شكلت التهم التي وجهها الضابط السابق وصاحب الصحيفة "جريدتي" هشام عبود للشقيق الأصغر للرئيس، السعيد بوتفليقة، وخروج هذا الأخير عن صمته لأول مرة وذلك بعد سنوات، منحى آخر خطيرا اتخذه الصراع ما بين مجموعتي أنصار العهدة الرابعة وخصومهم، فهل يدل مثل هذا الوضع الذي يتسم بالإنسداد والضبابية على دخول الجزائر في مرحلة مفتوحة على كل السيناريوهات غير البعيدة عن الخيار الأسوأ؟!. لقد أظهرت هذه الأزمة التي بدأت تكشف عن طبيعتها وملامحها بشكل متشنج ومضطرد عدة دلائل ومؤشرات، وهو أولا غياب استراتيجية واضحة الملامح بإمكانها أن توفر أرضية صلبة مثل ما حدث في السابق لتوافق حول وجهة رئاسيات 17 أفريل، ثانيا عن ضعف وتفكك لافتين للطبقة السياسية التي اتجهت نحو منطق الصراع ضد الأشخاص، بدل الصراع على الأفكار والمشاريع وبدا ذلك جليا منذ القصف الثقيل الذي وجهه الرجل الأول في الأفلان ضد مسؤول جهاز الإستعلامات الجنرال توفيق، بحيث دلت ردود الأفعال في الساحة السياسية على مدى خطورة الإنقسامية التي أصبحت الطبقة السياسية تتصف بها، وفي الوقت ذاته مدى تراجع الإرادة السياسية الهادئة والواعية أمام هذا الإنحدار عن النزاع الجامح الذي أصبح وسيلة من وسائل تسريع انهيار الإستقرار الذي دفع الجزائريون الثمن باهظا ليتحقق خلال السنوات الفائتة، ثالثا أن اللعبة السياسية أضحت أشد غموضا وإبهاما من حيث التوجه وهذا ما سيفتح الباب على مصراعيه لاستراتيجية التعفن التي قد تساهم فيها القوى التي يخدمها اللااستقرار وبروز بؤر متعددة للصراع، وكل الإشارات المرتبطة بتوجهات الوضع الإقليمي تدفع نحو هذا الإتجاه الذي يصفه مراقبون بالمخيف والخطير.. وبرغم أن الإتهامات التي وجهها هشام عبود من خلال الرسالة التي بعث بها السعيد بوتفليقة واعتبرها هذا الأخير أنها لا تمس شخصه فقط، بل هي مسيئة للشعب الجزائري، ولذا أشار السعيد بوتفليقة للموقع الإلكتروني "كل شيء عن الجزائر" أنه بقبوله نشرها، وعزمه على التوجه إلى القضاء، يريد أن يشهد على اتهامات هشام عبود الرأي العام الوطني. ويرى أحد المراقبين الذي رفض الإعلان عن اسمه في اتصالنا به، أن "التهم التي وجهها هشام عبود إلى الشقيق الأصغر للرئيس، هي تذكرنا بأجواء الحملة التي تعرض لها الجنرال الأسبق محمد بتشين، وهي في كل حال، تكشف عن الوضع السيء الذي آلت إليه الممارسة في الجزائر، كما أنها تعتمد على أقوال لا تنم أن هشام عبود يمتلك دلائل قاطعة "وهي في نفس الوقت بحسب محدثنا" تجعل من عقلية الصراع الشخصي والإنتقام تطغى على صاحبها، بدل إثارة القضايا الرئيسية ذات الطابع الخلافي والسجالي". كما أنه يرى "أن الإنجراف نحو مستوى متدن وغير مسؤول مثل هذا، قد يساهم في تقويض حالة الإستقرار الهشة التي نعرفها، وذلك من خلال فتح الصناديق الملعونة للفتن التي قد يصعب علينا إذا ما تطورت الأمور على هذه الشاكلة السيطرة عليها والتحكم فيها". ويعتقد البعض الآخر، أن هذا الرد العنيف من طرف هشام عبود من غير المستبعد أن يندرج في نفس الخطة التي انخرط فيها عمار سعيداني لما استهدف مباشرة رأس الدياراس الجنرال توفيق، بحيث جاءت الضربة هذه المرة من رجل، يحسب، على الأقل في الأوساط الخاصة أنه مقرب من الجنرال توفيق، ويقال إن هذا الأخير من أعطى الضوء الأخضر لاستعادته من جديد بعد أن كان في التسعينيات يعد من العسكريين المنشقين المناوئ للعسكر والسلطة في الجزائر.. ويقول هؤلاء إن الإستعلامات قد نفذت مع هشام عبود صفقة، خاصة بعد إدلائه بشهاداته عن المشتبه فيه حسني، باغتيال المحامي مسلي، وتم منحه مقابل ذلك