الشرق الأوسط الكبير بين الصهيونية العالمية والامبريالية الأميركية كتاب جديد لمؤلفه الدكتور غازي حسين صدر مؤخراً عن اتحاد الكتاب العرب بدمشق، ويتألف من أربعة أبواب وعدة فصول تعالج كيفية بروز مصطلح الشرق الأوسط على أيدي تيودور هرتزل وزعماء الحركة الصهيونية وتبني الولاياتالمتحدة الأميركية للفكرة وللمخطط الذي وضعته إسرائيل للمنطقة العربية والإسلامية. في هذا الفصل يواصل صاحب كتاب الشرق الأوسط الكبير بين الصهيونية العالمية و الامبريالية الأمريكية الدكتور غازي حسين التأكيد على أن الولاياتالمتحدة في استراتيجية الحرب الاستباقية متابعة ما أسماه الرئيس بوش بالحرب المستمرة على الإرهاب تجاه بعض الدول التي تدعم وتأوي رجال المقاومة, مما يعرّض باستمرار الشعوب العربية والإسلامية وشعوب العالم أجمع إلى أفدح الأخطار. وأكد بول فولفوفيتس, مساعد وزير الحرب الأمريكي أن عراق صدام كان إرهابياً وأن الحرب الجارية هناك يجب أن ينظر إليها باعتبارها جزءاً من الحرب ضد الإرهاب. وهنا يوضح الدكتور أن المقاومة الفلسطينية أثبتت للاحتلال الإسرائيلي والمقاومة العراقية للاحتلال الأمريكي, والمقاومة الأفغانية فشل الحروب الاستباقية ضد الدول التي تؤوي الإرهابيين, لأنها قامت وتقوم على مزاعم وأكاذيب وتبريرات عنصرية واستعمارية ودينية معادية للعرب والمسلمين، فالمقاومة التي تسميها أميركا بالإرهاب تزداد في البلدان المحتلة ضد قوات الاحتلال, لأن الاحتلال أسوأ أنواع الإرهاب. فالمقاومون يملكون العقيدة ''الإيمان للدفاع عن أوطانهم وثرواتهم. أن الإرهابيين هم بوش وشارون, أعداء الشعوب والسلام والعالم المتحضّر والإنسانية جمعاء, وهما أعداء العرب والمسلمين والشعب الفلسطيني والعراقي وجميع شعوب العالم. وأن بوش وشارون يحاولان إخضاع العرب والمسلمين من خلال الصدمة والترويع لكسر إرادات الحكومات, ولكن الحرب الاستباقية لن تحقق الأمن والسلام أو تقضي على مقاومة الشعوب للاحتلال. و أن الأكاذيب التي أطلقتها الإدارة الأمريكية لتبرير الحرب الاستباقية على العراق والخسائر المادية والبشرية والأخلاقية والقانونية والحضارية والنفسية التي ألحقتها الحرب بالعراق وبالولاياتالمتحدة تدفع إلى الاعتقاد بصعوبة ارتكاب حرب استباقية جديدة خلال فترة قصيرة من الزمن، لذلك يجب دعم الشعب العراقي الشقيق لكنس الاحتلال من وطنه, لأن الاحتلال الأمريكي يتصرف في العراق بوحشية أكثر من المفاهيم والأساليب الاستعمارية والعنصرية التي سادت في القرن التاسع عشر. من جهة أخرى يرى إن الحرب الاستباقية على العراق يجب أن تكون آخر الحروب الاستباقية وآخر محاولة لتغيير نظام سياسي بالقوة العسكرية وإقامة نظام سياسي جديد لخدمة مصالحها الاقتصادية والعسكرية وتغيير الهوية القومية للعراق ونهب نفطه. و أن صورة الحضارة والديمقراطية الأمريكية غاصت في أعماق المستنقع العراقي, لأن الإدارة الأمريكية أشعلت الحرب الاستباقية لإغراءات وضغوط يهودية واقتصادية, وغاصت في الوحل أمام شعوب العالم التي أخذت تؤمن أن أمريكا وإسرائيل تشكلان أكبر تهديد للسلام والاستقرار في العالم. وانهارت صورة الجيش الأمريكي المنقذ في أجساد الأطفال والنساء والشيوخ والرجال الذين فقدوا أرواحهم بذخائر اليورانيوم المخصب, والجنود