يتهم الشاعر التونسي جمال الصليعي، الأحزاب الناشطة في بلده، بأنها "لا تنتمي إلى الوطن" وأنها تسعى إلى تفكيك الشعب وفصله عن أرضه الأم. الصليعي يؤكد أن الثورة أساء إليها الساسة، وعن شعرهه يقول إنه أقرب إلى "الحلمنتيشي". يربط جمال الصليعي مواقفه من الأحداث المتتالية في تونس، بصفته كشاعر ليس إلا، حتى لا يقع في فخ الإجابات التي تفهم عنه أنها موقف ذي خلفية سياسية: "أعتقد أن الشاعر هو مسجل، وشاهد وهو إصبع الإتهام لكل ما يمس بالبلد"، لهذا فهو يتعامل مع الناشطين حاليا في مجال السياسة من باب الحذر، خاصة وأنهم يدعون إلى "الإنتماء إلى أوطان صغيرة"، على حد قول ضيف الديوان الوطني للثقافة والإعلام: "في تونس هناك ما يربو عن 160 حزبا سياسيا تصوروا، والكل يريدنا أن نكون جزء من إحدى تلك التشكيلات، أن تصبح أحزابهم أوطانا صغيرة ننتمي إليها.. للأسف الكل يريد أن يرث تركة زين العابدين بن علي"، ويردف في الفكرة ذاتها: "لا أحد منهم ينتمي إلى هذا الوطن"، وهي القناعة التي انفعل لها وترجمها في قصيدة "ها أنا وحدي" التي قرأها على حضور "موعد الكلمة"، ظهيرة الثلاثاء الماضي بقاعة الأطلس باب الوادي، يقول فيها: وها أنا وحدي أنا لست أعرف مَنْ هؤلاء، فصيلٌ مِنَ الخَلْق أهْدى إلى القَهْقَرَى من قطاةْ وأَعْلَقُ بالفشل المُرِّ من طالبٍ للنّجاة فمَنْ هؤُلاء ؟ ومِنْ أين جاؤوا ؟ فليْسوا بغُرْبٍ وليسوا من الشّعب ... يبدو، فمِن أيِّ أرض وأيِّ سماءْ، تغيّرتِ الحال غيْرَ التي .... وزلزلت الأرض زلزالها، فكانت دماء.... ليزيد من وصفه لهم فيقول: تركنا لكم... أملا، أنّكم مرّةً صادقون فكنتم تفاصيل كلّ الخراب ذئابا علينا وفيكم ذئاب غرابا يصفّق خلف غراب فضاعت عصافير أحلامنا وضاعت بلاد وضاعت حقوق العباد وضاعت دماء الشبّاب... معلنا بذلك شعوره بالغربة حيال ما حدث لتونس بعد ثورتها الفتية، وتعد هذه القصيدة النص الوحيد الذي كتبه الصليعي بعد مرور 3 سنوات على نهضة الشعب التونسي ضد حكم بن علي، وصفها بأنها قصيدة "إنفعالية"، تعكس واقع الحال في بلده. يدافع الصليعي على شعبه بالقول: "لا يوجد شعب متجانس فيما بينه مثل الشعب التونسي، لا نعاني من الطائفية ولا غيرها من المشاكل، ولا مشكل لنا مع الأمم الأخرى"، متهما في السياق ذاته الساسة ب«الإساءة" إلى الثورة، ويضيف: "ما يشغل التونسيون هي الحياة في شكلها المتطور"، ويشير إلى الحاجات الإجتماعية الملحة لغالبية السكان: "ثلثا الشعب عاطل عن العمل"، فئة الشباب التي تنتظر حلولا ملموسة تريح تفكيرهم في المستقبل الغامض، وعن شعره وسط موج التغيير، أفصح المتحدث أن المبدع اليوم بعدما كان تحت سلطة سياسية، إنتقل إلى سلطة الدينية وهو الآن "في مرحلة الرقابة من أجل الرقابة، الكل يريد أن يشعرك أنه يراقبك". أربعون سنة من العطاء الشعري، إعتمد خلالها الصليعي على الشفوية لينسج خيوطه الساحرة تشد معجبيه، بينما لا يملك سوى كتابين أصدرا له دون علمه "وادي النمل" (1998) و"أنباء القرى" ويشرح سبب عزوفه عن النشر بالقول: "لم أهتم بالنشر لأني اعيش في الصحراء التونسية بعيدا عن المركز، وحيث السلطة لم تكن تلتفت بتاتا إلى اهل الجنوب". مشافهة أوصلته إلى مجمل الدول العربية ما عدا السودان وفلسطين. يدافع الصليعي على وحدة إبداعه كما وكيفا، فيجيب سائليه بالقول: "في مسيرتي لم أتغير لا في الكم ولا المضمون، أكتب نفس الشيء نفس القدر منذ 40 عاما"، ويفسر ذلك بأنه يملك "بعض الثوابت" غير القابلة للتغير، أساسها وحدة الأمة. أبدى إبن صحراء دوز في معرض حواره من منبر "موعد مع الكلمة"، تمسكه بالبعد العروبي والقومي لتونس، وانتقد بالمناسبة النخبة الفرنكفونية في بلده: "هم أناس منتسبون إلى غيرنا، أدبا وثقافة ولغة، نحن نريد مثقفونا منتمون إلى هذا التراب والأرض"، تصريح جاء على خلفية تعيين وزير ثقافة تونسي، عقب سقوط نظام بن علي، لا يتقن إلا الفرنسية ... وفي نظري هذا غير مقبول تماما"، علما أن الصليعي إنتقد الفرنكفونيين التونسين في قصيدة ساخرة.