في كل مرة تطلق فيها تصريحات إعلامية جديدة من قبل أحد الفاعلين في الثورة التحريرية، إلا ويتجدد الحديث عن مسألة كتابة التاريخ، ودور الأكاديميين الجزائريين المتهمين بالغياب، وحتى الصحفيين الناشطين في مجال التاريخ الذين يتهمون في هذا الإطار بالبحث عن الإثارة وصناعة النجوم على حساب الحقيقة. يعتقد الباحث والمؤرخ، الدكتور محمد حارش، الذي أشرف سابقا على معهد التاريخ بجامعة الجزائر 02، أن المختصين في مجال التاريخ لا يقدمون الجهد البحثي الكافي خصوصا إذا ما قورنوا مع الطرف الثاني في مسألة الاستعمار، "الدارسون والباحثون في الجزائر ليسوا في المستوى الذي تتطلبه ثورتنا العظيمة، لأن واقع الدراسات يؤكد أن ما قدم من البحث في هذا المجال لدينا لا يعد قطرة في بحر مقارنة مع ما كتبه واشتغل عليه الفرنسيون على مختلف مراحل الثورة"، معترفا أن حتى المختصين الذين أظهروا شغفا بكتابة وتمحيص التاريخ الاستعماري لفرنسابالجزائر يعدون على الأصابع في الداخل والخارج، كما يعتقد أن ما قدموه "ليس مواكبا للجهود والإصدارات التي تتم بفرنسا". وإذا كان الباحث يعتبر أن ما يرد في الصحافة الوطنية بين الحين والآخر في المجال التاريخي عبر الشهادات "أمر إيجابي" يمكن للباحث الاستفادة منه عن طريق حدوث المواجهات وفتح المجال لمقاربة وجهتي النظر، إلا أنه يؤكد أن هذه التصريحات تصنف في خانة المذكرات الشخصية التي تعتريها النزعة الذاتية للإنسان الذي "يحب تمجيد نفسه والظهور على أنه الفاعل الأهم في كل الأحداث"، لذلك على الباحث الحذر في التعامل معها، وتناولها بالتحليل والتدقيق العلمي. وعن المصادر التي تؤثر على حركة التأريخ في الجزائر وتعطلها يشير الدكتور محمد حارش إلى مسألة الأرشيف غير المتاح، أي ذلك الذي لا يمكن الوصول إليه بسهولة أوالذي لا يمكن للباحث الوصول إليه أبدا، والمسألة هنا لا تتعلق فقط بالأرشيف الموجود لدى فرنسا "وتحرص على إخفائه ولا تحب إظهاره"، وإنما حتى الأرشيف الموجود في الجزائر لدى دوائر رسمية أوحتى أشخاص كانوا فاعلين في الثورة ويرجع الباحث هذه المسألة إلى أن "من الناحية التاريخية الأرشيف يطلق سراحه بعد خمسين سنة، وذلك حماية على الخصوصية وعلى سلامة الأشخاص الذين كانوا فاعلين في المرحلة المعنية"، ويعتقد الدكتور حارش أن هذا لم يحدث في الجزائر لأن "الأشخاص الفاعلين في الثورة أغلبهم مازال إلى اليوم في السلطة أو قريبين منها لذلك ليس من صالحهم الإفراج عن الأرشيف". ويرى الدكتور محمد حارش "دائما في إطار المصادر والكتابة"- أنه حتى في مجال المذكرات التي في كل مرة تثير زوبعة لدينا، تعتبر الجزائر متأخرة جدا إذا ما قورنت بفرنسا، فهناك كم كبير- ومهم من الناحية النوعية أيضا في هذا المجال" ربما دافع الفرنسيين في الكتابة هو الشعور بالذنب، لذلك كتبوا لمحاولة تبريرما قاموا به في الجزائر"، مضيفا أن الجزائريين ربما يعتقدون أن كل ما قاموا به هو لاسترداد حقهم المشروع، وبذلك يجدون تبريرا يدفعهم إلى عدم العودة إلى تفاصيل ما قاموا به من أمور غير بطولية. كما شدد الدكتور حارش في هذا المجال على عدم تجاهل مسألة مهمة تتعلق ب "المستوى العلمي البسيط لأغلبية من ساهموا في الثورة الذي لا يؤهلهم للكتابة والتوثيق"، وبالتالي هذا الأمر أيضا أثر بشكل سلبي على مسألة كتابة التاريخ.