أجمع الخبراء الاقتصاديون، الذين اتصلت بهم "الجزائر نيوز"، على ضرورة التخلص من التبعية الاقتصادية لقطاع المحروقات، بعد تصريح الوزير الأول عبد المالك سلال، أول أمس، أمام البرلمان، أنه "لا مفر من استغلال الغاز الصخري لانخفاض مخزون المحروقات في سنة 2030"، من خلال الاستثمار في القطاعات الأخرى "كالزراعة، الصناعة والسياحة"، وكذلك في "الاستثمار في العنصر البشري، وتطوير البحث العلمي"، خاصة في ظل "الأخطار الناجمة على البيئة والمياه الجوفية من خلال استخراج الغاز الصخري"، والتي أكد عليها جل من تحدثنا إليهم، معارضين تصريح وزير الطاقة يوسف يوسفي، الذي قال أن الحديث عن هذه المخاطر "مبالغ فيه". يرى رئيس مكتب "الجزائر للاستشارات الدولية" الدكتور مبارك مالك سراي أن استغلال الغاز الصخري "سابق لأوانه"، حيث "مازلنا لا نعرف التقنيات"، مستدلا في كلامه بأن الأمريكيين "استغرقوا 180 سنة بعد اكتشافه حتى بدأوا في استخراجه، بينما نحن "يضيف- ليس لدينا تقنيات وكوادر في الوقت الحالي". واستغرب سراي من تصريح الوزير الأول عبد المالك سلال حول "انخفاض مخزون المحروقات بداية من سنة 2030"، مؤكدا أن البحث والتنقيب عن النفط في الجزائر "لم يغط سوى 15% فقط من القطر الوطني". كما عارض المتحدث وزير الطاقة يوسف يوسفي، الذي صرح بأن الحديث عن الأخطار الناجمة عن استخراج الغاز الصخري "مبالغ فيه"، قائلا: أنه "ليس مبالغا فيه، بدليل أن الكثير من الدول الأوربية عارضت استخراجه، وعلى رأسها فرنسا، التي صوت البرلمان ضد استخراجه، وكذلك ألمانيا، التي عارضت البنوك تمويل استخراجه، وحتى الولاياتالمتحدة حدث زلزال في جهات معينة واضطرابات شعبية"، مؤكدا "لندع الدول الكبرى تحسن الإمكانيات ثم نرى، لا يجب التسرع واستخراجه قبل أوانه، بما يؤدي إلى عواقب مجهولة". واعتبر سراي أن استغلال الغاز الصخري "نظريا، لا يجب أن يكون أولوية من الأولويات"، مؤكدا أن "هناك خيرات أخرى في البلاد بديلة عنه"، حيث أكد أن من بين القطاعات التي يجب أن تعطى لها الأولوية هي "الجانب الزراعي، من خلال تقوية الزراعة باستعمال المياه الجوفية الموجودة في الصحراء والهضاب العليا، وتكبير الإنتاج الزراعي لكي يلعب دورا أكبر في التجارة الخارجية"، إلى جانب "موارد طبيعية موجودة يمكن أن ندعمها وتكفي لتمويل الاقتصاد الجزائري". كما أعطى الخبير الاقتصادي الدولي التدابير التي يجب اتخاذها للتخلص من التبعية للمحروقات، وجعل الأولوية، في هذا السياق، "للتعليم العالي من خلال تعليم الشباب في مستوى عال"، وكذلك "تحسين الصناعة، الزراعة والسياحة، التي فيها مداخيل هامة وتخلق مناصب عمل"، عكس الغاز الصخري الذي "حسبه " لا يخلق مناصب شغل، وإنما يستخرج بمبالغ كبيرة ويصدر إلى دول أخرى، كما أن القيمة الاقتصادية للغاز الصخري مازالت لم تعرف بعد ما إذا كان مربحا فعلا أم لا"، مبرزا أنه "إذا كنا نريد أن نخلق ثروات ونخلق مناصب عمل، فليس بالغاز الصخري، وإنما بالصناعة الصغيرة والمتوسطة، والزراعة، فبدل استغلال المياه الجوفية في الصحراء والهضاب العليا "يضيف سراي- في استخراج الغاز الصخري، فالأفضل استغلالها في الزراعة". اعتبر الخبير في الموارد البشرية عبد الحق لعميري أن المطلوب هو "أن نأخذ بعين الاعتبار النجاح علميا"، من خلال الاهتمام بما سماه "الذكاء البشري، وتطوير البحث العلمي والموارد البشرية والمناجمنت"، وكذلك "الاستثمار في الزراعة، الصناعة والسياحة، والخروج بنتيجة جيدة، لتفادي الإبقاء على تبعية الاقتصاد الجزائري للمحروقات"، مضيفا "أما إذا استمرينا في استغلال عائدات المحروقات في بناء المنشآت القاعدية، فهذه سياسة خاطئة"، يقول لعميري، "ولا تؤدي إلى أي نتيجة، لأن الذكاء البشري هو الذي يؤدي إلى تطور المنشآت"، مؤكدا أن "السياسة الاقتصادية التي اتبعناها منذ 15 سنة خاطئة"، على حد تعبيره، لأن الأولوية "حسبه- يجب أن تكون "لاستغلال الموارد البشرية، وتطوير التكنولوجيا، وتنويع الاقتصاد وتطويره". واعترف لعميري أن موضوع استغلال الغاز الصخري "أثار الكثير من الجدل"، وهذا "لأن التكنولوجيا الخاصة به ما زالت ليست متطورة جدا، كما أن المياه الجوفية عندنا غير قابلة للتبديد، وكل هذه المعطيات تقنية"، مؤكدا أنه "إذا كان هذا الخطر صحيحا، فستكون له عواقب وخيمة على الجزائر". ويعتقد المتحدث أن الجزائر "عندها عقود تجارية لا بأس بها في مجال المحروقات، وأنها تريد أن تستطيع الوفاء بالتزاماتها في هذا المجال، ولو نأخذ بعين الاعتبار الكميات الحالية للطاقة، فهي غير كافية لتوفي الجزائر بعهودها، وبالتالي، فهي "حسبه- مضطرة للاتجاه إلى الغاز الصخري". كما فند عبد الحق لعميري أن يكون الحديث عن الأخطار الناجمة من استخراج الغاز الصخري "مبالغا فيه"، كما أشار إلى ذلك وزير الطاقة يوسف يوسفي، أول أمس، قائلا: "إن الأخصائيين يعتقدون أن الخطر حقيقي وكبير، والدليل أن فرنسا منعته، رغم أنها تتوفر على احتياطي لا بأس به من الغاز الصخري، إلا أن القرار السياسي حال دون استغلاله، وهذا يدل على أن الخطر حقيقي". على عكس بقية الخبراء الاقتصاديين الذين تحدثت إليهم "الجزائر نيوز"، فقد أيد عبد المجيد قدي، أستاذ الاقتصاد بجامعة الجزائر، قرار اللجوء إلى استغلال الغاز الصخري، الذي وصفه بأنه "غاز بديل، وأحد مصادر الطاقة البديلة الموجودة في العالم"، مؤكدا أن قدرات الجزائر في استخراج الغاز الصخري "أكثر 4 مرات من قدراتها في استخراج الغاز الطبيعي، وتصنف في المرتبة الثالثة عالميا، فلماذا نفوت على أنفسنا فرصة استغلال طاقة بديلة"، مقللا من الأخطار الناجمة عن استخراج الغاز الصخري، كما يحذر من ذلك الخبراء والمختصون، حيث أكد أن "التكنولوجيات الموجودة متطورة وتساعد على تفادي الأخطار الناتجة عن استخراجه"، مضيفا "صحيح الجمعيات البيئية تضغط لعدم الإضرار بالبيئة، ولكن الضغط يجب استغلاله إيجابيا، بتطوير الإمكانيات المتاحة لاستخراج الغاز الصخري". وأكد المتحدث أنه "من صالح الجزائر أن تفكر مبكرا في الإمكانيات التي تمكنها من استغلال الغاز الصخري"، مضيفا "من ناحية الأمن الطاقوي، يجب البحث عن بدائل للطاقة الموجودة"، في ظل تأكيد سلال على انخفاض مخزون المحروقات في سنة 2030، "لأن الجزائر "يقول قدي- تصبح أمام خيارين: إما أن تبقى مصدرة للطاقة، وإما أن تصبح مستوردة لها، ولأن الجزائر "يضيف محدثنا- لابد أن يبقى لها حضور قوي في المشهد الطاقوي الدولي، يجب عليها استغلال الغاز الصخري، الذي "حسبه- من شأنه أن يسمح لها بلعب دور استراتيجي على المسرح السياسي العالمي"، معتبرا أن استغلال الغاز الصخري هو "لاعتبارات أمنية، جيواستراتيجية واقتصادية". وعن التدابير الواجب اتخاذها للتخلص من التبعية للمحروقات، أوضح عبد المجيد قدي أن الاقتصاد الجزائري "مرتبط بالنفط، والأولوية يجب أن تكون في كيفية العمل على استغلاله في بدائل أخرى، وتطويرها بما يؤدي إلى تنويع الاقتصاد الجزائري"، مشددا على أن الرهان الأساسي هو "الاهتمام بالمعرفة، والاستثمار في المورد البشري، من خلال تكوين الإطارات في