محمد بقاط تتهم وزارة الصحة الأطباء بعرقلة الخدمات الصحية داخل المستشفيات، بينما يتهم الأطباء الوزارة الوصية بممارسة سياسة الصمت تجاه مطالبهم المشروعة. * * * وبينهما تتأزم وضعية المستشفيات وواقع الصحة في الجزائر من السيء إلى الأسوإ، مستشفيات يقول عنها الأطباء أنها أصبحت أشبه بالمحتشدات، وأنها تحولت إلى ناقل للمرض، وليس وسيلة للعلاج، فيما تقول الجهات الوصية أن جل الأطباء هجروها وتحولوا إلى "بزناسية" في المرض مقابل مبالغ باهظة في عياداتهم الخاصة، يرد الأطباء بأنه من حقهم ممارسة الطب بإمكاناتهم الخاصة، من جهة أخرى تلقي الوزارة تفاقم مشكلة الأخطاء الطبية، على عاتق الأطباء، فيما يرد هؤلاء بأن مشكلة الأجور تبقى دافعا لنقص مردودية الطبيب في العمل، وفي ظل تبادل الإتهامات يبقى واقع الصحة في الجزائر رهين طوابير المرضى ممن يبحثون عن سرير للعلاج أو كما أصبح يلقب بسرير المرض. * * محمد بقاط، رئيس عمادة الأطباء الجزائريين: * هروب الأطباء من المستشفيات العمومية سببه الأجور وليس للبزنسة بالمرضى * * - يُتهم الأطباء كطرف أساسي في معادلة تدني الخدمات الصحية داخل المستشفيات الجزائرية، وبصفتكم عميد للأطباء كيف تردون التهمة؟ * * الأطباء عامل أساسي داخل المستشفيات وهم بطريقة أو بأخرى يتحملون مسؤولية ما يحدث، لكن من غير المقبول أن يلام الأطباء لوحدهم في أسباب تدني الخدمات الصحية، فهل سألت مرة الأطراف التي تلقي بالتهمة ماذا قدمت لهؤلاء، وما هو أجر هؤلاء؟ ما هي إمكانياتهم، كيف يعيشون؟ * * - هل يعني هذا أن المستوى الميعيشي وحالة الأطباء المادية وراء تدني الخدمات الصحية وماذا عن سلسلة الإضرابات داخل المستشفيات التي لا تنتهي ألا ترون أنها على حساب المريض؟. * * طبعا يقف عامل الأجور وراء تدني الخدمات الصحية، إن الطبيب الجزائري يتقاضى أجرا أقل بكثير مما يتلقاه الطبيب التونسي أو المغربي، كيف يمكن لأي شخص أن يشتري سيارة فيما نشاهد عشرات الأطباء بدون سيارة ولا حتى سكنات وظيفية. * أما فيما يخص الإضرابات التي يشنها الأطباء ففي كل إضراب هناك حد مضمون من الخدمات، فدائما الطبيب يراعي أولوية الإستعجالات، مع ضمان حياة المريض مهما كان، لأن هناك قسم يؤديه الطبيب، ومهنة الطبيب إنسانية قبل أن تكون من أجل المادة. لكن هذا الطبيب كي يؤدي مهنته في أحسن الأحوال لا بد أن يلقى هو الآخر إمكانيات القيام بعمله في أحسن الأحوال. * * - بماذا تواجه من يتهمون الأطباء بالبزنسة في المرض وماذا عن العيادات الخاصة التي أضحت تطلب الملايين لإنقاذ حياة المرضى، ألا تعتقد أن مهنة الطبيب مهنة إنسانية قبل أن تكون مادية؟ * * من حق الطبيب أن يفتح عيادة خاصة ولا أحد يمكن أن يلومه إذا ما كان هناك تراضي بينه وبين مريض يريد أن يدفع عشرة ملايين لعملية جراحية، وعزوف الأطباء عن المستشفيات العمومية يقف من ورائه الأجر الزهيد الذي لا يعكس مدى الخدمات التي يقدمها الطبيب. * * - كيف تفسر تفاقم ظاهرة الأخطاء الطبية حيث ترى بعض الإطراف بأنها تمثل علامة اللامبالاة والإهمال الذي أصبح هو الآخر ميزة داخل المستشفيات الجزائرية؟ * * إذا كان هناك اعتراف بوجود أخطاء طبية، فهذا لا يعني أنه في كل عملية جراحية يوجد خطأ طبي، إن الطبيب الجزائري كفؤ وله مكانة باعتراف العديد من الهيئات والمنظمات، ماذا لو تحدثنا عن عدد الإنجازات التي جسدها الأطباء الجزائريون، ولا ننسى أيضا أن الطبيب ليس مسؤولا 100 بالمائة عن الوضع الصحي للمريض، هناك عوامل أخرى، فالطبيب إذا شخص المرض والسلطات ليس لها دواء ذلك المرض فلا يلام هذا الأخير إذا ما توفي المريض. * * - تعترفون بدوركم في معادلة تدني الخدمات الصحية، فماذا تقترحون للخروج من المشكل؟ هل هناك تصورات تكفي لحل ما أصبح يعرف بمستشفيات الجحيم؟ * * نحن كعمادة الأطباء الجزائريين ندعو إلى تنظيم لقاء أو ندوة وطنية حول واقع الصحة، يشارك فيها جميع ممثلي الأسرة الصحية، كما لا بد أن يرفع اللوم وفقط على وزارة الصحة لأن هذه الأخيرة مسؤولية الجميع من وزارة المالية، العمل، الداخلية، لا بد من إعادة وضع سلم للرتب والأجور لمحو من أذهان الجزائريين صور المستشفيات الحالية. * * من هو محمد بقاط؟ * محمد بقاط رئيس وطبيب متخصص في الأمراض التنفسية ويشتغل في إحدى العيادات المتخصصة، انتخب منذ 1993 كنائب رئيس المجلس الوطني لرئاسة الأطباء وانتخب عام 2006 رئيس المجلس الوطني لعمادة الأطباء الجزائريين، وفي سبتمبر 2007 رئيس المنتدى الأورو متوسطي لعمادة أطباء البحر المتوسط، وتم تجديد الثقة فيه في انتخابات ماي 2009 بالإجماع. * واستطاعت عمادة الأطباء أن تضم في صفوفها 45 ألف طبيب، حيث تم التنصيب الرسمي للمجلس الوطني لعمادة الأطباء برئاسة الدكتور بقاط بركاني محمد، ويتمثل نشاطها في تحسيس الأطباء العموميين والخواص على إجبارية التسجيل في قائمة العمادة، لأن القانون الجزائري يمنع منعا باتا إذا لم يكن مسجلا مسبقا في العمادة. * * * * سليم بلقاسم، الناطق الرسمي باسم وزارة الصحة وإصلاح المستشفيات: * هناك أطباء أصابهم التراخي وأخرون "يسرقون" المرضى من القطاع العام إلى الخاص * * - رفع مؤخرا فاروق قسنطيني رئيس اللجنة الوطنية الاستشارية لترقية حقوق الإنسان لرئيس الجمهورية تقريرا حول وضعية المستشفيات الجزائرية واهترائها وعدم توافق طبيعة المرافق الصحية مع الوظيفة العلاجية بالإضافة لإشارته لتدني مستوى الخدمات الصحية في بعض المستشفيات..من المسؤول عن هذه الوضعية ومدى صحة معطيات التقرير؟ * * حقيقة هناك عدد كبير من المرافق الصحية قديمة وتعود إلى الحقبة الاستعمارية وتدخل في خانة البناء الجاهز وغير الموجه للاستغلال في القطاع الصحي الذي يتطلب طابعا خاصا من المرافق إلا أنه حاليا هناك برنامج انجاز 779 مرفق صحي بمقاييس عالمية على اختلاف الأنواع في إطار مشروع ضخم يُشرف عليه رئيس الجمهورية منذ العهدة الماضية وسيستمر إلى غاية 2013 . * أما فيما يخص الجانب الخدماتي في المؤسسات الإستشفائية