اتّساع دائرة الرّفض إلى سكان الجنوب ما يزال قرار الحكومة باستغلال احتياطي الجزائر من الغاز الصخري يثير جدلا واسعا في ظلّ الدراسات الأمريكية التي أكّدت وجود خطر يشكّله استغلاله على البيئة، وإن كان قرار الحكومة مازال محلّ دراسة إلاّ أن عددا كبيرا من الأحزاب السياسية عارضته بشدّة لتتوسّع دائرة الرّفض إلى عدد من سكان الجنوب بعد أن أثبتت الدراسات التقنية أن كلّ المخزون من الغاز الصخري يوجد فيه، حيث شرعت مجموعة من الشخصيات في الجنوب الجزائري في تنشيط لقاءات مع سكان المنطقة للتعريف بخطورة استغلال هذه الطاقة وجمع التوقيعات للتأكيد على رفض قرار السلطات القاضي باستغلال الغاز الصخري، ولو بعد حين. هذا النوع من الاستثمار سيساعد الجزائر على تجاوز الأزمة النفطية التي تهدّدها في غضون 15 سنة مقبلة، حسب الوزير الأوّل عبد المالك سلاّل الذي أكّد أنه لا مفرّ من استغلال الغاز الصخري باعتبار الجزائر تمتلك ثالث احتياطي عالمي يقارب العشرين ألف مليار متر مكعّب، أي خمس مرّات احتياطي الغاز التقليدي، ولانخفاض مخزون المحروقات في سنة 2030 من خلال الاستثمارات في القطاعات الأخرى الصناعة والسياحة والزراعة، مفنّدا وجود أيّ مخاطر على البيئة أو على صحّة سكان الجنوب الذي تسعى أطراف سياسية إلى تأكيده، في الوقت الذي قلّل فيه وزير الطاقة والمناجم من خطر هذا النوع من الاستثمار الطاقوي، مؤكّدا أن مخاطر استغلال الغاز التقليدي ليست أقلّ شأنا من المخاطر التي يمكن أن تنجرّ عن استغلال الغاز غير التقليدي والصناعات الأخرى مثل الذهب، محاولا بذلك إخماد الأصوات التي تعالت مؤخّرا من طرف جمعيات وشخصيات لمنع استغلال الغاز الصخري في المناطق الجنوبية. الخبير سراي: "لجوء الجزائر إلى الغاز الصخري يترجم فشل الاستثمار الصناعي والزراعي" اعتبر الخبير عبد المالك سراي رئيس مكتب الجزائر للاستشارات الدولية أن قضية استخراج الغاز الصخري (سابق لأوانه)، حيث يستغرق الأمر خمسين أو مائة سنة حتى نخوض في التجربة، مشيرا إلى أن الجزائر لمّا فشلت في الاستثمار الزراعي والصناعي لجأت إلى الاستثمار الأسهل المتمثّل في الغاز الصخري المعروف عنه -حسبه- أنه في الدول الأخرى يشكّل خطورة من ناحية الإنتاج وتلوّث البيئية والمياه، مضيفا أنه يتسبّب في أمراض مستعصية كالسرطان والحساسية والأمراض الجلدية للعنصر البشري مباشرة بسبب المواد الكيماوية التي يمتلكها والمقدّرة ب 1500 مادة كيمائية سامّة. وأوضح ذات الخبير أن فاتورة تقنية الغاز تستعمل كمّية معتبرة من المياه والجزائر تحتاج إلى ضخّ المياه لسقي الأراضي الزراعية وليس إلى الغاز الصخري، مؤكّدا أن الغاز الصخري يكلّف أموالا طائلة لذلك لا يمكن -حسبه- استعماله بعد خمسين سنة للاستهلاك الوطني لتعويضه بالغاز الطبيعي والبترول لأن الجزائر مقارنة بالسعودية والأرجنتين تستخرج كثيرا من المواد الطبيعية. ويرى سراي أن البديل هو التنمية الزاعية، فالجزائر تزخر بمليون و400 ألف هكتار من الأراضي الزراعية القابلة للإنتاج، فيمكن استغلال المياه الجوفية الموجودة في الهضاب العليا والصحراء واليد العاملة في الزراعة بدل استغلالها في استخراج الغاز الصخري، مذكّرا بأن فرنسا منعت استغلاله منعا قاطعا في بلادها قانونيا من طرف مجلس الشيوخ، إضافة إلى احتجاجات شعبية واسعة في أوروبا مناهضة للغاز الصخري، وحتى البنوك تحدّثت في الإذاعات عن رفضها تدعيم هذه الاستثمارات. كما أعطى الخبير الاقتصادي الدولي التدابير التي يجب اتّخاذها للتخلّص من التبعية للمحروقات وجعل الأولوية في هذا السياق (للتعليم العالي من خلال تعليم الشباب في مستوى عال) وكذلك تحسين الصناعة، الزراعة والسياحة التي فيها مداخيل هامّة وتخلق مناصب عمل عكس الغاز الصخري الذي -حسبه- لا يخلق مناصب شغل وإنما يستخرج بمبالغ كبيرة ويصدّر إلى دول أخرى، كما أن القيمة الاقتصادية للغاز الصخري مازالت لم تعرف بعد إذا ما كان مربحا فعلا أم لا، مبرزا أنه (إذا كنّا نريد أن نخلق ثروات ونخلق مناصب عمل