لم تكن الوجوه عادية مساء يوم الأربعاء، في معهد العالم العربي، حينما انتهى عرض فيلم "سوريا ... يوميات الزمن الحاضر" بمناسبة الذكرى الثالثة لانطلاق الثورة السورية، التي أعطت للربيع العربي مفهوما غير مسبوق للشهادة والصمود من أجل الحرية لاغير. الفيلم المؤثر الذي أخرجه فريق أبو نضارة السينمائي والمجهول الهوية، لم يرسم على وجوه الحاضرين السوريين والعرب والفرنسيين خرائط أحدث أنواع الحزن والأسى الجماعيين فحسب، بل كشف أيضا عن آفاق آمال الغد الممكن والأفضل الخارج من رحم عذاب وآلام شعب مستمر في صنع إحدى أروع ملاحم التضحية والمقاومة، وسط اللهيب النازل من السماء والآخر الصاعد من الأرض، ولعل صورة الطفلة التي أخرجت حية مؤخرا من تحت ركام نظام الأسد واختيارها كخاتمة للفيلم تبقى العنوان السرمدي لوحشية سلطة تقتل شعبها باسم الرد على مؤامرة أجنبية ومحاربة الإرهاب. الفيلم الذي يعد إنتاجا سوريا فرنسيا، لم يكن مشروعا متفقا عليه مبدئيا مع قناة "أرتيه" الثقافية الفرنسية الألمانية، التي عرضته مساء أمس مع فيلم آخر عن معارك حمص، وبحسب ممثل الفريق السينمائي السوري الذي تحدث ل«الجزائر نيوز" : "فإن فكرة إخراج الفيلم التسجيلي الذي دام 52 دقيقة، قد برزت قبل أربعة أشهر فقط، ويمثل محصلة تصوير أسبوعي سري متقطع لكافة يوميات الثورة السورية انطلاقا من ربيع عام 2011". ويتمثل هدف الفيلم الذي تشكل من أشرطة صغيرة كثيرة صورها مواطنون ومحققون مناهضون للنظام السوري بحسب المسؤول الناطق باسم الفريق السينمائي في التأريخ لبطولة شعب فوق كل الشخصيات والتيارات والأحزاب التي تتحدث باسمه، وهو تجسيد غير مسبوق لروح شعب يعد البطل الوحيد والأول والأخير، وترمز هوية الفريق الفني المجهول والمكون من رفقاء الظل على حد تعبيره، إلى التواضع المفروض على الجميع ودون استثناء مهما عظمت أدوار الأفراد . كما كان متوقعا، إنطلق الفيلم من الروح الثورية السلمية التي واجهها النظام السوري بالقتل وليس بالحوار، ممهدا لمستقبل مواجهة عسكرية فرضت على الشعب وأدت إلى انقسام قُدِمَ في الفيلم بالشكل الذي لا يحمل النظام وحده مسؤولية المأساة بشكل غير مباشر، وما احتواء الفيلم على شهادات مواطنين تحدثوا على تقاعس الجيش الحر في حمايتهم وعلى دكتاتورية إسلاميين بدأت تمارس على مواطنين في مدن سيطروا عليها، إلا رسالة واضحة يوظفها مثقفون يخدمون آل الأسد منذ وقت طويل. الأشرطة التي قطعت أفئدة الجمهور الحاضر وشاهدها الملايين على الإنترنت، لم يكن بمقدورها وحدها إحداث الأثر المرجو لقدمها النسبي، لولا توليفة ربطها بشهادات رجال ونساء وأطفال شهدوا على همجية نظام لم يكن بدوره قادرا على ارتكاب جرائم وحشية يوميا لولا جاهزيته الأمنية والقمعية التقليدية الخارجة من رحم تقتيل تاريخي لصيق بطبيعته الدموية على حد تعبير أحد المستجوبين، وكما جاء على لسان طفل تحدث في مخيم للاجئين، فإن الوحشية بلغت درجة تطاير أعضاء الضحايا التي أضحت لقما صائغة للكلاب التائهة. دمشق الشاعرية والوديعة، التي صورت ليلا من جبل قسيون على إيقاع الآذان المسالم وحلب والرقة ودرعا وحمص ومناطق أخرى، تمكن فريق الفيلم من التصوير فيها، كانت كلها شاهدة على جهنمية نظام يقصف عشوائيا بدعوى ملاحقة الإرهابيين ويحرم المدنيين الأبرياء العزل من الرغيف ويفرض جنازات جماعية على مدار الساعات والآيام ويقصف المنازل ودور العبادة ولا يفرق بين صبي وإمرأة وشيخ لا ناقة لهم ولاجمل في الحرب التي يقودها ضد مسلحين فرضت عليهم مقاومة المعتدي، بعد أن قتلوا في مظاهرات سلمية، كما بين ذلك الفيلم في وضح النهاروفي جنح الظلام. الفيلم الذي صور شتى أشكال بشاعة ودموية النظام ومدى الخراب الذي لحق بمدن كاملة، لم يصور نظام بشار المستمر في حرق البلد فحسب، وقابل وحشيته برمزية فنية عكستها صور المقاومة بالشعارات النضالية المكتوبة بالشموع التي تنير الليل، الأمر الذي أعطى للفيلم لمسات إيحائية وشاعرية لافتة وشفافة، ضمنت الإحساس بمستقبل لا يمكن أن يكون إلا في صالح شعب أعزل ذاق أحدث وأبشع طرق الإبادة التي قل نظيرها في التاريخ، كما شهد على ذلك مواطنون فقدوا القدرة على الكلام وعلى البكاء لكنهم لم يفقدوا الإبتسامة تحت القصف، تعبيرا على استهزاء من نظام فقد عقله. الفيلم الذي صفق له الكثير من الحاضرين، بعد مشاهدة حوّلت قاعة العرض إلى مقبرة من فرط الصمت الرهيب الذي خيم طيلة العرض لم ينل إعجاب البعض الآخر، ومن بينهم المعارض نجاتي طيارة، الذي ساعد نا في التعرف على بعض المستجوبين قبل تدخله بالقول لممثل الفريق السينمائي الذي أخرج الفيلم: "الفيلم جمع لأشرطة معروفة بشكل ميكانيكي ولم يكن تناولا جديدا يرقى إلى مستوى الثورة السورية". يجدر الذكر، أن طيارة حقوقي معروف ومعارض من حمص، وذاق ويلات السجن وقال ل«الجزائر نيوز" قبل أن يعدها بحوار مطول، أنه متشائم بالمستقبل.