دافع الجنرال محمد طاهر يعلى، المنسحب من سباق رئاسيات 2014، عن طرح "الباءات الثلاثة" الذي نادى به رئيس الحكومة الأسبق، مولود حمروش، مؤخراً، مؤكدا أنه وضع بوتفليقة، التوفيق والقايد أمام مسؤولياتهم التاريخية في إخراج البلاد من الانسداد والأزمة الحالية، كما تحدث قائد القوات البحرية سابقا، في هذا الحوار مع "الجزائر نيوز" حول نظرته للحملة الانتخابية، التزوير ومشروعه ومستقبله السياسيين. غداً الأحد، يكون آخر يوم في الحملة الانتخابية لرئاسيات 2014، ما هي قراءتكم للساحة السياسية على ضوئها؟ في البداية، يجب التأكيد على أن هذه الحملة الانتخابية تتمتع بالخصوصية التامة، على المستويين الجزائري والعالمي، وذلك لمعطيات كثيرة، بداية من الحراك القوي على المستوى الشعبي والسياسي الذي يرافقها، وكذا ترشح رئيس حالته الصحية لا تسمح له بأداء مهامه الدستورية، والدعم المعلن من قبل الإدارة وتسخير وسائل الدولة لصالح مرشح بعينه، ما يجعل ظاهرة التزوير التي تطبع الانتخابات الجزائرية منذ العهد الاستعماري تتحول من وضع التخفي إلى الظهور العلني إلى الواجهة دون اعتبار للشعب أو للهيئات المختصة، وإلا كيف نفسّر جمع مترشح لما يفوق ال4 ملايين استمارة في ظرف 48 ساعة، ويظل الحديث متواصلا عن تضاعف الأرقام بشكل يستحيل حتى رياضيا حسابه، لهذه الأسباب والكثير غيرها أقول إن هذه الحملة الانتخابية لرئاسيات 2014 لا مثيل لها، وهنا أريد التأكيد على مسألة مهمة وهي وعي الشعب العميق بالوضع الجاري وهذا أمر لا يجب الاستهزاء به، لأنه قد يدفع بالجزائر نحو دوامة عنف جديدة ومجهولة العواقب. أغلب شخصيات الطبقة السياسية الرافضة للعهدة الرابعة تركز على الوضع الصحي للرئيس، لكن المجلس الدستوري لم ير ما يعيق مهامه مثلما تؤكدون، كيف تفسرون ذلك؟ اسمحي لي هنا أن أجيبكم بسؤال تبدو لي الإجابة عليه أكثر من ضرورية، وهو في أي مرحلة من مرض ما، أو في أي وضع صحي يقرر المجلس الدستوري أن المترشح غير مؤهل حسب الشهادة الطبية لقيادة البلاد؟ هل تريدون القول إن الرئيس إذا ما فاز بعهدة رابعة لن يكون مؤهلا لتسيير البلاد؟ هو لم يفعل في العهدة الثالثة، وإلا كيف يمكن تفسير عدم رؤيته لسنوات في تلك العهدة؟ رئيس في نظام رئيسي، هو مطالب بالعمل على مدار ساعات طويلة، واتخاذ قرارات وتحمّل مسؤوليات... ونحن اليوم نتحدث عن رئيس أصبحنا نراقب هل وقف أم لا، هل تكلم أم لا... أعتقد أن الجزائر تستحق أفضل من هذا الوضع. وهل ما زلتم مقتنعين بأن نتائج الرئاسيات محسومة؟ المسألة ليست في الاقتناع من عدمه، بل في المعطيات وطريقة تحليلها، مثلا لدينا الأمين العام لجبهة التحرير الوطني صرح حتى قبل انطلاق الحملة الانتخابية أن مرشحهم سيفوز ب60 % وبالتالي لم يعد هناك مجال للشك، الأمور محسومة، لكن بالنظر إلى الخصوصية التي أشرت إليها في البداية، يبقى الأمر متوقفا على نظرة الشخصيات التي ما تزال تملك نفوذا في النظام، وكذا على الدور الذي قد يلعبه الشعب -وهنا أؤكد على أهمية هذا الدور- لأن الشعب إذا ما توّحد سيكون هو القوة الوحيدة التي يمكنها الوقوف في وجه التزوير. وفي سياق القوة الشعبية، كيف تنظرون لردة فعل المواطنين العنيفة في بعض الولايات ضد الوجوه التي تنشط الحملة الانتخابية للمترشح عبد العزيز بوتفليقة؟ أعتقد أنه لأول مرة منذ 1962 يتوّحد الجزائريون حول هدف مشترك، وهو "لا لعهدة رابعة"، وذلك لأنهم يعون تماماً ما نعيشه اليوم من فساد وثقة مفقودة بين الحاكم والمحكوم... لذلك أرى أنه من الضروري استغلال هذه الديناميكية الرافضة لاستمرار هذا الوضع لصالح بناء مستقبل الجزائر وأجيالها المقبلة، والتي أصبحت مهددة بالتلاشي في ظل النظام العالمي الجديد، ولاستعادة مكانتنا نحن بحاجة للعمل 12 ساعة في اليوم خلال 10 سنوات المقبلة، لترميم ما تم تحطيمه في 15 الماضية على مستوى القيم الاجتماعية، وكذا على المستوى الاقتصادي والخدماتي، لا يجب أن نغفل أننا نستورد أكثر من 50 % من الدواء ولا نستطيع تأمين العلاج للجزائريين داخل بلدهم، ناهيك على اعتمادنا الكلي على المحروقات في تأمين كل الضروريات بداية من الغذاء، بل أن اقتصادنا أصبح مبنيا على المحروقات والأكاذيب، وإذا ما استمر الحال على ما هو عليه سينتهي بنا إلى كارثة حقيقية مثلما حصل مع اليونان، مع فرق بسيط أن اليونان وجدت من يقف معها لكن الجزائر لن تجد من يقف معها. هل تتفقون مع الأصوات المنادية بضرورة قيام الجمهورية الثانية؟ بكل تأكيد، نحن اليوم بحاجة ماسة إلى إعادة بلورة مفهوم الوحدة الوطنية عن طريق دستور جديد، وإذا اقتضى الأمر بميثاق وطني جديد. الرئيس يَعِدُ إذا ما فاز بعهدة رابعة بإعادة النظر في الدستور، حسب من ينشطون حملته الانتخابية؟ العهدة الرابعة لن تحقق شيئا، وأعتقد أنها ستعرقل عملية التغيير أكثر، لأنها في الحقيقة مجرد امتداد للعهدة الثالثة التي بدورها لم تحقق شيئا وكانت امتدادا للعهدة الثانية، فعندما نطرح السؤال حول حصيلة العهدتين السابقتين لا نجد شيئا سوى توسع رقعة الفساد أكثر، وهنا أريد الإشارة إلى ظاهرة الحراقة التي عرفناها لأول مرة سنة 2006 ولم تعرفها الجزائر حتى في أسوأ الأوقات في تسعينيات القرن الماضي، وأظن أن هذا يلخص كل شيء عن الإنجازات. في الأيام الأخيرة، تحدث رئيس الحكومة الأسبق مولود حمروش عن أن حل هذا الانسداد بيد ثلاث شخصيات، قارنها بالباءات الثلاثة التاريخية، هم الرئيس بوتفليقة واللواء قايد صالح ورئيس جهاز المخابرات الجنرال توفيق، هل تتفق معه في الطرح؟ نعم، بكل تأكيد، أعتقد أن حمروش لديه خوف كبير من موجة العنف التي تهدد الجزائر مستقبلا، لذلك رسالته كانت واضحة، وهي أن الجزائر على حافة الهاوية وأن هذا الوضع الخطير الذي تعيشه ويهددها بانفجار اجتماعي خطير، هو مسؤولية هذه الشخصيات الثلاثة، وهنا حسب رأيي المسؤولية التي يتحدث عنها لا تتعلق بالماضي وإنما بالمستقبل، أي المسؤولية التاريخية، لذلك هو لم يحدد لهم أي طريق عليهم سلكه، ولكن قال إنه عليهم اتخاذ القرار السليم بخصوص حدوث انتقال السلطة من جيل إلى آخر بشكل سلس والخروج من الباب الكبير. ولكن هل تعتقد أن هذه الشخصية لديها النية لفعل ذلك؟ كل المشكلة تكمن هنا، لكن حمروش كان شجاعا واجههم بالحل الجذري لما يحدث وحمّلهم المسؤولية، لأن المختصين في كل المجالات في العالم يؤكدون أننا متجهون نحو مصير خطير، لذلك قال إن الحل الأنجع للخروج من هذه الأزمة هو تسليم المشعل للجيل الجديد بطريقة هادئة وسليمة نقوم فيها بعملية تطهير على كل مستويات الدولة لاسترجاع الثقة الضائعة وترميم ما تم تخريبه. تعنون الاتفاق على مرحلة انتقالية، وهذا الحل ربما يبدو مرفوضا من قبل جهات معينة، فرئيس ديوان رئاسة الجمهورية، أحمد أويحيى، مثلا، قال بشكل صريح في عدد من التجمعات التي نشطها لصالح حملة الرئيس المترشح، إننا تجاوزنا المرحلة الانتقالية منذ زمن؟ ولكن إلى أين انتهت بنا هذه المرحلة الانتقالية؟ الانتقال يجب أن يكون مبنيا على خارطة طريق ولديه أهداف محددة للتحول نحو الأحسن، وليس مجرد تحديد لمرحلة زمنية بلا أهداف ولا نتائج، بالطبع مررنا بعدة مراحل انتقالية لكنها أدخلتنا في أزمات جديدة بسبب الانحرافات التي واجهتها، فالمرحلة التي سيرها الرئيس اليامين زروال حققت دستورا مهما في سنة 1996 لكن لاحقا لم يحترم هذا الدستور وتم اغتصابه، كما أن الرئيس زروال نفسه أراد إعطاء المثال حول التداول على السلطة عندما غادر الحكم في لحظة معينة وأفسح الطريق أمام وجه ونظرة جديدين، وهذا كان واضحا حتى في رسالته الأخيرة، لكن للأسف لقد تراجعنا كثيراً للخلف وخسرنا الكثير من المكتسبات خصوصا على مستوى ثقافة ورجال الدولة. وكيف تنظرون إلى ما وصف، في مرحلة معينة من التحضير لرئاسيات الخميس المقبل، بصراع بين مؤسسة الجيش ومؤسسة الرئاسة، خصوصا بعد التعديلات والتغييرات التي عرفتها الأولى؟ في الحقيقة ليست لدي تفاصيل عن حقيقة ما تم وصفه بالصراع، لكن يجب أن نفهم جيدا أنه في دولة بالمعنى الدقيق للكلمة يجب أن يكون هناك معارضة ذات مصداقية، قضاء يتمتع بالاستقلالية، إعلام لديه هامش الحرية، مؤسسة عسكرية تضطلع بمهامها الدستورية وقادرة على التحذير من المخاطر التي تهدد أمن البلاد داخليا وخارجيا، لكن أن يتم سحق كل هذه القوى التي تشكل مرآة الدولة، فنحن لسنا أمام فوز أو خسارة لصالح هذا أو ذاك، وإنما نكون أمام استقرار كل السلط في يد واحدة وبالتالي هذا ما نسميه دكتاتورية. يعني أن هذا الصراع انتهى بفقدان الجيش لقوة رأيه في رئيس الجزائر المقبل؟ شخصيا لا أستطيع القول إن هناك صراع، لكن لا يجب أن نغفل بهذا الخصوص مسألة المصالح والفساد، فنحن سمعنا من مصادر مختلفة -منها حتى في الإعلام- عن التحقيقات الخاصة بقضايا الفساد، والتي في الحقيقة تشكل مساسا بأمن واستقرار البلاد بشكل ما، لذلك أظن أن الخلافات بدأت عندما وصلت تلك التحقيقات إلى بعض رؤوس الفساد، أي قبل لحظة الرئاسيات، وأعتقد أن المؤسسة العسكرية -التي كان لها دائماً رأي في اختيار رئيس الجزائر- ستتحمل مسؤولياتها كاملة، لكنها لن تختار شخصا بعينه لأننا تجاوزنا هذه المرحلة. وفي الإطار ذاته، ما سر الخرجة التي فاجأت الجميع للأمين العام للأفلان ضد الجنرال توفيق وجهاز المخابرات، في رأيكم؟ هذه الخطوة جاءت ضمن الحملة الانتخابية ولصالح مرشح ما ومن يدعمونه، ولا يمكن قراءتها في سياق آخر، لأنه حتى إذا ما افترضنا أن ما قاله أمين عام الأفلان عبارة عن حقائق، لا المكان ولا الزمان مناسبان لقوله، فالأول حملة انتخابية وبالتالي الغرض واضح منه، والثاني يجب تحديد إطار منطقي لطرحه، فلو طرح الأمر في نقاش بنّاء لن يكون من يطرح سعيداني لأنه فاقد للصفة، لا هو قاض ولا هو شاهد، ولا غيره، وبالتالي غيابه كما أكدت العديد من المصادر على مدار ثلاثة أسابيع بفرنسا ثم لقاؤه بالسفير الفرنسي مباشرة بعد ذلك، ليخرج ويقول ما قاله كلها أمور تجعلنا أمام عدد من التساؤلات، التي تؤكد الإجابة عنها أنه جاء حاملا رسالة كلف بتبليغها وتلقى تعليمة موجهة خصوصا مع تركيزه على قضايا مثل تبحيرين وتقنتورين، وهنا أقول إن المؤسسة التي تحدث عنها عانت ضغوطات وتحمّلت مسؤوليات كبيرة في فترة التسعينيات واتخذت قرارات هامة، وللتاريخ محاسبتهم إن أصابت أم أخفقت ولكن ليس سعيداني. في الفترة الأخيرة، عرفت الساحة السياسية، على غير العادة، تدخلات للعديد من العسكريين المتقاعدين، ما تفسيركم لذلك؟ من بين الذين قدموا تدخلات كانت أسماء لضباط مرموقين وذوي خبرة وتميز في مجالهم، مثل الجنرال بن حديد وغيره، لذلك أظن أن هؤلاء الذين تدخلوا بصفتهم مواطنين لأنهم اليوم على التقاعد، أرادوا توجيه دعوة لكن من يتفق معهم في الرأي للتحسيس بالوضع الخطير الذي نمر به ولضرورة إيجاد مخرج منه دون أن تتأذى الجزائر. بعد خوضكم مغامرة سياسية في سياق الرئاسيات الجارية، ما هي خطواتكم السياسية المقبلة؟ لم تتضح لي الرؤية بعد، ولا أعرف إن كان خياري سيكون تأسيس حزب، خصوصا بالنظر إلى الوضع الذي آلت إليه الأحزاب في الجزائر، لكن علي تحديد السياق قريبا لأتمكن من التواصل مع الأشخاص الذين يتفقون مع رؤيتي لدولة المواطن ومشروع المجتمع الذي أفكر فيه منذ ذهابي إلى التقاعد قبل 9 سنوات، لكن الأكيد هو سَيْري بخطى واثقة في هذا التصور الذي أرى أنه يشكل المخرج الوحيد للانتقال الذي يؤمن مستقبل الجزائر ويخرجها من موجة العنف والانهيار الذي باتت مهددة به وذلك لن يكون في سياق غير دولة المواطنة والمؤسسات.