فليس بالغاز الصخري وإنما بالصناعة الصغيرة والمتوسّطة والزراعة، فبدل استغلال المياه الجوفية في الصحراء والهضاب العليا -يضيف سراي- الأفضل استغلالها في الزراعة. وقال سراي إن مشجّعي استغلال الغاز الصخري مخطئون في تقديرهم، وأن الجزائر تمتلك من الاحتياط من البترول 50 سنة. الخبير بوشاقور: "لسنا فئران تجارب" من جهته، أكّد محمد بوشاقور الخبير الاقتصادي أن الدول الأوروبية رفضت الخوض في تجربة خطيرة كاستخراج الغاز الصخري وفضّلت أن تكون حقل تجارب هذا النوع الخطير الذي ينعكس سلبا على البيئة، موضّحا أن فرنسا تريد من جديد خوض تجاربها في الجزائر، والتي هي نفسها رفضت مثل هذه العملية التي تضرّ -حسبه- الصالح العام. وأوضح بوشاقور أن الولايات المتّحدة الأمريكية خاضت تجربة الغاز الصخري في المحيط ونجحت نوعا ما في تحسين الوضعية الطاقوية، لكن في المقابل -يضيف- أن أمريكا تمتلك إمكانيات هائلة من خلال بحوثها التي تمّت على مستوى المخابر لأن استغلاله يكلّف أمولا طائلة. ويرى ذات الخبير أنه لا جدوى من استخراج مثل هذا الغاز لأن الجزائر تملك الطاقة الشمسية، فاستثمار دولار واحد في الطاقة الشمسية أحسن من استثمار دولار في استخراج الغاز من الصحراء. وقال الخبير الاقتصادي إن الدولة لم تتّخذ الإجراءات بعد قائلة إنها بصدد التحضير له ويجب أن نبدأ من الآن لأنه السبيل الوحيد للخروج من التبعية البترولية، رافضا الأمر لأن الجزائر لديها من الخيرات الباطنية والزراعية وفي السياحة ما يؤهّلها لتكون من البلدان المتطوّرة في العالم، على حد قوله. احتجاج في أدرار ضد مشروع استغلال الغاز الصخري احتجّ أمس مئات المواطنين من ولاية أدرار وممثّلين عن هيئات من المجتمع المدني ومثقّفين وحقوقيين وطلبة جامعيين أمام مخزن الوقود تيليلان للتنديد بقرار الحكومة القاضي باستغلال الغاز الصخري كبديل عن الاقتصاد دون مراعاة المخاطر التي قد يشكّلها هذا المشروع على البيئة وعلى صحّة المواطنين، وهذا في انتظار توسيع دائرة الاحتجاج لتمسّ معظم الولايات الجنوبية. وقد جاء قرار الخروج إلى الشارع للاحتجاج ضد مشروع استغلال الغاز الصخري الذي جاء ضمن مخطّط عمل الحكومة 2015/2019 بسبب المخاوف من الثأثيرات السلبية على المحيط التي ستشكّل خطرا صحّيا على سكان المنطقة. وقد عبّر المحتجّون عن رفضهم لتكرار الحكومة الجزائرية تجربة الاستعمار الفرنسي الذي اتّخذ من الصحراء حقلا لتجاربه النووية التي ما تزال تأثيراتها متواصلة إلى حدّ اليوم، حيث حملوا لافتات مدوّن عليها (الصحراء أعطتكم ما فيه الكفاية أوقفوا النزيف) و(بعد أن كنّا حقلا لقنابلكم النووية نرفض أن نكون حقلا آخر لتجارب). جاء هذا في الوقت الذي شرعت فيه أمس هيئات من المجتمع المدني ومثقّفين وحقوقيين وطلبة جامعيين في التحضير للائحة إمضاءات يوقّعها سكان الجنوب ستشمل كبداية ولايات أدرار وبشار، في انتظار تعميمها على باقي الولايات الجنوبية المجاورة بهدف إجبار الحكومة على وقف مشروعها المتعلّق باستغلال الغاز الصخري. وتجدر الإشارة إلى أن تقرير وكالة حماية البيئة الأمريكية كشف أن استغلال الغاز الصخري في أمريكا عبر 179 بئر أنتج مياها تحتوي على مستويات عالية من النفايات الإشعاعية تتجاوز المعدلات المسموح بها بمائة مرّة على الأقل، مضيفا أن طريقة الكسر الهيدروليكي تثير قلقا كبيرا في الولايات المتّحدة لما تحمله المياه الملوّثة الناتجة عنها من نفايات إشعاعية عالية تعجز محطات المعالجة عن تنقيتها، وبالتالي تصل هذه المياه بما تحمله من سموم إلى الأنهار التي تؤمّن موارد الشرب، في الوقت الذي تعدّ فيه الجزائر أوّل البلدان التي سمحت باستغلال الغاز الصخري في منطقة الصحراء، في حين أن معظم بلدان العالم رفضت استغلاله باعتباره خطرا على البيئة وحياة الإنسان، إضافة إلى أن استخراج الغاز الصخري يلوّث المياه الجوفية وينشر البكتيريا المميتة والمسبّبة للسرطان ويتلف صحّة المياه التي هي المصدر الوحيد في الصحراء الذي يعتمد عليه سكان الجنوب.