الجزائرية فإن وزارة الصحة شرعت في عملية تفتيشية واسعة ستمس كل المرافق الصحية من مستشفيات، مستوصفات وعيادات قصد تقييم مستوى النظافة والخدمات في المؤسسات الإستشفائية بهدف تعزيز شروط ومعايير النظافة وتحسين سير المصالح والتكفل بالمرضى والمرضى المقيمين. * * * عميد الأطباء الجزائريين يُرجع تدني مستوى الخدمات الطبية و تقاعس ممارسي المهنة في أداء واجبهم لتقصير الوزارة الوصية تجاههم، كما تُحمل نقابات الصحة الوزير بركات الآثار السلبية للإضرابات المتكررة على صحة الجزائري نتيجة للتدهور المعيشي لعمال القطاع وغلق الوزارة لأبواب الحوار.. ماردكم؟ * - أولا يجب أن يعلم الجميع أن أبواب الحوار غير مغلقة وأبواب الوزارة مفتوحة لجميع الأطراف والشركاء، ومن جهة ثانية يجب أن تعرف أن لعمادة الأطباء دور كبير لتحسين الخدمات الطبية والرقي بمستوى الرعاية الصحية فهي جهاز منتخب غير إداري وليست تابعة للوزارة أو تحت وصايتها، ومن مهماته الرئيسية السهر على تأدية كل من الصيادلة والأطباء وجراحي الأسنان مهامهم على الوجه المطلوب من حيث احترام أخلاقيات المهنة، في حين تتكفل وزارة الصحة بالدرجة الأولى مهمة توفير الجوانب المادية والمرافق الصحية. * وحقيقة المواطنون يعانون من بعض النقائص والتدني في مستوى الخدمات الطبية وفي مقدمتها تراخي بعض الأطباء كعدم احترامهم للمواعيد الطبية، حيث يحددون مواعيد للمرضى قصد فحصهم أو علاجهم إلا أن المواطن يتفاجأ لعدم حضور الطبيب أو خروجه قبل الموعد، وهذا أمر غير مقبول، والأخطر فإن هناك بعض الأطباء يحولون بعض المرضى من القطاع العام إلى القطاع الخاص من أجل إجراء فحوص وتحليلات هي متوفرة في المستشفيات العمومية وحتى لإجراء عمليات جراحية يمكن القيام بها في المستشفى وبكفاءة ومهنية عالية تتعدى مهنية بعض العيادات الخاصة، وكل هذه المشاكل والتجاوزات تنم عن عدم احترام بعض الأطباء لأخلاقيات المهنة ولا يمكن أن نعالجها كوزارة لوحدنا لأن المشكل أخلاقي وتتحمل عمادة الأطباء الجانب الأكبر والأساسي في مهمة حلها والقضاء على مثل هذه المظاهر اللاأخلاقية إضافة إلى ضرورة تعزيز الحس الأخلاقي في إطار تكوين الأطباء. * * * تشهد المؤسسات الإستشفائية العمومية هجرة جماعية للأطباء، إما نحو العيادات الخاصة أو نحو الخارج نظرا للإغراءات التي يتلقونها ليجد الجزائري نفسه مجبرا لدفع الملايين من أجل العلاج في العيادات أو الخارج..ما هي حلولكم لوقف هجرة الأطباء من القطاع العام و إجراءاتكم لمراقبة العيادات الخاصة ووقف البزنسة بصحة الجزائريين؟ * - على مستوى المرافق العمومية، الدفع رمزي جدا ولا يطرح أي مشكل إلا بعض الحالات الاستثنائية والخارجة عن القانون، والحل جاهز، وسيشرع في تطبيقه ابتداء من جانفي 2010، حيث سيدخل حيز التنفيذ مشروع تعاقد المرافق الصحية العمومية مع صناديق الضمان الاجتماعي للمؤمنين وذوي الحقوق، ومن جهة أخرى تعاقد المرافق الصحية العمومية مع مصالح وزارة التضامن الوطني فيما يخص المعوزين غير المؤمنين اجتماعيا، حيث ستمسح هذه الإجراءات بإدخال عدة أشياء كالصرامة والرقابة على النشاط ومعرفة النشاط الحقيقي بدقة، وفي وقت لاحق هذه العملية تترك المجال مفتوحا لإعادة النظر ووضع حوافز مالية مبنية على تقييم نشاط كل عنصر ومردوديته حتى نتحكم في نفقات الصحة، ونصل إلى حقيقة أن المريض لا يدفع أي دينار مقابل العلاج في المرافق الصحية العمومية، أما فيما يخص الوضعية الاجتماعية لممارسي المهنة فسبق للوزير أن صرح عن قناعته بالعمل من أجل تحسين الوضعية الاجتماعية لكل ممارسي الصحة. * وعندما تكون المؤسسات العمومية في منأى عن الممارسات اللاأخلاقية ستكون العيادات الخاصة مجبرة على احترام كل التدابير، وستكون إجراءات إضافية لمراقبتها فضلا عن العمليات التفتيشية للعيادات الخاصة والتي يُشرف عليها سلك مفتشي بشكل دوري. * * * يُرجع البعض تفاقم ظاهرة الأخطاء الطبية في الجزائر إلى عدم إجبار وزارة الصحة للأطباء التسجيل في مجلس أخلاقيات المهنة والكشف عن شهاداتهم وخبرتهم قصد متابعتهم ومراقبتهم من قبل هيئة اختصاصية مستقلة..ما تعليقكم؟ * - القانون واضح في هذا المجال، ففيما يخص الأطباء العاملين في القطاع الخاص فإن القانون يجبرهم بالتسجيل في مجلس أخلاقيات المهنة ولا تمنح لهم الرخصة قبل تسجيلهم، أما فيما يخص الأطباء الأجانب فالقانون يسمح للوزارة بمنح رخص لهؤلاء الأطباء الأجانب بالممارسة بعد التأكد من استيفائهم لجميع الشروط، وإذا كانت هناك اقتراحات جادة من العمادة لإعادة صياغة الإطار القانوني فلتتقدم باقتراحات رسمية، وإن أرادت فصل عمادة الأطباء عن عمادة الصيادلة وعن عمادة جراحي الأسنان فباب الوزارة مفتوح أيضا. * * * ما هي المشاريع والإجراءات المستعجلة التي ترونها كفيلة بالرقي بقطاع الصحة في الجزائر والتخفيف من معاناة المريض الجزائري عوض مضاعفتها؟ * - اليوم على مكتب الوزير مجموعة من الملفات الأساسية بناء على التقارير الدورية حول القطاع وتوجيهات رئيس الجمهورية خلال جلسات الاستماع، وأهم هذه الملفات هي تحسين الخدمات الطبية الاستعجالية وتوفير أحسن تكفل عن طريق الرقي بالخدمات الصحية المختصة بصفة جوارية، فالوقاية والعلاج يجب أن يصلا إلى باب المواطن وليس العكس، مع توفير كل الشروط الملائمة لموظفي القطاع قصد تحفيزهم على تقديم الأحسن وخدمة المواطن. كما سنركز خلال الأشهر القادمة على تحسين ظروف التكفل بالحوامل وتطوير المرافق الصحية المخصصة للتوليد وتحسين التكفل الجواري بمرضى السرطان، ويجب أن نعي أن الوقاية هي الأساس، لهذا سنواصل في التركيز على مخطط وقائي يحمي الجزائري من الأمراض على اختلافها. * * من هو سليم بلقاسم؟ * مكلف بوزارة الصحة منذ عشر سنوات، رافق في مسيرته داخل أروقة وزارة الصحة وإصلاح المستشفيات، نحو أربعة وزراء، مما أهله لأن يكون واحدا من علب المعلومات داخل الوزارة، عرف بتجاوبه الكبير مع الصحفيين في تنوير الرأي العام حول كل كبيرة وصغيرة فيما يخص القطاع.