تتلوى الأجساد، تتشكل دوائر، تتمدد، تتقلص، تخرج من نفق الاستعباد، تتحرر منه، تعود إليه، تمقته، تعشقه، تفر منه تعود إليه... تعود الأجساد دائما إلى الأرض، لماذا تستجدي التراب ألم تخلق من ماء؟ هذا الجسد اللعين عاشق الشهوات ومثيرها، إنه لغز حضارة الشرق السرمدي.. ألوان مبهرجة، أشكال تبدأ مستقيمة وتنتهي إلى حلقات، تدور وتدور يزيد من سرعتها إيقاع طبل الدولاك الهندي التقليدي، تضرب أقدام الراقصات على الركح برفق ثم بشدة، يزداد السحر على إيقاعات الكارتال والترومبات والهارمونيوم... تتحرر الأجساد وتطلق العنان للغتها تحلق الراقصات في سماء أخرى وتنبهر العيون وتتحرر من فعل الاستراق.. هذه المرة اللوحة البوليودية ليست خلف الشاشة، فسحر الشرق ممدد على ركح ابن زيدون، إنها السهرة الهندية لفرقة "بوليوود ماسالا"، من تنظيم الوكالة الجزائرية للإشعاع الثقافي. إنبهر الجمهور الجزائري باللوحات الساحرة التي قدمتها الفرقة الهندية "بوليوود ماسالا"، القادمة من شمال الهند، التي لا يزيد عمرها عن سنتين لكن أغلب أعضائها (16 عضوا) ورثوا الفن أبا عن جد، فتمكنوا خلال عامين من القيام بجولة عبر الكثير من دول العالم، حاملين معهم عذوبة الشرق والخصوصية الهندية المشكلة من التنوع البشري والهوياتي، الذي أفرز جنون الاختلاف في تلك الروح المسحورة بالبحث عن منفذ الإبداع، وهي القوة المحركة لذلك الزخم البوليوودي الذي بنى قصصه على حكايا العشق الجنوني لأرواح جريحة تخلق نسقا مميزا من الاستعراض الذي تنهزم حتما أمامه حبكة التقنية الغربية التي لم تؤمن يوما بسحر الروح فظلت سجينة ذلك الفتور، فيما استثمر الشرق في دفئه ليواجه ذلك الكم اللا متناهي من مشاكله التي يستحيل العيش معه بمنطق العقل، لكن مع هذا هو مستمر بسحره. ثلاث راقصات، وقائد فرقة "بوليوود ماسالا" الفنان رايس بهاراتي، الذي بذل جهدا كبيرا للتواصل مع الجمهور الجزائري بلغة فرنسية صعب فهمها، والمغني الرائع سانداي خان.. وغيرهم من أعضاء الفرقة صنعوا الفرجة الحقيقية للاستعراض باستحضار مكثف للتراث الهندي خاصة لمنطقتي مومباي وراجستان - شمال الهند - وخلال ساعة ونصف من الزمن رسموا لوحات رومانسية، كلاسيكية، صوفية.. انبهر بها الجمهور خصوصا وصلة الراقص "فقير"، الذي شدّ الحضور في مزيج مميز من الرقص الهندي المتقن ولعبة التوازن التي تنتهي بجسده النحيف وهو يتمايل على أنغام الموسيقى حاملا "قلة" طينية مليئة بالماء وترتفع في كل مرة على كؤوس زجاجية فوق رأسه والجمهور تختلف مشاعره بين الرقص الرائع الذي ترافقه التصفيقات التي تبدأ في الفتور كلما جازف الرجل أكثر إلى أن ترتفع "القلة" بعيدا على رأسه فوق كؤوس مصفوفة وهو يعذب الجسد النحيف واقفا على لوح مليء بالمسامير. لا تكتمل أي لوحة فنية هندية بدون استحضار صورة أفعى الكوبرا التي تعد جزءا أساسيا من التراث الهندي خاصة لقبيلة كابيليا المعروفة برقصتها التقليدية المستوحاة من هذه الأفعى التي يربيها الكثير من أفراد القبيلة ببيوتهم، وتعد هذه الرقصة التي قدمتها فتيات الفرقة كانت الوصلة الأخيرة للفرقة الهندية التي هزت مسرح ابن زيدون بأهم الأنغام البوليوودية التي باتت الذاكرة الإنسانية تحفظها من قصص حب الأفلام الهندية مثل "روم تا نا نا"، "بولي توريا"، وأكيد الأغنية التي رددها الجمهور الجزائري بحرارة مع فرقة "جانيتو".