كانت تصريحات رجل الأفلان الأول عمار سعيداني التي أدلى بها في حوار مع الجريدة الإلكترونية "كل شيء عن الجزائر"، قنبلة حقيقية شدّت انتباه المراقبين والفاعلين السياسيين، واعتبرت عند البعض ممن اتصلنا بهم للتعليق على مثل هذه التصريحات التي كانت دون قفاز، أنها تعبر عن مؤشر خطير يوحي بانقسامات عميقة على مستوى القمة بين الجناح الموالي للاستعلامات والجناح الموالي للفريق المقرّب من الرئيس بوتفليقة والمدعم لعهدة رابعة.. منذ أن جاء عمار سعيداني على رأس الأفلان، ابتكرت لغة جديدة لم يألفها المراقبون في الحديث عن الصراعات السياسية الخفية على مستوى القمة، لكن وبشكل خاص عن جهاز "الدياراس" العتيد الذي قلّما تم تناوله وتناول شخصه القوي الجنرال مدين المدعو توفيق بهذه الشدة والمباشرة.. واتخذت مثل هذه اللغة المبتكرة عدة محطات، بدأت بالايحاء، وزرع الغموض، والتناول المباشر للمحيط القوي الذي كان يعتمد عليها "باترون الدياراس"، بحيث بدأت العملية بانتقاد مسؤول الإعلام الكولونيل فوزي ليمتد ذلك إلى الجنرالات مهنا وحسان وشفيق الذين أحيلوا على التقاعد لتنتهي العملية باستهداف رأس الدياراس الجنرال توفيق، بحيث حمّله عمار سعيداني مسؤولية الفشل مباشرة، وذلك منذ اغتيال الرئيس بوضياف وعبد الحق بن حمودة ومحاولة اغتيال الرئيس بوتفليقة في باتنة وعملية تغنتورين وقبلها قضية مصرع رهبان تيبحيرين التي أسالت الكثير من المداد وأثارت الكثير من السجالات في الميديا الفرنسية وما تزال... وبالرغم أن عددا من المراقبين أكدوا في تحليلاتهم أن الخلاف لم يكن بين "الدياراس" وبوتفليقة حول مسألة العهدة الرابعة، إلا أن الصراعات التي اندلعت منذ شهور باتت تؤكد أن الخلاف عميق وينذر بمواجهات غير مسبوقة ونحن على أبواب موعد تاريخي في 17 أفريل، حول من يكون مرشح الحكم لقيادة البلاد.. وظهر ذلك جليا حول تأجيل موعد تعديل الدستور وإعلان مرشح النظام للرئاسيات القادمة.. ويؤكد مراقبون أن عمار سعيداني الذي اتهم "الدياراس" بزعزعة الأفلان عن طريق بلعياط والتدخل السافر في المؤسسات المدنية، من غير الممكن أن ينطق فقط باسم الأفلان أو باسمه الخاص، بل هو يقوم بمهمة من قبل القوى المقربة من الرئاسة ويقود حربا تكتيكية ومتسارعة الخطى بالوكالة عنها خاصة وأن هذه القوى تمكنت من الإطاحة بأسطورة الدياراس وقوته على صعيد الميديا. كما لا يستبعد هؤلاء المراقبون، أن المعركة الشرسة ضد الدياراس تنخرط في لعبة تتجاوز الحدود الداخلية لتندرج في حالة الإنسداد وغياب التوافق ضمن خطة الموجة الثانية من الربيع، ويركز هؤلاء أن الأمر لن يكون بالسهل وقد يتجاوز الفاعلين المنخرطين في لعبة الصراع الجاري.. ويضيف هؤلاء أن الفترة الأخيرة تعد مختلفة جذريا عن الفترة التي عرفتها نزاعات رئاسيات 2004، لأن المؤسسة العسكرية لم تعد تعرف ذلك الإصطفاف الموحد ولم تعد متفقة حول أسلوب وخيار واحد، وهذا ما سيجعل الوضع أكثر تعقيدا وحاملا لمخاطر يصعب تصور تطوراتها ومسار اتجاهاتها، إلا أن فريقا آخر يصف ما يجري على الساحة السياسية من صراعات تسير بالوكالة تنطوي على غموض شديد فيما يتعلق بطبيعة ميزان القوة الذي لم يفصح عن نفسه إلى الساعة، خاصة وأن التوافق بين القوى المتصارعة أصبح يتسم بالهشاشة، وهذا ما يخفي عن إمكانية بروز قوة ثالثة لم تكشف عن هويتها، وهي في انتظار أن يخرج المتصارعون أوراقهم الحقيقية تحت ضغط اقتراب موعد الإنتخابات وتوجهات القوى في ظل الحملة الإنتخابية القادمة، ولا يستبعد هؤلاء أنه إذا ما وصل الوضع إلى حالة انسداد حقيقية وظهر أنه لا يمكن أن يكون في الآجال القريبة غالبا أو مغلوبا، أن يؤجل موعد الإنتخابات لصالح مرشح يكون باعتبار المرشح المفاجأة. ويدعي أصحاب هذا الاتجاه أن تصريحات سعيداني الأخيرة يمكن أن تكون ورقة أخيرة لإخراج الجنرال توفيق من صمته وسكونه للتعرف على إمكانية قوته وعلى أوراقه الحقيقية، وهي في نهاية المطاف تندرج في لعبة حرق الأعصاب بين المعسكرين المتنازعين.. وبرغم أن الصراع الذي تراوحت لعبته بين المد والجزر، وبين ارتفاع حدة الحرارة وهبوطها، ظل يدور على مستوى الميديا وفي أوساط ضيقة دون أن يتمكن من النزول إلى الشارع، وهذا في حد ذاته يعتبر ايجابيا بالنسبة للإستقرار، إلا أن استمرار ذلك بوسعه أن يفتح الباب على مصراعيه أمام انحرافات معقدة يكون من الصعب التحكم فيها خاصة وأن بؤر التوتر المنتشرة في جنوب البلاد وشمالها مهيأة للتوسع والإنفجار بشكل معقد. كما أن المحيط الجهوي المناوئ قد يساعد على جرّ الجزائر إلى مغامرة تكون وبالا على مستقبلها الأخير وبالتالي يصبح الاستثناء الجزائري في المنطقة المغاربية والعربية معرّضا للإنهيار.. ومن هنا، يشدّد دعاة الحل الثالث في رهانهم على يقظة ووعي المجتمع الجزائري، مشبهين هذه الحالة بحالة أزمة صيف 1962، بحيث خرج الشعب الجزائري مدوّيا بصوته في وجه المتنازعين على الحكم "7 سنوات بركات". فهل ستنتصر الحكمة ويتحقق الانتقال السلس إلى مرحلة جديدة أكثر استقرارا ووضوحا لجزائر باتت تعيش مخاضا أليما وعسيرا وغير مسبوق؟!.