كتبت في تغطيتي للندوة، التي نظمتها جمعية أصدقاء تلمسان، بقيادة الدكتور الهادي بن منصور يوم الخميس الماضي، في المركز الثقافي الجزائري- وإعدا القارئ بهذه النسمة - أنها كانت غزوة عاطفية فضحت محاولتي المستحيلة والفاشلة لكتم صدمة عرّت قساوة غربتي التي تلت أسعد أيام حياتي المهنية. إنها الأيام التي ربطتني بأكبر وأعظم رجال المسرح الجزائري، من أمثال محي الدين بشطارزي، علالو رويشد، مصطفى كاتب، علال المحب، يحيا بن مبروك، كلثوم، صونيا، عزالدين مجوبي، كاكي، عيد الحليم جيلالي، سيراط وأدار ودليلة حليلو وجمال بن صابر وآخرين كثر، لم يكونوا في مستوى وهج وخصوصية ونوعية المسرحيين المذكورين. علاقتي بالراحل العملاق محمد بن قطاف، وحدها التي تنافس علاقتي بالراحل العملاق الأسبق والأكبر علولة، لأسباب ذاتية وعاطفية نتيجة القرابة العائلية والحميمية، وهذا الأمر الشخصي لا يتناقض مع العملقة التي تجمع الإثنين ولو من زوايا مختلفة ومشتركة في الوقت نفسه. الإثنان قدما للمسرح الجزائري إضافات غير مسبوقة وإبدعا تمثيلا وكتابة وإخراج، ولا يمكن الفصل بينهما عند الحديث عن تاريخ التطور المسرحي في الجزائر. بكيت وأنا أتابع فيلم علي عيساوي عن علولة كما بكيت وأنا أتابع جنازة الفقيد بن قطاف الذي قضيت معه أسعد ساعات حياتي المهنية في بيته المتواضع بالطابق الرابع عشر، المطل على نافورة ساحة أول ماي، وفي المسرح وفي فنادق عربية كثيرة. لم تكن علاقتي مع الفقيد علولة بنفس الزخم الحميمي للسبب الشخصي المذكور، لكنها لم تكن فاقدة لمقومات علاقة عقلانية وعاطفية في الوقت نفسه، الأمر الذي يؤكد خصوصيتها وقوتها وحكمي الموضوعي على علولة فنيا وشخصيا وأخلاقيا. علولة كان صاحب روح فكاهية ودعاية خارقة وتواضع خرافي، وكل هذه الصفات انعكست في إبداعه المختلط بأيديولوجية الدفاع عن المحرومين، وبن قطاف فعل ذلك لكن بعيدا عن التزام أيديولوجي مباشر. علولة، لم يكن رجلا مسرحيا مبدعا فقط مثل بن قطاف، بل كان أيضاً مفكرا ومثقفا عضويا ومنظرا لتصور مسرحي متكامل المقومات والمعالم وصاحب مشروع حضاري وأيديولوجي، الأيديولوجية اليسارية المعلنة والمبطنة التي ميزت مسرح علولة، لم تترك أحدا في تقديري من النخبة أو من عامة الناس يتردد في اعتناق مسرحه فنيا قبل كل شيئ، والإمتاع الخارق الذي أسعد به علولة الجماهير تجاوز أيديولوجية الصراع الطبقي التي لم ينتبه إليها الأميون وغير المتعلمين من الفلاحين والعمال، وتلك هي عظمته التي سوف لن يعرفها المستقبل المسرحي في الجزائر، علولة كان خجولا ًمهذبا ودودا وشاربا للقهوة، التي تشرفت باقتسامها معه عدة مرات. علولة إنني أفتقدك كما أفتقد بن قطاف.. ستبقيا في ذاكرة الجزائر المسرحية للأبد.