الجامعات ومراكز التكوين، باعتبارها "يقول المتحدث- المنطلق الأساسي للابتكار والاختراع، الذين يمكنان من فك التبعية للمواد الأولية بشكل عام". وصف أستاذ الاقتصاد بجامعة البليدة فارس مسدور استغلال الغاز الصخري ب"الجريمة البيئية"، وهذا "خاصة وأننا لدينا خيارات أخرى، ولسنا مضطرين لاستخراجه، ومن يوحي للناس أنه ليس هناك بديل من استغلاله، فهو يكذب عليهم"، "ويخفي عليهم أن استخراجه يتطلب تكنولوجيا متطورة، وحماية المياه الجوفية التي تتوفر عليها الصحراء الجزائرية، والتي يجب أن يعلم الجميع أن هذا المخزون من المياه الجوفية يصنف كاحتياطي عالمي للمياه". وعارض مسدور بدوره تصريحات وزير الطاقة، قائلا "لو كان الأمر كذلك لأقدم عليه الفرنسيون، ولما أوحوا إلينا باستغلاله"، مؤكدا بأنه "لو لم تكن هناك أخطار في استخراجه، لما صوت الفرنسيون ضده". وشدد الخبير في الاقتصاد الإسلامي على ضرورة التخلص من التبعية الاقتصادية للمحروقات، قائلا: "ضيعنا أكثر من 50 سنة في استغلال الريع دون استثماره في قطاعات أخرى"، مؤكدا أن الحل "يكمن في إعادة استثمار الاحتياطات التي جمعناها من المحروقات في قطاعات أخرى كالسياحة، الصناعة والصناعة نصف مصنعة، وكذلك في التكنولوجيات المتطورة"، يضيف مسدور، "ولكن مع الأسف، رغم تأكيد انخفاض المخزون، إلا أن على ما يبدو، فإن هناك رغبة في إبقاء الاقتصاد الجزائري ريعيا، مع إضافة جديدة، وهي تلويث البيئة". أكد الخبير النفطي والمستشار السابق بوزارة الطاقة عبد الرحمن مبتول أن تكلفة استخراج الغاز الصخري "كبيرة، حيث تبلغ كلفة استخراج البئر الواحد 100 مليون دولار، بينما الفعالية الاقتصادية "حسبه- قليلة جدا"، على حد قوله، مؤكدا أن الهدف الأساسي "يجب ألا تكون لدينا عقلية ريعية". كما شدد على ضرورة "المحافظة على البيئة"، مبرزا أن "الكفاءة هي الأساس في القرن 21م، فالتقنيات الحالية "يضيف مبتول- وحدها الولاياتالمتحدةالأمريكية التي تتحكم فيها، لذلك لابد من شراكة مع الأمريكيين، وتكوين كوادر جزائرية للمحافظة على البيئة، لأن الشركات الأجنبية "حسبه- لن تهتم بالمحافظة على البيئة، وإنما الكوادر الجزائرية هي التي ستهتم بذلك". من جهته، اعتبر ناصر بويحياوي، أستاذ الاقتصاد بجامعة تيزي وزو، أنه "من الممكن استغلال الغاز الصخري، لأن إمكانيات الجزائر تنخفض يوما بعد يوم، ولا توجد اكتشافات"، مؤكدا أن الحل "يكمن في الاستغلال العقلاني لهذه المادة، التي تنقص يوميا، وعدم تبديد الأموال، بالإضافة إلى تطوير استراتيجية، على المدى البعيد، لتنويع وتنمية الاستثمارات، وخلق الثروة، بحيث يجب التصرف بعقلانية"، وبهذه الاستراتيجية، يقول بويحياوي "يكون لدينا إنتاج في كل القطاعات، كالزراعة، وبعض المواد الأولية، التي ينبغي عدم تصديرها بصورتها الخام، وإنما تحويلها، لإعطائها قيمة إضافية"، مؤكدا أن هذا "يحسن الإنتاج، وينوع مصادر العملة الصعبة، ويقلل من المصاريف، بحيث يكون الإنتاج متوفرا بالكمية والنوعية، وربما تغيير نمط الاستهلاك حتى لا نبقى نستهلك مواد مستوردة". وعلى غرار باقي الخبراء الذين تحدثنا إليهم، اختلف بويحياوي مع تصريحات وزير الطاقة الأخيرة، مؤكدا أن الحديث عن مخاطر استخراج الغاز الصخري "ليس مبالغا فيه"، وأنه "لا يجب الانتظار إلى أن تحدث كارثة للحديث عن المخاطر"، وأضاف "أعتقد أنه يجب الانتظار 10 أو 15 سنة أخرى، لنرى البلدان الأخرى عندما تستغل الغاز الصخري، وربما حينها تكون التكنولوجيا تطورت، بحيث تصبح الأخطار قليلة ومتحكم فيها".