أنجزت الإدارة الأمريكية عملية تبادل أسرى مع حركة طالبان، وبوساطة قطرية، نتج عنها إطلاق سراح آخر جندي أمريكي محتجز لدى طالبان مقابل خمسة من مقاتلي الحركة، من بينهم نائب وزير الدفاع السابق بحكومة طالبان، ونص الاتفاق على منع مقاتلي طالبان من السفر وبقائهم في قطر لمدة عام. ظاهريا، وتحديدا أميركيا، قد تكون عملية تبادل الأسرى هذه إنسانية، خصوصا أن الجندي الأمريكي المفرج عنه كان محتجزا لمدة خمسة أعوام، لكنها - أي عملية تبادل الأسرى هذه - تعد أمرا سياسيا وأمنيا خطرا جدا، وحساسا، ولذا اضطر الرئيس الأمريكي للدفاع عن هذه الخطوة أمام الانتقادات التي وجهت إليه داخليا. وقناعتي أن عملية تبادل الأسرى هذه باتت تشكل قلقا دوليا أيضا، حيث إنها دلت الإرهابيين الآن على أفضل وسيلة لإطلاق سراح مقاتليهم من السجون، وذلك عبر القيام بعمليات اختطاف لأمريكيين، وغيرهم من الأجانب، لمبادلتهم بأسرى "القاعدة"، وخلافه، خصوصا مع وجود راغبين في "الوساطة" ولو لأهداف دعائية. وهنا يجب تذكر عملية إطلاق سراح الشيعة اللبنانيين في سوريا، وكذلك الصحافيين الفرنسيين، كما يجب تذكر من كان "الوسيط"! اليوم القصة مختلفة تماما عما حدث بسوريا، لأنها تعني قبول الإدارة الأمريكية بالرضوخ لابتزاز الجماعات المسلحة، والمتطرفة، مثل التفاوض مع طالبان، والقبول بإطلاق سراح مقاتليها المحتجزين في غوانتانامو مقابل إطلاق سراح الجندي الأمريكي، مما يشرعن الآن عمليات الاختطاف، وفي كل مكان، وليس بحق جنود أمريكيين وحسب، بل ربما بحق موظفين مدنيين، أو اختطاف طائرات، وخلافه، من أجل مبادلتهم بمعتقلين لدى الغرب، وهذا أمر خطر جدا، ومن شأنه أن يطلق موجة جديدة مما يمكن أن نسميه "إرهاب فك الأسرى"، الذي شرعته أمريكا من قبل في العراق، للأسف، ولكن ليس على هذا المستوى غير المسبوق الآن في أفغانستان. وكان الأجدر بالإدارة الأمريكية أن تعيد النظر تماما، وكما وعد أوباما سابقا، في معتقل غوانتانامو والمعتقلين فيه، وذلك أفضل من بقائهم في المعتقل بهذا الشكل، وكذلك أفضل من أن يجري إطلاق سراحهم هكذا من خلال تبادل مختطفين وكما حدث في قصة الجندي الأمريكي. والأمر الآخر هنا هو أنه لو كانت عملية تبادل الأسرى هذه مع طالبان قد جرت في إطار مصالحة أفغانية شاملة مع الانسحاب الأمريكي من هناك، لكان ذلك مقبولا، ومعقولا، على الأقل للتبرير، لكن ما حدث الآن ما هو إلا رضوخ من قبل إدارة أوباما لابتزاز الإرهاب. صحيح أن الرئيس أوباما لا يريد أن يكون جورج بوش الابن في مواجهة الإرهاب، لكن عليه أيضا ألا يكون بيل كلينتون في التساهل مع الإرهاب، فعملية تبادل الأسرى هذه مع طالبان تعني أن بمقدور الإرهابيين ابتزاز الدول وإجبارها على إطلاق سراح مقاتليهم المعتقلين من خلال اختطاف الغربيين وبعد ذلك مقايضتهم بمقاتلي الإرهابيين، وهذا أمر خطر، وعلينا أن نتوقعه كثيرا في قادم الأيام.