إذا كان هناك قطاع يعاني من مشاكل جمة ومتعددة فهو بدون شك قطاع الصحة، الذي يشهد منذ سنوات قبضة حقيقية بين النقابات المختلفة التابعة للقطاع والوزارة الوصية، فضلا عن الوضعية المزرية التي توجد عليها مصالح الصحة من مستشفيات ومراكز علاج عبر كامل التراب الوطني. ولا يحتاج المرء إلى عناء كبير للوقوف على الحالة المزرية التي تعيشها الصحة الجزائرية، بدءا بالإهمال الذي طال قاعات العلاج، مرورا بالتسيير الكارثي الذي رهن صحة المواطن، وانتهاء بالنقائص العديدة التي يعاني منها مثل نقص الأدوية في مصالح العمليات الجراحية وأقسام الاستعجالات إلى حد بات لجوء المواطن إلى أحد المراكز الاستشفائية يمثل كابوسا حقيقيا. وتبقى صورة مصالح التوليد الصورة الكاريكاتورية الأكثر تعبيرا عن حال صحتنا، حيث حدث أن جرت ولادات على الأرض وعلى سرير يحوي أكثر من امرأة، وسط خدمات أقل ما يقال عنها بدائية وتهدد مباشرة صحة المولود والوالدة.. كل هذا يتم في صمت وديع للغاية، ولم تنجح الأخبار والأحداث التي تنقلها وسائل الإعلام المختلفة عن الوضع المتردي في جميع الأقسام الصحية، في إيقاظ ضمائر الساهرين على الصحة، بما فيهم الوزارة الوصية. إذا كان هناك تشخيص للمرض الذي تعاني منه الصحة في الجزائر، فإن الالتفات إلى التغييرات المستمرة التي عرفها هرم الصحة منذ خمس سنوات يعطينا إجابة مقنعة، لعدم الاستقرار الذي ميز هذا القطاع.. فلا يعقل أن يتم تعيين خمسة وزراء في فترة قصيرة ولا يعقل أن كل الوزراء الذين مروا على بناية المدنية عجزوا عن إيجاد الوصفة اللائقة التي تخرج هذا القطاع من المشاكل التي تنخر جسمه. ولئن كانت حقل التجارب الذي عرفته الصحة الجزائرية قد اختلفت أساليبه وطرقه من وزير إلى آخر، إلا أن جميع الوجوه التي تداولت عليه رحلت وتركته يعاني في دوامة من المشاكل، إلى حد بات قطاع كان يفترض أن يهتم بمعالجة المواطن.. هو في حد ذاته يحتاج إلى من يقدم له العلاج الشافي. لقد عرفت فترة كل وزير بخصوصياتها، بدءا بالوزير ڤيدوم المختص في جراحة العظام، والذي تولى المنصب واشتهر بعبارته المشهورة: "راك موقف"، مرورا ببركات ورجيمي وانتهاء بولد عباس وزياري. وإذا كانت هناك صفة تلتقي فيها كل هذه الأسماء المذكورة فهي تخصصهم جميعا في الميدان الطبي، ومع ذلك لم يتمكنوا من تشخيص المرض العضال الذي توجد عليها الصحة منذ عشرية من الزمن. اليوم، وبعد مجيء الوزير الجديد عبد المالك بوضياف، بدأ الحديث عن قدرته على قيادة هذا القطاع المريض. ولئن كان من السابق لأوانه الحكم على الفترة التي سيقضيها على رأس الوزارة، إلا أن ثمة بعض المؤشرات أوالمبادرات الأولى التي قام بها منذ تنصيبه، وهو القيام بزيارات ميدانية إلى المصالح الصحية. وبقدر ما استحسن أهل الاختصاص خارطة الطريق التي بدأ يطبقها، إلا أنه أعيب عليه عدم القيام بزيارات فجائية حتى يقف على الوضع الذي توجد عليه مصالحنا الطبية، إذ أن الإعلان عن زيارة تفتيشية إلى مصلحة معينة تسبقها عملية تجميل سريعة للمحيط إلى حد يبدو للزائر أن كل الأمور تسير على ما يرام. وفي انتظار نجاعة الوزير الجديد من عدمها في إصلاح بعض مواطن الفشل الذي يميز اليوم تسيير مصالح الصحة الجزائرية، تبقى الأوضاع تراوح مكانها إلى إشعار آخر.