السؤال الذي طرحه الإعلام المصري بالصيغة ذاتها التي طرحها دبليو بوش غداة الاعتداءات على البرجين التوأمين، فيه الكثير من التشابه على أن مصر تعيش مرحلة التراجع والانهيار وأن النظام السياسي هو في مرحلة الانحطاط والأزمة والسقوط الحر، لم يجد لها مخرجا إلا بالبحث عن العدو الوهمي وتعبئة الرأي العام في الداخل ضد هذا العدو الوهمي والافتراضي الذي اسمه الجزائر.وعندما أتحدث عن هذا التراجع والأزمة في الداخل المصري فإنني أحمل معي مقاييس قوة الدولة وضعفها، وللأسف فإن مصر مبارك قد قدمت شهادة الوفاة عن الإرث الناصري، وراحت تتعلق بفرعون وجنوده رافعة شعار لا أريكم إلا ما أرى، ولا أعلم لكم من إله غيري. أولى عناصر قوة الدولة العامل الاقتصادي، وهنا ستجد أن مصر حسب مؤشرات التنمية البشرية في ذيل الترتيب، وراحت تغطي على هذا الضعف باتفاقيات الكويز مع الطرف الإسرائيلي بحجة تحقيق التنمية لتبرير منح إسرائيل الغاز الطبيعي بأبخس الأثمان، العنصر الثاني لقوة الدولة يكمن في القوة العسكرية، والجميع يعرف أن مصر لا تحرك دبابة في سيناء إلا بأمر من إسرائيل، فقد كبلت نفسها باتفاقيات كامب ديفيد بعدما قام السادات بزيارة للقمر عندما حط في القدس للتطبيع، وعقدة مصر التي رفعت خيار التنمية بدلا من القوة العسكرية وجدت نفسها في حرج كبير أمام المقاومة الفلسطينية واللبنانية التي دمرت أسطورة الثكنة العسكرية في إسرائيل، فكانت مقابر الميركافا في جنوب لبنان. والبطولات والصمود في غزة، والحرج الأكبر أن مصر وجدت نفسها أمام نموذج إيران الدولة القوية عسكريا بجانبها وهي تطور من قدراتها التكنولوجية والعسكرية، فكلما كان مبارك يستقبل ليفني التي أعلنت تدمير غزة من القاهرة ويفتح ذراعيه لشمعون بيريز تقوم طهران بالمناورات العسكرية البرية والبحرية والجوية لإرسال رسالة لإسرائيل بأن إيران ليست مصر، وهي قادرة على الحفاظ على منشآتها الحيوية بردع أي تهديد، وهي العقدة النفسية والعسكرية التي يعيشها صانعو القرار في مصر ومهندسو توريث السلطة الذين عجزوا عن تقديم التوضيحات عن تلك النفقات الضخمة التي تنفق على الجيش في الوقت الذي استطاع حزب الله وحماس أن يتفاوض مع إسرائيل من موقع قوة المقاومة. العنصر الثالث لقياس قوة وضعف الدولة يكمن في عامل الدور والمكانة الدبلوماسية، وهي العقدة الكبيرة التي تعيشها مصر في الفترة الراهنة، بحيث فقدت وظيفتها الدبلوماسية نتيجة تأزيم النزاعات مع دول الجوار من دمشق إلى بغداد ومن بيروت إلى طهران، وهو ما جعلها تفتقد لعنصر حيوي في الدور الدبلوماسي وهو الحيادية وثقة الآخرين في هذا الدور، ولذلك سمح بصعود الدور القطري والتركي الذي استثمر في الضعف المصري، وكانت ردة الفعل المصري بناء دبلوماسية قائمة على تحطيم هذا الدور العربي والإسلامي، حتى الوساطات التي تحتضنها القاهرة بين فتح وحماس لا يمكن لها أن تنجح إلا وفق الرؤية المصرية الهادفة إلى إضعاف حماس خوفا من تنامي الإخوان المسلمين في مصر، وهو السلوك المصري الذي اتضح بعد فوز حماس في الانتخابات التشريعية وأيام العدوان على غزة عندما استقبلت قوات دحلان على حدودها في انتظار إكمال إسرائيل مهمتها العدوانية على قيادة حماس. • إضافة إلى عامل الدور، هناك مؤشر أساسي لقياس قوة وضعف الدولة يكمن في تجانس القيادة واستقرارها، وهذا هو جوهر التجييش الإعلامي والدعائي المصري ضد العدو