في لقاء جمع "الجزائر نيوز" مع فنان الشعبي القدير "عبد المجيد مسكود"، تحدث صاحب أغنية "يا الدزاير يا العاصمة" عن صدور ألبومين جديدين تحت عنوان "بليدة"، و«بلكور" مع شركة الإنتاج الموسيقية "بلدة". كما تطرق إلى موضوع الأغنية الشعبية وعلاقتها بالشباب. عدت بقوة جالبا ألبومين للساحة الفنية بعد غياب دام حوالي عشر سنوات، لماذا هذا الانقطاع؟ بعد إنتاج آخر ألبوماتي في 2002 تحت عنوان "الغدرة"، قررت التوقف لفترة معينة، لأنني وجدته القرار الحكيم الذي يجب اتخاذه. لم تساعدني الظروف من الناحية الثقافية، فقد كانت الساحة الثقافية تشهد جمودا وخمولا، لم يتواجد منتجون جيدون والكل يجري لاهثا وراء النقود على حساب الفن الحقيقي، لذا قررت التراجع وجس النبض لبعض الوقت. وبالمناسبة، لست الشخص الوحيد الذي فعل هذا، فالعديد من الفنانين قاموا بالمثل. حدثنا عن رحلة عمل الألبومين؟ ابتعدت عن الساحة الفنية في مدة تمتد من 2002 إلى 2013، فترة اعتكفت خلالها مركزا على عملي، كتبت وبحثت بهدوء وروية عن النصوص القديمة، ونتج عن هذا العمل الدؤوب ألبومان بدل الواحد. الأول يحمل عنوان "بليدة"، اخترت صورة "سيدي الكبير" غلافا له، والثاني بعنوان "بلكور" وغلافه عبارة عن صورة مقام "سيدي امحمد". وزعت سبعة مقاطع في كل ألبوم مثل "بلكور"، "سيدي امحمد"، "المنام" لياسين أوعابد ،«احباب احباب"، "ارجع لله وتوب"... و«سامحوني راني غلطان" التي أعتبرها درسا أخلاقيا يقدمه الفنان المرحوم "عمي محمد الباجي". ماهي الأغنية التي مست روحك في الألبومين؟ كوني أغني ماتراه العين ويحسه القلب، تأثرت كثيرا بأغنية "سامحوني راني غلطان"، يقول فيها المرحوم "محمد الباجي": "سامحوني راني غلطان وسباب الغلطة شي كيسان تلفولي جميع الطرقان". يروي فيها قصة ندمه عن معاقرة الخمر. حيث كان سكرانا ذات ليلة وطرق بالخطء باب جاره ظانا أنها داره، وعندما انتبه لغلطته بات الليلة في الخارج من خجله واستحيائه وامتنع عن الشرب مجددا. كونك ابن حي شعبي، ألم تفكر في إنشاء مدرسة تعلم فيها هذا الفن للأجيال الجديدة؟ قبل أن أكون فنانا أعتبر نفسي أبا وجدا للأجيال اليافعة، لي حق في هذا الجيل الجديد ويجب علي المشاركة في تربيته وإنشائه على الصراط المستقيم. فالشباب مثل الشجر الفتي يجب أن نرسم له الطريق لينمو بشكل مستقيم إلى الأعلى.. شخصيا أؤمن أن غياب الثقافة يدفع الشباب إلى الضياع، يجب أن نهتم بهم ونوفر لهم مساحات تسلية ذات فائدة مثل الموسيقى والرياضة لإبعادهم عن الشارع ومشاكله. أنا أسكن في منطقة "الرويبة" منذ سنة 1995 ومن ذلك الوقت وأنا أطالب ببناء مركز تكوين للفن والموسيقى، أو دار تسلية للشباب والإجابة الوحيدة التي أتلقاها هي "إن شاء الله". كيف ترى حالة "الشعبي" في المستقبل؟ هل سيجد مكانه في ظل الأنواع الموسيقية الجديدة؟ هذا الفن عمره قرون، ومازلنا نتوارث قصائده إلى اليوم... العديد من المقاطع كتبت شعرا منذ القدم مثل قصائد "سيدي لخضر بن خلوف" التي جهر بها منذ سنة 400. تطور مع مرور الوقت وبدأنا التغني بهذه الأشعار منذ أكثر من قرن مستخدمين الدف والقصبة، واليوم نستعين بالبيانو والموندول، وأتساءل عن الشكل الذي سيتخذه في المستقبل. صحيح أن الشعبي تراجع في فترة معينة بسبب ابتداع البعض لمقاطع ضعيفة محاولين بذلك تكسير الأصالة، ولكن الأصالة لا يمكن المساس بها فعروقها صحيحة قوية ومتجذرة في أعماق المجتمع الجزائري، وها هو "الشعبي" يعود للساحة الفنية الجزائرية، الشباب اليوم يستمعون لمقاطعه ويحفظونها، بل ويشاركون في احتفالاته مثل مهرجان الأغنية الشعبية الذي ضم أوركسترا متنوعة أفرادها شباب يافعون من مختلف ولايات الوطن وهذا يدل على انتشار هذا الفن بشكل "وطني" وليس "جهوي" كما يقول البعض. متى يخرج الألبومان للأسواق؟ أنا جاهز للانطلاق وسيخرج الألبومان في الأسواق الشهر الجاري، أنتظر فقط إشارة من شركة إنتاج بلدة التي أتعاون معها. حاورته: سارة. ع بروفيل رغم أنه في العقد السادس من عمره إلا أن "عبد المجيد مسكود" يتمتع ببنية جسدية قوية، روح شابة تفيض نشاطا وحيوية، ويتيميز بوجه بشوش مضياف تعلوه عينان بنيتان تلمعان بسعادة طفولية. رغم أنه كان يرتدي القشابية البنية لحماية نفسه من موجة البرد التي شهدتها العاصمة مؤخرا، إلا أن كل من يعرفه يذكره بلباس "التشانغاي" الأزرق وقفته التي يحملها معه أينما ذهب، ليمثل بهذه الهيئة صورة الرجل العاصمي الأصيل، هي صورة في طريق الاندثار بسبب التحولات التي شهدها المجتمع الجزائري في التسعينيات، وما نتج عنها من نزوح وامتزاج في الثقافات بين سكان ولايات الجزائر. شخصية مسكود تختلف عن الصورة التقليدية لمغني الشعبي المتزمت، حيث يتميز هذا الرجل بصخبه ونشاطه المفرط، بارع في فن الحديث ولا تنضب موارد مواضيعه الغنية والمتنوعة التي تجمع بين الرياضة، الأدب، الموسيقى، التاريخ... ليدهش سامعه باطلاعه الواسع على عديد المجالات الثقافية. ولد مغني الشعبي القدير في 31 مارس 1953، كمعظم الجزائريين أمضى طفولته في فيلق الكشافة ليلتحق بعدها بمقاعد الدراسة في فترة الابتدائية. أحب ترديد الأناشيد وعشق المسرح، مما جعله يمضي فترة مراهقته بين أحضان الفرقة المسرحية "محمد التوري" التي أسسها المرحوم "محمد الطاهر بن حملة"، ليتخذوا من الدور السفلي ل "دار الشعب" ملجأ لهم يتدربون فيه على مقاطعهم المسرحية. المسرح كان يمثل كل شيء لصاحب أغنية "الغدرة" إلى أن التحق بصفوف الجيش الوطني لتأدية واجبه في الخدمة العسكرية، في ثكنة مغلقة بصحراء بشار لم يجد الشباب طريقة لإمضاء وقتهم غير قيتارة قديمة تؤنس أوتارها الستة غربتهم. حيث كانت خير رفيق ل«مسكود عبد المجيد". حفظ نوتاتها وتعلم أسرار العزف عليها، ليكون فرقة في الجيش مع رفاقه ويتمتع الجميع بأمسيات احتفالية تغير من جو الملل والكآبة الذي خيم على أفراد الثكنة. لم يتخل الفنان عن حبه الفتي للموسيقى، فبعد انتهاء فترة الجيش كون فرقة مع بعض أبناء حيه وباشروا إحياء الحفلات والاعراس سنة 1974. إلا أنه اشتاق لخشبة المسرح مما دفعه إلى الالتحاق بالمرحوم "بوبقرة" ليقدم العديد من الأعمال المسرحية في مجال المحترف إلى غاية 1977. وهو العام الذي قرر فيه ولوج عالم الموسيقى وأخذه على محمل الجدية، حيث حمل آلة الموندول وشرع في البحث والتحري عن القصائد القديمة ليطلق العنان لمسيرته الفنية الموسيقية. كحال كل الفنانين، يعرف "عبد المجيد مسكود" بمزاجه المتقلب، أقرب الفنانين إلى قلبه هو "الحاج محمد العنقى"، حيث يعتبره الأب الروحي ومعجزة "الشعبي" الإعجازية التي لن تتكرر مرة أخرى. يحب مطالعة الكتب باللغة الفرنسية ويفضل فيها النوعين الأدبي والعلمي، يحب الرياضة بأنواعها إلا أنه يعشق كرة القدم ككل الجزائريين. وكونه "ابن البحر" يحب الذهاب في رحلات للصيد منذ صغره وقد مرر هذه العادة إلى ابنه البكر الذي أصبح يحيي هذه العادة بعد كبر والده. ويفتخر الأب بأبنائه الأربعة خاصة الثالث والرابع اللذين انتقل حب الموسيقى إليهما فأحدهما يعزف على القيتارة والآخر مغني راب.