انتكاسة الوجود وَهْم المصريين و''كوجيطو'' غرورهم ''أنا ألعب إذا أنا موجود'' جعلهم لمجرد خسارة مباراة في كرة القدم وكأن هذا أفقدهم سيناء مرة أخرى مع إسرائيل···! مرة أخرى يعجز صانعو القرار والأبواق الإعلامية في عدم القدرة على احتواء لهيب أججوا وقوده بالأفكار الميتة والمميتة، هل لنا من الوقت والجهد ما يجعلنا ننتصر في لعبة أن هذا لشيء عجاب؟ انتكاسة إعلامية لم يمر تاريخ الإعلام العربي في تاريخه مثلما هو عليه من همجية نموذجية في التعامل مع الأحداث، لكن الإعلام المصري ليس غبيا إلى هذه الدرجة، فهو ينظر إلى المستقبل لأن كل التحضيرات وتكهنات سحرة الإعلاميين كانت تجمع على فوز الفريق الفرعوني، ويجب أن يفوز ''إيه الجزاير ولا حافة'' ولأن كل المعطيات كانت تدق طبول النصر في المريخ، أصبح النصر سرابا أمام ''محاربو الصحراء''، لا بد أن يثأر للخسارة كيف ''مهو الماقدرتش عليه الِّرجل حيقدر عليه اللسان إحنا كده''· انتكاسة أخلاقية لن ينساها التاريخ الإعلامي حيال ما يسمع ويرى، وهي تعبر عن حضارة الفراعنة في التعامل مع تفسير السحرة لرؤية حلم النيل سبورت والحياة، نحن نعلم أن تفسير النيل في الواقع نعمة، لكن عندما يرى في الحلم يصبح نقمة والحياة في الحلم هي الموت في الحقيقة، فهل يعقل ألا تخجل أبواق الفراعنة من انتهاك حرمات الشعوب العربية والإسلامية، فالكرة كشفت كبرياءكم وغطرستكم والزمن والآفات ستقضي عليكم، قل موتوا بغيضكم أيها السفلة الأحرار· نأتي إلى الحقيقة التي غفلت عنها وسائل الإعلام المصرية وهي: المتتبع للاستعدادات اللوجستيكية وتعبئة الجماهير المصرية إلى الخرطوم يبين له تفسير هذه الأحلام المزعجة والكوابيس التي يعيشها الفراعنة وسيدفع المواطن المصري البسيط ثمنها· أولا: الاستعداد كان يقوم على أن السحرة كان لهم اليقين الكامل بالفوز لذلك تنقلوا إلى المريخ للاحتفال واعتمد في جيوشه على حثالة المجتمع المصري الحقيقيين الذين يعيشون على حساب الغلابة الطيبين حين يسرقون آهاتهم ويحولونها إلى قضايا وسيناريوهات سينمائية يمتعون بها الآخرين مقابل المال، هم أهل البلاط وقدر العدد بألفين من المناصرين أصحاب الأصوات الرقيقة من النساء والأجسام الثخينة والحرس الخاص لأبناء فرعون وأكاد أجزم أنهم الغالبية من المشجعين، هذه المجموعة التي تعتبر نفسها وصية على المجتمع المصري تنقلت ومعها سيناريو الفوز وسيناريو الهزيمة وبطلاهما هما الوريث غير الشرعي لمبارك والمتحدث غير الرسمي لمبارك، الذي حصل هو سيناريو الهزيمة الذي أبكى الحارس عصام الحضري· ثانيا: الوضع مشحون نتيجة الاعتداء السافر الذي تناولته وسائل الإعلام العالمية وممثلو ''الفيفا'' على الضيوف الجزائريين الذين لم يؤمنوا بسحر فرعون وهم قادرون على الكفر به، في الوقت الذي تشهد الساحة السياسية كشف أوراق الرئاسيات التي كانت على مرمى من عصام الحضري، وذهبت الجماهير المصرية من الغلابة والفقراء في رحلة عبر الصحراء من أجل فريقهم وهم لا يقدرون حتى على توفير قوت يومهم، هؤلاء يشعرون بالإهانة ويتنفسونها ويفترشونها في بلدهم ويعيشون ذلك بعيدا كل البعد عن وقع التهريجات السينيمائية والفنية، والمعارضة، فالسلطة هي أول من مارس على شعبها الحصار، لأن الحسابات كانت مبنية على عدم الثقة بين طبقات المصريين أكثر من الجزائريين، حيث تشير هذه التخمينات إلى أنه يمكن أن يتاح للمعرضة فرصة الظفر من مبارك والأسرة الملكية ممثلة في علاء وجمال وتصبح الخسارة أكبر من خسارة كأس العالم، وأنا أتساءل إذا كان هناك سيناريو من هذا النوع، ماذا يفعل المصريون؟ ففي الوقت الذي كانت تحتاج فيه المباراة إلى جمهور حقيقي يذهب هناك من أجل أن يعيش المباراة، ذهب جمهور مزيف ومقرب من البلاط ولا يحسن قيمة التشجيع ولا يعرف متى وكيف يشجع لأنها لعبة أخرى ليست مهمته الحقيقية، مهمته الحقيقية تكمن في مسح حذاء النظام ومراعاة أبنائه لكي لا يأكلهم الذئب· أصحاب القرار مارسوا الحصار على مناصري المنتخب وصوروهم ضمنيا في تصوير خطر على أبناء فرعون، تلك هي النزعة التمساحية في المخيلة المصرية· هذا السيناريو أغفلته وسائل الإعلام المصرية عن الجماهير ترى لماذا؟ هذه إهانة أكبر مما تروج له الحياة والنيل والدريم، فالطوطم فكر وقدر وقال خسارة كأس العالم ولا خسارة أحد أبناء الفرعون· ثالثا: أيضا هناك حدود برية بين البلدين لم يتم منحهم تأشيرة الدخول إلى الخرطوم قالوا بقيت الجماهير معبأة على الحدود السودانية الغلابة أو العبيد· أعتقد أن المستشارين السياسيين ليسوا أغبياء إلى هذه الدرجة، فأجدادهم استطاعوا أن يضحكوا على إسرائيل في كامب ديفيد، فكل المعطيات كانت لديهم ولكن خوفا على الجمال والعلاء تم وضع المُلَك في جهة والكرة المستديرة في كفة، فرجحت كفة الملك، هذه هي المؤامرة الحقيقية التي يجب على الشعب المصري أن يعيها ويهضمها، وأنا أعلم أن الكثير منهم والمتتبع للخطاب المرضي للإعلام المصري يجد حلا لهذا اللغز، وهذا الحلم الذي حير فرعون وجعل في المدائن حاشرين ليأتوه بالخبر اليقين· لماذا تحدث العلاء على النكسة وسكت الجمال، الأمر بسيط، الاستراتيجية مبنية على حلم المستقبل لأن الجمال يجب أن يحفظ كما فعل سيدنا يوسف في محافظته على السنبل ليبقى إلى السنوات العجاف وراح العلاء يبيع الكلام في سوق الأحلام ليضمن للمصريين حقهم المسلوب من خلال سب الآخرين الأنظف، فهم على الأقل عبأوا شعوبهم لمناصرة فريقهم، لكنك أنت لم يكن كأس العالم يعنيك بالقدر الذي توضحت فجوة الثقة العميقة بينك وبين البسطاء من المصريين حتى في وطنهم، ضاعت كرامتهم فراحوا يبحثون عنها في المريخ· الجمال بقي صامتا ليوم الشدة، في المستقبل هناك علاقات خارجية ومصالح مصرية مع الدول والحكومات، فبعد تحنيط الفرعون لينتقل إلى الخلود، يجب أن يتكلم الجمال كوريث لمباركة النيل، السحرة يدركون أن الصمت حكمة المستقبل· ونتيجة هذا الفهم فقدوا الإحساس بالآخرين وداسوا كرامتهم، ذنبهم أنهم كانوا أكثر منهم تنظيما وصادقين مع شعوبهم وسخروا لهم كل مستلزمات الإقامة، وهذا حقهم كشعب ينتمي إلى بلاده الجزائر، وهم يحمدون الله أن الشعب المصري قد استضافهم في ظلم ليالي الحلمية بالقاهرة وأصبح الفريق الأبيض في اليوم الأسود عنوان مؤامرة فرعونية خاصة، ليتحول ذلك إلى نور وإصرار على الفوز، لقد شهد العالم كله هذه الضيافة التي أقامها الفراعنة على شرف الفريق الوطني باعتبارهم سفراء الراية الخضراء المرصعة بدماء أرواح الشهداء الذين هم أجدادنا الشرفاء والذين مات منهم لأجل مصر في أكتوبر، الذين يلتزمون بالآداب والأخلاق في ضيافة ثمانين مليون مصري وثمانين ألف مناصر· هنا تبرز قيمة السياسة بالنسبة إلى كوجيطو اللعب بأوراق الغير وهو أسلوب التماسيح··· والله المستعان عما يصفون·