الوهمي، حيث تعيش مصر مرحلة انتقالية خطيرة جدا استعدادا للانتخابات الرئاسية التي ستجري في سنة ,2011 فمبارك بلغ من الكبر عتيا إلى درجة أنه نقل إدارة الشؤون السياسية والدبلوماسية إلى شرم الشيخ، حيث الراحة والاستجمام، مكلفا الخزينة المصرية أعباء ثقيلة بسبب تنقل الوزراء من القاهرة إلى مقر الإقامة، ثم أن الهندسة الإعلامية والدعائية المصرية لتوريث السلطة عاجزة عن إيجاد هذا الإجماع حول شخصية جمال مبارك حتى داخل الحزب الحاكم، فهو لا يملك من الشرعية إلا أنه ابن الريس وابن سوزان، وهو ما جعل الدعاية المصرية تركز على خيار دور جمال في الوصول إلى كأس العالم باعتبار المناسبة فرصة تاريخية للإعلان الرسمي عن الترشح في خضم فرحة الجماهير بكرة القدم، وهذا هو المجهود الوحيد الذي يقوم به جمال مبارك فهو الذي عين رئيس الاتحادية المصرية لكرة القدم، وهو الذي عين المدرب الوطني، وأصبح يتنقل مع الفريق المصري وكأنه رئيس لنادي كرة القدم وليس للفريق القومي، ولتحقيق هذه الشرعية الوهمية قام مهندسو توريث السلطة لجمال مبارك، بمؤامرة ترهيب الفريق الوطني الجزائري في مطار القاهرة وطيلة تواجده في القاهرة لتحقيق الفوز المستحيل حتى تضمن الشرعية المغلوطة، وكم كانت الصدمة كبيرة عندما فقد جمال شرعيته الموهومة في ملعب المريخ السوداني، وكم كانت الخيبة كبيرة عندما بدأ الشارع المصري يتساءل كيف استطاعت الدولة الجزائرية أن ترسل مناصريها من الشباب في الوقت الذي ركز الإعلام المصري على الثنائي جمال وعلاء مبارك والشلة المحيطة بهم من الممثلين، وكأنهم في حملة انتخابية وليس في مباراة لكرة القدم، ولم يجد مهندسو التوريث إلا فتح الفتنة مع الجزائر لتغطية عجز النظام الذي لم يقدم الإعانات للمناصرين الذين تفاجأوا بملعب البليدة في الخرطوم بعدما كان كل الإعلاميين يصورون اللعب في المريخ باللعب في الزمالك أو الأهلي، معتمدين على القرب الجغرافي بين مصر والسودان وأسقطوا بذلك قوة الإرادة والمؤامرة التي حدثت للاعبين الجزائريين في مطار القاهرة. أما العنصر الآخر وليس الأخير في قياس قوة وضعف الدولة، فيكمن في ما يسميه جوزيف ناي بالقوة الناعمة، الذي يجمع جاذبية الآخرين نحو ثقافتك وإعلامك ونمط حياتك وإنتاجك الفكري، قوة أساسها الإقناع وليس الإكراه، قوة ترتكز على الإغراء والجاذبية وليس على المركزية والاستعلاء على الآخرين، وهذا الذي افتقدته مصر وبدون رجعة ما بعد المباراة مع الجزائر، حملة دعائية وإعلامية لممثلين ضد الشعب الجزائري والشعب السوداني والشعب الفلسطيني والشعب القطري وكل الشعوب العربية، دعاية لم تخرج عن إعلام االواواب وبشعبولاب وثقافة ازاح ندح أنبوب، وكم هي المقارنة كبيرة بين فنانين سوريين راحوا يجتمعون على الحدود مع غزة مطالبين برفع الحصار على الشعب الفلسطيني وبين الممثلين المصريين الذين راحوا يكررون شتائم علاء مبارك للتقرب من شلة شرم الشيخ، وبشهادات الزور والكذب والافتراء، في الوقت الذي كانت مصر تستقبل شمعون بيريز بكل الأحضان، وكما قال لي أحد الباحثين العرب، إن مصر قدمت لنا مادة علمية للبحث تبقى صالحة لأكثر من عشر سنوات، إعلام دعائي لو تم استخدام تلك الطاقات كلها لتعبئة الرأي العام العربي ضد إسرائيل لتم تحرير سيناء والجولان وفلسطين، لكن للأسف للمرة الثانية هذا هو المؤشر الآخر على السقوط الحر للنظام المصري بشهادات مصريين يكرهون أنفسهم.