والضباط الذين صهروا أجسادهم الطاهرة بالأسلحة السرية الحديثة ومنها سلاح الميكروويف. وفقدت الولاياتالمتحدة مصداقيتها أمام جميع الشعوب وظهر بجلاء أن طغيان الخطاب الديني الأمريكي على الحروب الاستباقية في أفغانستان والعراق يؤكد أن المتطرفين الدينيين يتواجدون في الإدارة الأمريكية وليس في السعودية أو مصر أو العراق. و هنا يشير الدكتور غازي حسين إلى أن وحشية الجيش الأمريكي دفعت بأحد المواطنين الأمريكيين إلى الكتابة في واشنطون بوست يقول: لقد قرأت أن جيشنا المحتل يستخدم أساليب الجيش الإسرائيلي, إحراق البيوت وتطويق القرى بأكملها بالأسلاك الشائكة, واحتجاز أُسر المتمردين, وأنا أشعر بالعار لأنني أبقى هادئاً, قال أحد ضباطنا.. بجرعة قوية من الخوف والعنف, والكثير من المال للمشاريع اعتقد أننا نستطيع إقناع هؤلاء الناس أننا هنا لمساعدتهم. أنه الأميركي القبيح وهكذا شحن، إن جيشنا يختار نموذجاً من الواضح أنه أخفق في ''إسرائيلس. و أن استئصال الروح الوطنية والقومية والإسلامية في العراق شرط لفرض الهيمنة الأمريكية عليه, كما أن تدمير الجيش العراقي وإتلاف جميع معداته يمثل هدفاً استراتيجياً ل''إسرائيل'' لا تستطيع أن تقوم هي بتحقيقه, ولكن حققته الولاياتالمتحدة خدمة لها, وهو ما يعزز ويدعم مكانة بوش لدى اللوبي اليهودي الأمريكي لإعادة انتخابه وهذا ما حدث... كما أن الملامح الرئيسية والأهداف الأساسية للحرب الاستباقية في العراق ترمي إلى فرض الهيمنة على العالم من خلال استخدام القوة العسكرية, والتحكم في النفط والمستقبل العراقي, لإفساح المجال للتحكم في الاقتصاد العالمي من خلال كميات النفط المستخرجة والأسعار ووضع اليد على أموال النفط لتحقيق الازدهار الاقتصادي. ولذلك أعلن الرئيس بوش في إحدى خطبة أن ازدهار العراق سيقود إلى ازدهار أميركا. أن الحرب الاستباقية على العراق جزء من الحرب الشاملة التي تشنها الولاياتالمتحدة وبريطانيا على العرب والمسلمين باسم مكافحة الإرهاب, ولإكمال المهمة التي بدأها بوش الأب تحت ستار تحرير الكويت, ولتغيير النظام العراقي واستبداله بنظام عميل لأميركا وصديق ل''إسرائيل'' ولردع باقي النظم العربية والإسلامية. وترمي من جراء الحرب العدوانية بسط الهيمنة الأمريكية على القارة الأوروبية بعد النجاح في تحقيق أهدافها في العراق, مما دفع بكيسنجر أن ينصح الأوروبيين بأن يمارسوا مسؤولياتهم الإقليمية في إطار شامل من النظام العالمي الذي تحدده الولاياتالمتحدة, وبالتالي يحظر كيسنجر ويهود أمريكا على أوروبا أن تسير في طريق مستقل وفي طريق وحدتها إلاّ من خلال الإطار الشامل الذي تحدده الولاياتالمتحدة. وبالتالي فإن يهود أمريكا و''إسرائيل'' هم السرطان الخبيث الذي يفتك في أجساد شعوب الشرق الأوسط وأوروبا. وهنا يشير الدكتور إلى أن النفط ليس السبب الرئيسي للحرب الاستباقية على العراق, إذ جَرَتْ طرح العروض لمنحها النفط أسعار مغرية مقابل عدم القيام بالحرب, ولكن واشنطون تريد بالإضافة إلى النفط تغيير النظام ومسح هوية العراق القومية والإسلامية, وتدمير قوته العسكرية التقليدية والصاروخية وجعله النموذج للتعامل مع بقية الدول المارقّة لحملها على السير في ركاب السياسة الأمريكية والصهيونية. كما يمكن القول أن الحرب