الوقت ذكرى - الآنَ - تمطر بالسّنين؛ مرآة وجهٍ تعكسُ الطين القديم على تجاعيدٍ من الذّكرى عليها العمر بالأضواء يلعب الضوء يجبله على مرآة ذاكرة البشر حتّى يشكّله به شكلا يشكّلُ خطوة أولى فيولد حينها غده ويكبر خطوة وغدا ليصبح ومضة تأتي وتذهبْ الأمس كان بشكله حرفا وطينا؛ كان بينهما حنين حرفا وطينا شكّلا بالحبّ، في رحم البدايات، الجنين وُلِد الأَمامْ العشق يعزف فالتغنّي ، يا دمائي، بالغرام * ... وكيقظة من أذرع الكابوس أبعث من مقابر غفوتي وأراك ملء الشّمس في الأضواء تعكس صورتي فأقوم ، أنهض من فراش اليأس، أغسل وجه عمري بالحياة و أمشّط الأحزان في نفْسي، وأكنس ذكرياتي وأرتّب الأفكارَ في يومي، أعيد تشكّلي أغتال نَفْسي عَلّ إحياء النّفوس يكون في قتل النّفوس الصّبح يعزف فالتغنّي يا دمائي بالشّموس تستيقظ الأشياءُ من حولي ، و وجهكَ مشرقٌ تستيقظ الأنفاس، في نشوى، على أصوات عطرك وهْي تُمزَجُ بالتّراب وبالنّدى أزهار صوتك مَدّدتْ لي عطرها جسرا يغيب مع المدى فتنشّقت رئتا دمي، الصوت الشّهيّ وسافرتْ روحي هناك مع الصّدى من أوّل الكلمات حُبّك في دمي ألِفٌ نمت منه، على الإيحاء، أعضائي حروفا أنثويّة فكتبت ذاتك هائما بي هائما بي في حروف آدميّةْ ونطقتني ، بالصّمت، معنى ثمّ زوّجتَ الحقيقة للخيالْ ودفنتَ أجوبة الوجود جميعها مع بعضها تلتفّ سِرّا في سؤالْ قد قلتني، بالحُبِّ، حرفا آخرا وتركتَ معناه بروحك عالقا كالسّرِّ في غيب المُحال أبحَرتَ في دمّي ولكنّي الغريقةُ فيك: تُبحِرُ فيّ أغرقُ فيك. أبحر فيك تغرق فيَّ نصنعُ من تآلفنا تخالفنا، ونصنع من تخالفنا الكمال الرّوح تعزف فالتغنّي ، يا دمائي بالجمال أحبيب قلبي يا تكلّم ذكرياتي يا تورّد كل يوم من حياتي هذه النسمات عطّرها تنفّسُك المعطّر مثلما صبح تنفّس في الربيع جاءت إليّ، تهزّ أغصانَ اشتياقي، منك في حرّ الغيابْ والبدر ذلكَ يستمدّ النّور من شمس اختفائك ثمّ يدلقهُ على ليلِ العذابْ ليضيء لي ظلمات نفسي حين أسهر في مساءات اغترابْ إنّا التقينا في مكان ضيّق الرّؤيا، بصدرٍ ضيّقٍ لم يتّسع قلبا مكانٍ مختنقْ حتّى غدوتُ لك الزّمان وصرتَ أنت لي المكان وحولنا الأشياءُ كانت تحترقْ قد ذبتُ فيك وذبتَ فيّ، وذابت الأيام فينا والأماكن والمواطن والمواجِع والجهات وذابت الأزمان فينا واختفينا يا حبيبي فانتهينا كل نفس في مدى الأُخرى تضيع ما عدتُ ألقاني ولا ألقاكَ بعثرنا الزمان فَرُحتُ ، من زمني الشريد، ألملمك و ألمّني لأشكّلكْ حتى أشكّلني فشكلي منك منحوت الضلوعْ والفقر شكَّلَنا رغيفاً ساخناً، بالحبِّ مِنْ حزنٍ وجوعْ الحزن يعزفُ فلتغنّي يا دمائي بالدموعْ الدمع يمتصّ البصرْ والحبّ ، شكلا للرغيف، غَدَا ووجهكَ يا حبيبي كالرّغيف المستديرْ أمشي وتأتي أنت من تنّور حلم قربَ أعينِ جوعِ حُبّي آتي وأخبز فيك قلبي: فقراءُ نَظْراتي، مشاعرُ داخلي، ويتيمُ آمالي، مساكينُ اشتياقي تلكَ أُطْعِمُ ما تَيسّر من سَعيرْ القلب جاعَ، و نارُ حبّكَ يا حبيبي حارقة تتأوّهُ الخفقاتُ أرغفة بحبّكَ ناطقهْ أمشي على عكاز صبري والطريق بلا ضميرْ يهتزّ بيْ ويطول منحنيا وملتفا كأفعى سامّة حول المصيرْ أمشي بأعصابي على درب الخطرْ متفرّعاً يغدو الطريق كما الشجرْ أتسلّق الأيامَ حزناً تِلوَ حزنٍ إنّ وجهك في أعالي شَجْرة الدنيا هنا تفاحة، والحبّ جنات ونَفْسيْ - الآن - حوّاءٌ، وكفيَّ آدميّةْ تفّاح وجهك ناضجٌ بالحزنِ؛ مثل الظلّ هذا الحزنُ فيهِ؛ خَلْفهُ ضوءٌ يُرَفرِفُ وهْو بَسمتكَ الخفيّةُ والشّهيّهْ وأنا قطفتكَ غفلةً فهبطتُ من حلمي على صحو فبانت شهوتي وهبطتُ فانكسرت ضلوعي كلّ ضلعٍ في مكانٍ، كلّ ضلعٍ صار جرحاً، صار مملكةً، وكلّ ممالكي ضدّي، هَبَطْتُ .. .. وأنتَ منّي قد هبطتَ هبطتَ مذبوح الهويّةْ إنّي قطفتُكَ إنما لا شيء في كفيّ إلا المعصية.. ........ .... .. إبليس من زمنٍ قد استولى على ثلثَيْ نخيلِ معيشتي فتركتُ ثلثيّ الذين تنجّسا، حتّى أُطَهّرَ، كي أُحِلَّ فتثملَ الدّنيا بأعمالي فتنساني وأصحو دائمًا في نشوة السُّكر البديلْ لكنّه قد جاء هذا اليوم يستولي على كلّ النّخيلْ وأتى إلى وجهي لكي ما يشربَ العينين دجلة والفراتَ ومن دمي دلتا ونِيلْ يتشكّل الغرباءُ فيّ وينبتون عليّ منّي، يرتدوني في صقيع المنتهى دفء انتماء يخلعوني عند حرّ شموس آلام القبيلهْ وجهي بآلاف الوجوه وليس فيها ماء وجهي قد هدرتُ فراتَه وهدرتُ دجلتهُ ونيله لم يبق لي وجهٌ كريمُ الوجه (إلاّ مستحيلا) لم يعد في وجهيَ العربيّ إلاّ أوجهي هذي القتيلهْ أنا غربةٌ: ضيّعت ذاكرتي وضيّعني الخيالُ، وضاع منهُ خيلهُ والخيل ضيّع في صدى ماضٍ صهيلهْ تتساقط المدن التي في داخلي: تتكسّر الأضلاع فيّ من المحيط إلى الخليجِ: يسيل بحرٌ من فؤاديْ ويداي تقتتلانِ؛ والتصفيق من هذا القتال مُشكّلٌ والرأسُ مخموراً بدميّ قد تدحرج في بلاديْ وطنٌ يضيع بداخلي وأنا بلا وطنٍ أصيرُ، وكلُّ أرضٍ، أمتطيها، أوبئةْ الفقدُ يسكنني فأفقدني وأمشي خارجي إمّا أسير على خطأْ لكن صواباً أو أسير على صوابٍ مخطئة. وحدي أسير مجزَّئة كنّستُ أجزائي بقلبي ثمّ سرتُ فبعثرتني في أراضي الأمس عاصفة الحضارة فانتشرتُ تشرّدا إني بلادٌ في امرأة لكنّ أجزائي ممالكُ مُطفَأة جمّعتُ أجزائي ولكن لم تشكّلني! وضدّي شكّلتْ! وكأنّني ظِلُّ الهلاكْ ظلٌّ : يشكّلني ال (هُناكَ) هُنا و يرسمني ال (هُنا ) غيري ، ويمحوني ال (هُناكْ) لا شيء يشبهني ولا حتّى أنا، لا شيء يشبهني سواكَ وأنتَ ، يا حُبّي، سِواكْ! * أمشي على سطر كسيف تنزف الصور الغريبة من رؤاي من غير قافية أسير هنا فحافية خطايْ لا ينتهي سيري الأليمُ ولا مدايْ * ... وتمشط الطرقاتِ خطْواتي أُفتّشُ فيّ عنكَ، وفيكَ عنّيْ. أمتدّ فيكَ إليكَ من بذرِ السّكوتِ إلى حكاياتِ المروجْ أمتدّ فيكَ هدوءَ حزنِ الصّمتِ في زمنِ الضّجيجْ تمتدّ جرحاً يا حبيبي الآنَ ما بيني وبيني. تمتدّ من دمي المحيطِ دماً إلى دمعيْ الخليجْ أنا منكَ يا حُبّي وإنّكَ أنتَ منّيْ أبحرتُ فيكَ إليَّ، فيّ إليكَ لكنْ لم أجدْكَ ولم أجدنيْ! شادي حلاٌّق*