راحت السيارة المصفحة التي كان يركب على متنها الجنرال توفيق تشق طريقها من سيدي فرج إلى إقامة الدياراس بغابة باينام التي كان يقيم فيها الرئيس الجزائري الأسبق الجنرال ليامين زروال منذ حوالي أسبوع.. وكانت سيارة الجنرال توفيق المصفحة مرافقة بحرسه الشخصي.. وكان الجنرال توفيق غارقا في صمته لكن بأعماقه كانت تموج عدة أفكار وخواطر متصارعة، إلا أنه كان كعادته حريصا على إخفائها وإظهار علامات الهدوء والراحة على ملامحه.. وعندما وصل كان رجله الوفي الكولونيل منصور في انتظاره ليقوده إلى الصالون الفسيح حيث كان يجلس الجنرال ليامين زروال متابعا على إحدى القنوات الخاصة حصة مليئة بالصخب والزعاق بين موال للعهدة الرابعة لبوتفليقة ومعارض للعهدة الرابعة والنظام.. تبادل التحية بالأحضان، ثم اختارا أن يجلسا في زاوية نائية عن الصالون مطلة على حديقة مشهد أخضر وأشجار باسقة... كان القلق باديا على وجه الجنرال زروال الذي تمكن من ملامحه الزمن وأشار إلى الجنرال توفيق إلى التلفزيون، فقال هذا الأخير "...شيء جميل أن تمر مثل هذه المناظرات على قنوات حديثة النشأة.." فقال الجنرال زروال "تمنيت لو يكون هذا على قناة التلفزيون الرسمية.." فقال الجنرال توفيق "كان ذلك محبذا، لكن للأسف، لم يتمكن التلفزيون الرسمي من تحقيق أي صدقية بل ازداد جمودا وانغلاقا ورداءة.." فقال الجنرال زروال "للأسف ... كانت الفرصة مواتية ليكون لدينا تلفزيونا ومصداقية.." فقال الجنرال توفيق "طبعا، أضعنا الفرصة لتطوير حرية التعبير وتربية الحس المدني عند الجمهور العريض.. وربما نحن أيضا نتحمل المسؤولية.." فقال الجنرال زروال "قيل لي أن شقيق الرئيس الأصغر أصبحت سيطرته كاملة على التلفزيون.." فقال الجنرال توفيق "إنها قصة طويلة... لقد حاولنا أن نخلق توازنا في إدارة السياسة للتلفزيون، إلا أنني أمرت الكولونيل فوزي يومها بالتريث والانسحاب عندما أصبحت الشكاوى تصل إلى الرئيس على أساس أننا نتدخل بشكل سافر ولا يخدم صورة الرئيس.." فقال الجنرال زروال "لكن أخطأتم عندما جعلتم من التلفزيون مجرد ملحق لقسم الاتصال التابع للدياراس" فقال الجنرال توفيق "ربما، ربما... لكن أنت تعرف أننا عندما قرر الرئيس بنصح من شقيقه التخلي عن المدير السابق، وهو شخص مستقيم، نزيه وغير متورط في أي فساد، أصبح التلفزيون بين أيدي فريق شقيق الرئيس الأصغر..." فقال الجنرال ليامين "لكن المدير الذي خلق الرجل النزيه كماتقول، ألم يكن رجلكم؟!" فقال الجنرال توفيق "طبعا، كان رجلنا أو قل قريبا من محيطنا.. ولقد حاولت إقناع الرئيس يوم تخلى عنه في قسم الإعلام بالرئاسة أن يستعيده ليكون على رأس مؤسسة الإذاعة، وبالفعل استجاب الرئيس، وأمر باستعادته، إلاأنه أصبح فيما بعد خاضعا بشكل كلي لشقيق الرئيس الأصغر، بل وراح يشكو إليه أننا نضيق عليه ونحاول التدخل في عمله... وحتى عندما تم تعيين الوزير السابق للإعلام من طرف الرئيس أصبح هذا الأخير يأتمر بأوامر الشقيق الأصغر للرئيس وتحول إلى خصم لجماعتنا باعتبار أن الشقيق الأصغر للرئيس كان وراء تعيينه.." صمت الجنرال ليامين زروال لحظة، ثم قال مغيرا الموضوع "والآن، كيف علاقتك مع الشقيق الأصغر للرئيس ومع سي الڤايد" قال الجنرال توفيق "فيما يبدو أن الڤايد قد هدأ غضبه، لكنه لازال مصرا، أن لا شيء يمكن أن يقرر بدونه.." ثم أضاف "لقد تطور سوء التفاهم إلى خصومة لسنا بحاجة إليها اليوم، وخاصة في مثل هذه اللحظات.. أنت تعرف أن صحة الرئيس عندما تدهورت كان علينا أن نفكر في الخطة باء.. لكن لم تكن في نيتنا التخلي عن الرئيس... هذا قرار اتخذناه معا... إلا أن نقطة الخلاف الحقيقية التي نشبت بيني وبين شقيق الرئيس والڤايد، هو قرار تعيين الأمين العام الحالي على رأس الأفالان.." فقال الجنرال ليامين زروال "لكن الرئيس كان موافقا على تعيينه" فقال الجنرال توفيق "وهذا خطأ فادح، نحن الآن بصدد دفع ثمنه غاليا"قال الجنرال ليامين زروال "لكن سبق وأن قلت لك يا سي توفيق، أن لا تدعوا الأمور تصل إلى وضع سيء من شأنه أن يفجر الأمور.." قال الجنرال توفيق "أنت تعرف يا سي ليامين أني كنت ولازلت وفيا بشكل لا يرقى إليه الشك للرئيس.. ولم أكن أتصور يوما أن الرئيس قد يوافق على تلك المهزلة، ولولا المرض الذي أفقده القدرة على اتخاذ القرار، ما كان ليحدث كل هذا... وكان الرئيس في البداية موافقا في حالة عدم قدرته على إدارة شؤون الدولة أن يكون خليفته عبد المالك سلال.. والرئيس نفسه هو من اقترحه ليحل محل أويحيى بعد أن أصبح هذا الأخير يطمع في خلافة الرئيس، شأنه شأن عبد العزيز بلخادم، ونحن لم يكن لدينا أي اعتراض على تعيين سلال مادام هذا الأخير كان سيشغل عهدة واحدة انتقالية.. وتستطيع القول أن الإتفاق كان شبه ضمنيا بيننا وبين الرئيس.. لكن الحسابات غير البصيرة سرعت من هذا التصدع داخل النظام، وداخل الجيش عندما أصر الڤايد على إحداث تغييرات في وقت لم نراه مناسبا..." ظل الجنرال ليامين زروال يصغي بانتباه إلى الجنرال توفيق الذي كان يتحدث بعفوية أمامه وهذه صفة لا يعرفها الكثيرون... أشعل الجنرال توفيق سيكاره، وكأنه كان يحضر لقول شيء في غاية الخطورة، لليامين زروال، وذلك هو السبب الذي جاء بالجنرال ليامين زروال من مدينة باتنة، وهو الذي كان يتمتع بلحظات هادئة في أوساط عائلته إلى الجزائر العاصمة ليقيم أياما في هذه الإقامة الغارقة وسط أدغال غابة باينام...