على العراق بداية لفرض استراتيجية الأمن القومي الجديدة, أي فرض مفهوم استخدام القوة العسكرية على النظام العالمي الجديد لخدمة القوى الحاكمة في الإدارة الأمريكية: الرئيس بوش, نائب الرئيس ديك تشيني, وزير الحرب رامسفيلد, نائب وزير الحرب فولفوفيتس, وريتشارد بيرل. ويعبّر هؤلاء عن مصالح شركات النفط والسلاح وعن رؤى دينية مسيحية ويهودية متطرفة تؤمن بأن هيمنة الولاياتالمتحدة على العالم هي نهاية التاريخ. لذلك تشن الولاياتالمتحدة الحرب على الإسلام بعد انهيار الاتحاد السوفييتي, لأنها صنّفت الإسلام بالعدو رقم واحد للولايات المتحدةالأمريكية. وتهدف إدارة بوش من الحرب الاستباقية إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط الكبير بما فيها إيرانوأفغانستان وباكستان وبعض الجمهوريات الإسلامية في أسيا الوسطى وبلاد الخليج لتحقيق المصالح والمخططات الأمريكية والصهيونية, وتغير مناهج التعليم في المراحل الابتدائية والثانوية وحتى تغيير كتب الدين الإسلامي والتربية القومية والسياسات الإعلامية والفكرية والاجتماعية, واعتماد الضربات الوقائية أو الحروب الاستباقية أو التهديد بها لكسر إرادات الحكومات المعنية. مصير الحرب الاستباقية يقول الدكتور غازي أن الولاياتالمتحدة ليست في حالة الدفاع المشروع عن النفس, فالعراق المحاصر والمدمر في حرب الخليج الثانية والخالي من أسلحة الدمار الشامل, والذي لا تربطه روابط مع تنظيم القاعدة لم يهدد الأمن القومي الأمريكي في يوم من الأيام, بل كانت تربطه علاقات وثيقة مع رامسفيلد وغيره خلال الحرب العراقية الإيرانية, لذلك تسقط جميع المبررات التي ساقتها إدارة بوش لتبرير حربها العدوانية على الشعب العراقي. و أن مفهوم الحرب الاستباقية يتعارض مع قواعد القانون الدولي وميثاق الأممالمتحدة والمبادئ الأساسية للقانون الدولي وعودة في العلاقات الدولية والتعامل الدولي مئة سنة إلى الوراء. ويعبّر هذا المفهوم الجديد لاستراتيجية الأمن القومي الأمريكي عن الأسلوب الجديد للإمبريالية الأمريكية والصهيونية العالمية للسيطرة على العالم وأمركته. ويجسّد أخطر المفاهيم التي ظهرت حديثاً في العلاقات الدولية, وينهي دور مجلس الأمن والأممالمتحدة. وتعتبر الحرب الاستباقية على العراق عدواناً مسلحاً وحشياً وهمجياً, واحتلالاً أجنبياً للعراق يعطي الشعب العراقي الحق الشرعي والقانوني للدفاع عن نفسه بموجب المادة (51) من ميثاق الأممالمتحدة, ويعطيه الشرعية في مقاومة الاحتلال الأمريكي. كان مصير الإمبراطوريات القديمة إلى الزوال, حيث أنها تشِّب وتشيخ ثمّ تنهار, فانهارت الإمبراطورية الرومانية والفارسية والإغريقية وألمانيا النازية وجميع النظم العنصرية والاستعمارية, ما عدا الإمبريالية الأمريكية والنظام العنصري والاستعماري الصهيوني في فلسطين العربية. سيكون مصيرهما إلى الانهيار كما انهارت جميع النظم الاستعمارية في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية. وسينهار الكيان العنصري الإسرائيلي كما انهارت النازية في ألمانيا والفاشية في إيطاليا والعنصرية في روديسيا والبرتغال, ونظام الايارتايد في جنوب أفريقيا, وسيزول الاحتلال الأمريكي للعراق وتنهار الإمبراطورية الأمريكية في خارج الولاياتالمتحدةالأمريكية.