لقد كانت شخصية أحمد أويحيى مثيرة بالنسبة لمارتيناز، وكان هذا الاهتمام بشخصية أويحيى يرجع إلى سنوات التسعينيات عندما ارتقى أويحيى لأول مرة إلى منصب رئيس الحكومة في عهد الرئيس ليامين زروال.. وبعد سنوات تعرف مارتنياز على الباحثة الفرنسية وهي من أصول جزائرية في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية التي استفاد من دراستها حول الكوادر السياسية التي قادت الحكم الجزائري، وكان أويحيى من بين هذه الشخصيات التي درستها باحثة الفرانكوجزائرية أنيسة طاوريت.. ومن بين الأشياء التي ظلت عالقة بذهن مارتيناز حول شخصية أويحيى، أن هذا الأخير كان من بين خريجي المدرسة الوطنية للإدارة أومن أصول قبائلية، وفي هذه النقطة يشترك مع عبد المالك سلال.. بحيث أن كليهما اشتغلا وتمرسا في دواليب الإدارة والحكم الجزائريين.. وكلاهما كان يعانيان من انتمائهما الأصلي إلى منطقة القبائل التي ظل الحكم الجزائري ينظر إليها منذ الستنيات بعين يملؤها الشك والحذر، ويتذكر مارتيناز أن الباحثة الفرنكو جزائرية أنيسة طاوريت ذهبت بعيدا في تحليلها لمثل هذا النموذج من المسؤولين الجزائريين.. فلقد قالت له، إن شخصية مثل قاصدي مرباح الذي كان على رأس جهاز الاستخبارات يظل يحمل في أعماقه عقدة الانتماء إلى القبائل الذين كانوا معروفين بتمردهم ونزعتهم الميالة نحو الحرية والاستقلالية، لذا كانوا يبرهنون على جدية ولائهم للسلطة المركزية، وذلك ما جعلهم يبالغون في التنكر للمنحدرين من منطقتهم من المعارضين والغاضبين والرافضين لهيمنة السلطة المركزية.. ولقد وجد مارتيناز تحليل الباحثة الفرنكو جزائرية أنيسة طاوريت في غاية الأهمية، بل يرتقي إلى نظرية لم تكذبها الأحداث والسلوكات على أرض الميدان... فأحمد أويحيى الذي عامله بوتفليقة لدى عودته إلى الحكم وجد كل الاحتقار والانتقاص من قيمته من طرف بوتفليقة، بحيث كان هذا الأخير يصف حزبه الذي كان تحت قيادته بحزب الغش والاختلاس "وصبر طويلا أمام كل اللمزات التي كانت تنم عن بوتفليقة في أول عهد على رأس السلطة، إلا أن أحمد أويحيى ظل وفيا لخطه من حيث الوفاء وتقديم الولاء.. لذا عندما دخل بوتفليقة في اختبار حقيقي أمام علي بن فليس الذي تحدى بوتفليقة في عهدته الثانية، لم يجد من يساعده إلا أحمد أويحيى الذي مد له طوق النجاة... ثم أن أحمد أويحيى تمكن أثناء أحداث الربيع الأسود بمنطقة القبائل من ترويض قادة العروش وجر هذه المنطقة القبائلية المتمردة إلى بيت الطاعة، ومن يومها لم تعد منطقة القبائل الكبرى قلعة "للمقاومة" لقد استطاع أويحيى أن يعبد الطريق لبوتفليقة من أجل القضاء على كل تمثيل سياسي فعلي لمنطقة القبائل.. وهذا ما جعل بوتفليقة يجهز على أهم الرموز التي كا نت منطقة القبائل تضع فيها ثقتها.. ولم يستغرب مارتيناز كيف تمكن تيار انتهازي من أن يتحول إلى قوة نافذة في خدمة السلطة، أوبتعبير أدق الجناح الموالي بشكل مطلق لعصبة التي يرعاها بوتفليقة.. فالأفافاس الذي كان يقوده التاريخي آيت أحمد انتهى إلى حالة اليأس والاستسلام بحيث لم يبد أي موقف أمام إصرار العصبة الرئاسية الموالية لبوتفليقة على تجديد عهدة رابعة له.. والمنشق عن الأرسيدي عمارة بن يونس تحول إلى أحد الأدوات بيد العصبة الموالية لبوتفليقة لغزو منطقة القبائل الكبرى... كل هذه الخواطر كانت تتزاحم برأس مارتيناز وهو في حضرة أحمد أويحيى الذي راح يتحدث بهدوء أمام مارتيناز الذي باشر أحمد أويحيى برغبته في إجراء حوار حر ومباشر وصادق... قال مارتيناز "سيدي الرئيس، أولا أنا شاكر لك قبول لقائك معي، برغم ضيق وقتك وأشغالك الكثيرة.. كما يسرني أن أكون مع أحد مفاتيح الحكم لأصغي له، عله يساعدني على فهم الكثير من المسائل المغلقة والتي لا يمكنني أن أفهمها دون الإنصات لكم.." أجاب أويحيى، "بل أنا الذي اعتبر نفسي سعيدا، لأنني في حضرة صحفي يحترم الجزائر ويقدر دورها وجهودها في مكافحة الإرهاب.. وأعرف جيدا موقفكم من الجزائر خلال عشرية التسعينيات.. إنني لأقدر مواقفكم في وسيلتكم الإعلامية التي كانت موضوعية وشجاعة في الوقت الذي خذلتنا بعض الأطراف الفرنسية التي كنا نعتقد أنها صديقة ؟! وأضاف أويحيى بعد صمت وجيز "إن ثقتي لكبيرة في أناس محترفين وشجعان.. ولا يهمهم إلا الانتصار للحقيقة ولا شيء غير الحقيقة".