يكتم عبد المجيد مسكود، مطرب أغنية الشعبي، في قلبه الكثير من القلق تجاه الوضع العام في البلاد، لكنه يتحفظ عن قول الكثير ماعدا التأكيد على أنه فنان يزعج جهات بعينها لأنه يرفع شعار ''التغيير هو الحل''. يبدو أننا سننتظر وقتا إضافيا لنرى إنتاجك الجديد، ما السبب؟ ببساطة أنا لم أعثر بعد على المنتج المناسب الذي يمكنه أن يتكفل بالعمل الفني الذي أشتغل عليه منذ فترة، لقد دونت مجموعة من ثماني أغنيات كتبت بعضها مثل ''كيفاش كنا كيفاش ولينا''، وأخرى إعادة لأبرز النصوص الشعبية، منها ''بلكور'' لحسن دريس وقصيد شعبي تراثي لمصطفى درويش عن ''سيدي محمد بوقبرين''، كما تعاملت هذه المرة مع ياسين أوعابد. لحد الساعة أحتفظ لنفسي بهذا الجهد، لأنني لا أريد أن أهدره مع أي منتج لا يقدر التزامي الفني ولا قدراتي الإبداعية. هل صحيح أن أغنية الشعبي ليست مربحة؟ بتاتا... لا تدرّ الأرباح السريعة التي يبحث عنها المنتجون اليوم. المطرب الشعبي الحقيقي يدخل الأستوديو بجوق كامل وآلات بعينها لفترة من الزمن وعلى حسابه الخاص، إنه عبء ثقيل يتطلب من يتحمله.. من جهة أخرى المنتج (التاجر)، يشجع الأصوات الهزيلة التي تحدث ''التقربيع'' في الفضاء، وتوهم الناس بأنها ناجحة، لكنها في الواقع فارغة وخاوية.. المنتج يحب الشاب فلان وعلان الذي يحدث به ''خبطات'' غنائية سريعة الزوال، لكنها متعددة ومتكاثرة تضمن استمرارية الفوز بمزيد من الأموال. نحن اليوم أمام وضع مخيف، يستلزم منا التجنيد جميعا لإصلاح ما يمكن وإعادة الأمور إلى نصابها، لا يجب أن نستمر في الصمت أمام هذا الأذى لذوق الجماهير. أين ذهبت شركات الإنتاج الملتزمة مع الشعبي؟ سابقا كنت أشتغل مع ''لاتروا أ. في''، قبل أن تتحول إلى ميدان السمعي البصري، كنا أيضا نشتغل مع شركة ''دنيا'' و''بوزيان''. بصراحة لست مستعجلا على إصدار الألبوم.. لكن ما أستطيع فعله هو إزعاج المعنيين بالأمر بطريقتي، حتى يصلحوا أحوالنا ويضعوا حدا للاستهتار الواقع. قد يكلفك المزيد من التهميش؟ أنا واثق من قيمتي ولا أطرق الأبواب ولا أنحني أمام أي أحد، وأفضل أن أبقى على الهامش على أن أتورط في سلوكيات تجعلني أسير جهة معينة. عليك أن تعلمي أنني ضحية أشخاص هم على رأس مؤسسات ثقافية وفنية، أزعجهم لأنني أطالب بتنظيف الساحة من أمثالهم. هل يضمن الشعبي ''خبزة'' اليوم؟ نعم يضمنها بقدرة قادر، هذا خياري والتزامي ولا يحق لي التنكر لحبي.. إذا تقصدين هل أنا غني، فأجيبك نعم، أنا غني الرأس. أما الجيب، فكما يقول المثل عندنا ''يوم حلو ويوم زقوم''. نعود إلى ألبومك المنتظر، يبدو أن حنين الماضي يلازمك؟ لا يجب أن نفقد نزعة الحنين إلى الماضي وإلا فقدنا كل اتصال مع ثقافتنا وتحديدا الآن. أنا أتحدث في قصائدي عن الزمن الجميل، عن الأحياء والمناسبات وعن الأشياء المعنوية التي إن ذهبت ضللنا الطريق إلى الأبد. هل مازالت العاصمة مركزا لأغنية الشعبي، علما أن طاقات شابة جديدة تكتشف حاليا عبر الولايات؟ لا جدال في ذلك، العاصمة تظل الأصل والمنبع وكل ما يأتي بعدها هو إثراء للساحة. لا يجب أن نقصي أحدا، لأن الشعبي تراث وطني وليس ملكا جهة على حساب أخرى، فقط المرجعيات تبقى عاصمية ولا يمكن إنكارها. قد نراك مجددا ممثلا في أحد الأعمال؟ أتمنى أن أصعد مجدّدا على خشبة المسرح، وأعيش مجددا نكهة تلك اللحظات التي مر زمن عليها، فأنا بالأساس ممثل مسرحي محترف، اشتغلت طويلا مع فرقة المسرح الشعبي بقيادة المرحوم حسن الحسني، عمر أوحدة، الطيّب أبوالحسان، مصطفى العنقى، جمال بوناب، كان ذلك في الستينيات. مثلت حينذاك في مسرحية ''تي قول ولا تي قول با''، ''جحمومة''، ''بلقاسم البرجوازي'' وغيرها. كنا سنستمر في العطاء، لولا إبعاد عمي حسان رحمه الله عن الفرقة بتعيينه نائبا في الحراش. تقصد أن الإبعاد كان مقصودا؟ نعم في تلك الفترة حدث إبعاد متتالٍ ومقصود في رأيي، بعد حسان الحسنى، تقرّر تعيين مصطفى كاتب مديرا على المسرح الوطني وإغراقه في الأوراق الإدارية بدل الإبداع، عبد الرحمن كاكي من مستغانم نقل إلى وهران، كاتب ياسين أبعد هو الآخر إلى مسرح سيدي بلعباس وسليمان بن عيسى إلى عنابة، حتى الجامعة المركزية غيّر مكانها إلى بني مسوس.. كانت هذه خطة بومدين لإفراغ العاصمة من عقولها، لقد أضعفوا النواة. أنت فعلا ناقم على الوضع كله؟ كل يوم نصحو على كارثة إضافية، بالأمس القريب فقط أوهمنا بأننا نملك فريقا قويا لكرة القدم، فأدخلوا إلى بيوتنا مغني الكباريهات ونحن نصفق لهم باسم ''فيفا لالجيري''، ولا نستطيع أن نفعل شيئا.. لقد أكد لي أحد المسؤولين أن الانتعاش الذي أحس به بعض الفنانين خلال رمضان الماضي، انحصر في استفادتهم من الأموال التي كانت تذهب عادة إلى المصريين في الحفلات والمهرجانات.