مساعدة لإنشاء جريدتين وتسهيلات كانت ضمن شروط الصفقة التي كانت بين الدياراس وهشام عبود.. ويضيف هؤلاء المعلقون حتى "وإن أصر هشام عبود، أن الكتاب الذي ينوي نشره عن آل بوتفليقة، هو بمحض إرادته بأن توقيت مسألة الكتاب يرتبط أساسا بالقصة المناوئة، ربما ليس للرئيس لكن الأكيد مناوئة لمحيط الرئيس الذي أصبح في نظرها يسعى للإستيلاء على الحكم، والتخلص من رجال توفيق وتوفيق نفسه". منذ أن تولى عمار سعيداني مقاليد الأمور في الأفالان وانتقاله إلى إدارة معركته ضد الاستعلامات التي بدأت تدريجيا منذ أن عاد من فرنسا، بحيث مكث هناك حوالي 24 يوما عندما أدلى بتصريح لوكالة رويترز انتقد فيه الإستعلامات ودعا إلى العودة للدولة المدنية، البعيدة عن تدخلات الإستعلامات وهيمنتهم ليصل إلى الذروة عندما حمّل الاستعلامات ورجلها العتيد الجنرال توفيق الميال للصمت وعدم الظهور مسؤوليات عدة إخفاقات، منها عملية تغنتورين وقضية رهبان تبحيرين بشكل خاص. وراح المعلقون والمفسرون يضعون مثل هذه التصريحات غير المسبوقة على لسان أول مسؤول على حزب الأغلبية ضمن خانة تصب في معركة الحرب بالوكالة يختفي وراءها المقربون من الرئيس بوتفليقة". وبرغم طغيان مثل هذه التفسيرات والتأويلات، بدا محيط الرئيس بعد تلك التصريحات المدوية مرتبكا، بحيث راح البعض يحاول شد العصا من الوسط مثل الوزيرين عمارة بن يونس وعمار غول، وظل شقيق الرئيس الأصغر متذثرا بصمته وهو يراقب تلك الأصوات الموالية لتوفيق تشير إليه بالبنان، إلا أنه هذه المرة، اضطر للخروج عن صمته وهو يعلق على رسالة هشام عبود، وهذا ما يجعل البعض يرى أن الحرب التي طالما جرت أحداثها في الظل، وشد خيوطها في الكواليس ومن وراء الستائر تكون قد انتقلت إلى مرحلة أخرى وهي مرحلة تتصف بالحيرة لأنها كفت أن تكون بالوكالة، لأن تكون شبه مباشرة.. ويذهب نفس المفسرون، أن توفيق عندما تعرض لتلك الهجومات المباشرة من قبل عمار سعيداني تمكن من جلب التعاطف إلى درجة أن يقول أحد الملاحظين، إن سعيداني مكنه بطريقته تلك على "كسب عذرية جديدة"، فهل إقدام سعيد بوتفليقة عندما أذن بنشر الرسالة في موقع "كل شيء عن الجزائر" وقال إنه لا يرى في نشرها مانعا، لأن نشرها في حد ذاته قد يدين هشام عبود، هو ذات التكتيك الذي انتهجه توفيق؟! أما أن ذلك يمهد في قادم الأيام القريبة إلى سيناريو جديد قد يكون حاسما لمصير رئاسيات 17 أفريل ووجهتها؟. يعبّر المتشائمون عن قلقهم العميق وعن نظرتهم غير المرتاحة لما ستؤول إليه الأوضاع ونحن على أبواب الرئاسيات. ويعتقد المتشائمون أن في ظل هذه الظروف غير المستقرة يستحيل إجراء الإنتخابات الرئاسية دون الإنزلاق إلى أمور خطيرة، فالأطراف المنخرطة في الصراع تبدو غير قادرة على تجاوز هذه المعضلة الناشئة عن طول تردد الرئيس بوتفليقة تجاه مشاركته من عدمها في الرئاسيات القادمة، وذلك عن تموقع الطبقة السياسية على الهامش دون القدرة على التأثير في توجه الأحداث، بالإضافة إلى جو اللامبالاة الذي طغى على فترة ما قبل انطلاق الرئاسيات على مستوى النقاش في الفضاء العام.. ويرى هؤلاء المتشائمون أن الصراع بين الجناحين بات عقيما ومثيرا للقلاقل والمغامرات. وعلى هذا الأساس يتصور المتشائمون أنه لم يبق من حل يساعد على إنقاذ الجزائر من السيناريو الكارثي المرتقب، إلا قيام المؤسسة العسكرية بعملية إنقاذ من شأنها أن تضع حدا لمثل هذا التدهور والتراشقات الخطيرة المهددة لإستقرار ووحدة التراب الوطني وتمهد الطريق لوضع أقل توتر بإمكان أن يعيد الأمور إلى نصابها ويساعد على التحضير جديا لمرحلة انتقالية..