة هوى تبكي عندما هددته بالعقيد الذي كان راعيه، لكن في حقيقة الأمر كان هو الآخر يزني معه ويجد في ذلك لذة لا تضاهى.. وطلبت الطلاق.. أنا لا أريد أن أكون زوجة ديوث ومخنث.. تحررت، قالتها وراحت تقهقه.. تحررت. أما مريم فقد كانت تبدو وكأنها سيدة المقام، فعلا.. كانت تجلس إلى طاولة فاخرة، محاطة برجال مهمين من الدولة والعسكر وبعض قادة المقاومين من سادة الحرب الجدد.. كانت تبدو في كامل دماثتها وحنانها وتغنجها الخفي... وفي الظاهر، كان الكل وكأنهم يتوددون إليها.. وكان يتردد أنها كانت مصانة ومحمية من الجنرال.. نظرت إلي عندما قدمني إليها فارس، باعتباري صحفيا، (كانت تحب الصحفيين بشكل مثير للدهشة) وبلعباسيا، من أين أنت من سيدي بلعباس؟! من ڤومبيطا من ڤومبيطا؟! تقول من ڤومبيطا.. شارع ڤومبيطا أم فيلاج ڤومبيطا؟! فيلاج ڤومبيطا.. ابن من؟! عائلة العياشي، زدوك خالك؟! زدوك احميدة، رحمه الله خال والدي، وأنا أسموني على خال والدي زدوك، إذن أنت جدتك خديجة زوجة معلم الديوان؟! هي جدتي والدة أبي محمد بالتبني أو جدتي من والدي، جدتي الحقيقية، هي فاطمة برڤم.. هذه لا أعرفها.. إن كنت ابنة ڤومبيطا فأكيد أنك تعرفينها، فقط يمكن أن تكوني قد نسيتها.. أنت من أي شارع شارع شاركو أم كريدر أم لامارتين، سكوت / سكوت / سكوت.. أنا من ڤومبيطا، جدي من ڤومبيطا، جدتي من ڤومبيطا، والدي من ڤومبيطا، والدتي من ڤومبيطا،.. من؟ ممكن أن أعرف فيما بعد، فيما بعد.. وأكرر، أكيد أنك تعرفي جدتي الحقيقية فاطمة برڤم.. كان منزلها بالقرب من ضريح الولي سيدي محمد الصغير، قرب حانوت عمي لخضر وفيرمة دي كارا.. هل تعرفين فريمة دي كارا.. أكيد أنك تعرفين فيرمة دي كارا، لم تكن بعيدة عن الطريق المؤدي إلى بحيرة سيدي محمد بن علي، حيث أشجار الصنوبر والزيزقون.. كانت تنظر إلي وعلى شفتيها الرقيقتين ابتسامة عميقة، وكان فارس يتحدث عني بحمية. انتقلت إلى طاولة أخرى عندما تشعب بي الحديث عن سيدي بلعباس الغارقة في بؤر مظلمة من الذاكرة النائمة.. لكن في عينيها المتلألأتين اكتشفت لغة صامتة عميقة، دفعت لنا تورني ولفظت بأسماء طاولتنا الشيخة الجنية وبراحها الزواوي الذي كان يصرخ في سماء الحانة التي ترفض مريم العباسية وصفها بالكاباريه أو الملهى.. قلت لفارس ونحن ندشن تورنية أخرى.. هل تعرف أنني كنت من أوائل الصحفيين الذين كتبوا عن الشيخة الجنية في الثمانينيات، يومها لم يكن يعرفها إلا العارفون بخبايا الراي القديم..

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.