ضرب علي بن فليس مواطن الضعف التي تميز بها حكم الرئيس بوتفليقة، في السنوات العشر الأخيرة، وراح يبني عليها من خلال خطاب ترشحه الرسمي، أمس، المحاور الكبرى لبرنامجه الذي قد يوصله لقيادة محتملة للجزائر في السنوات الخمس المقبلة، حيث قال "إن عهد الرجل المعجزة قد ولىّ.. ولكني ألتزم أمام الله والشعب بتحقيق استقلالية العدالة وملاحقة المرتشين ورفع مستوى المدرسة الجزائرية ورفع الخدمات الصحية، وبناء اقتصاد منتج". اعتبر علي بن فليس الذي أعلن ترشحه، أمس، من فندق الهيلتون بالعاصمة، أنه مدفوع بالواجب الوطني كي يترشح، مقترحا التعاون مع الجزائريين "لتحقيق برنامج طموح وحيوي بشرف وتصميم وتواضع واطمئنان نفس"، مضيفا أن "الانتخابات القادمة ستكون موعدا تاريخيا، لذا أدعو الشعب للوقوف معي لرفع أهم تحدي في حياتي وهو رغبتي في خدمتهم وأنا على أتم الاستعداد لإحداث التحولات التي تستحقها الأمة، بتقديم كل خبرتي وطاقتي وتصميمي"، مضيفا أن ذلك نابع "من تعلمنا من الشهداء الأبرار والمجاهدين أن التحولات ممكنة إذا عزمنا بقوة". ولم يبحث بن فليس عن مداخل كثيرة للشروع في إعلان المحاور الكبرى لبرنامجه الرئاسي، حيث بدأه من اختصاصه.. العدالة، لكنه ظهر أن القطاعات التي اختار أن يجعلها حجر زاوية برنامجه، هي القطاعات الأكثر معاناة خلال حكم بوتفليقة، وهي علاوة على القضاء، التربية والصحة والبحث العلمي والاقتصاد وظواهر سلبية كالفساد والبيروقراطية المتفشية.. وفي التفاصيل قال علي بن فليس إن "الشعب يرفض بقوة الظلم والغبن في الحق لأنه مساس بالكرامة الإنسانية وتآكل للثقة بين الشعب والدولة، كما أن المظالم التي يتعرض لها الجزائريون ليست اعتداء عليهم فحسب، بل خطرا على الوطن لأن عدم الاعتراف بالمواطن غرس لأسباب الغضب المؤدي للعنف". وأضاف بن فليس "بلدنا لا تنقصه القوانين بل الإرادة السياسية لتطبيقها بصرامة ولهذا وجب التعجيل بإعادة الثقة المفقودة بين العدالة والشعب لأن العدل أساس الحكم"، وأقرن بن فليس تعهداته الكبرى بإشهاد الله عزوجل على العمل على تحقيق استقلالية العدالة "فسأسهر على ضمان الحماية القضائية للجزائريين ليشعروا بالأمان من ظلم الأقوياء وعلى تحرير القاضي إلا من الضمير والقانون". وحول قطاع التربية، قال بن فليس بأنه كان على اتصال دائم بالنقابات وأولياء التلاميذ والأساتذة "لذا سأعمل على أقلمة البرامج مع المواطنة والتطور التقني ضمن نموذج مدرسي جزائري يكون فضاء لتلقين المعارف والتطور المتكامل للشخصية الجزائرية". وعن الصحة، قال بن فليس بأن الجزائر ترصد لأبنائها من هذه الخدمات أقل ما ترصده بلدان أقل منا إمكانيات، "لذا سنحسن الخدمات العلاجية والهياكل وتأمين التكوين النوعي للإطار الطبي وشبه الطبي"، داعيا إلى "بحث علمي يشجع الانتاج وتشجيع الشراكة مع الخارج". وصوّر بن فليس صورة قاتمة عن سوق العمل، وقال "ملايين الجزائريين يشعرون بالتهميش والإقصاء وخيبة الأمل إزاء فرص العمل الناقصة ما يؤدي لحياة من الريب"، موضحا "لقد حللت بكل أنحاء الجمهورية في السنوات العشر الماضية وقابلت الشباب اليائس، لكنني أتفهمهم وأستشرف تطلعاتهم وسأحمل لهم حلولا واعدة، فالمشروع الاقتصادي الذي أحمله طموح ميزته مضاعفة خلق المؤسسات ودعم الفلاحة لتعويض ما نستورده للحفاظ على عملتنا الصعبة للأجيال"، موضحا أن توجهه سيكون "تشجيع رأس المال الخاص ومحاربة البيروقراطية ودعم منهج الشفافية". الرشوة.. بلغت في السنوات العشر مستويات تاريخية وجدد بن فليس أن في سنوات بوتفليقة ما بعد 2004 كان يقابل الشعب "والتمست أن الرشوة بلغت مستويات تاريخية في العشر سنوات الماضية ولم تستثن أي مؤسسة والمشكلة أنها ليست رشوة إدارية فحسب، بل رشوة سياسية مست بمصداقية العدالة والتوازن الاجتماعي وبلغت حدا مقلقا يهدد كيان الدولة"، وهنا جدد بن فليس التزامه أمام الله والشعب قائلا "فعلى الذي في الوظيفة العمومية أن يكونوا مثالا وإني التزم أمام الله والشعب بمكافحة الرشوة باستمرار بكل شفافية وملاحقة الراشي والمرتشي وتبسيط البيروقراطية"، داعيا إلى عقد وطني ضد الرشوة "بفصل تدخل السياسي في العدالة ويجب طي صفحة اللاعقاب وتكريس ثقافة تقديم الحساب للجزائريين عن كل دينار يُصرف". السمعي البصري.. تأخرنا واعتبر بن فليس أن الجزائر من الدول المتأخرة في الانفتاح السمعي البصري مقارنة بإمكانياتها المادية والبشرية "فحرية التعبير لا ينبغي أن تواجه عراقيل ولا ينبغي توظيف العدالة ظلما ضد الإعلام، فليس هناك ما هو أبشع من التعدي على حرية القول"، وعن الأحزاب السياسية، قال ينبغي أن تكون في منأى عن الضغوطات "وعلينا الخروج من العشائرية والمحسوبية والجهوية". ولم يأت بن فليس بجديد حول مكافحة الارهاب وموقعة تيقنتورين، فقد ندد بالظاهرة والتزم بموقف كافة الجزائريين الرسميين الذي يقول إن الجيش برهن للعالم عن قدراته، ماعدا أنه دعا "لحوار مع كل الفاعلين السياسيين والاجتماعيين يهدف إلى تعميق مسار الخير لإخراج البلد من أزمة طال أمدها وحل كل المآسي لأن الأمر يستدعي توافقا اجتماعيا يكرس بقرار سيد من الشعب"، منتهيا بقوله "أعرف مشاكل الجزائريين ومخاوفهم وأتعهد بأن أقول لهم الحقيقة دون وعود واهية، فزمن الرجل المعجزة قد ولىّ ولا يُمكن لأحد تحقيق المعجزات، ولكن أدعو المواطنين للتشاركية في الحل".