رحلت عن عالمنا صباح الأحد، الكاتبة الكبيرة فتحية العسال، رئيس جمعية الكاتبات المصريات وعضو اتحاد الكتاب، والتى يلقبها البعض بأنها "أم الغلابة وسيدة النضال"، نظرا لاهتمامها بقضايا الفقراء والمهمشين، المجتمع، والمرأة. الكاتبة فتحية العسال، ورئيس جمعية الكاتبات المصريات وأمين عام اتحاد النساء التقدمى، ولدت عام 1935 وتزوجت من الكاتب عبد الله الطوخي، والذي انفصلت عنه في فترة من حياتها، وعن تجرتها معه تقول: "زوجي يعتبر هو المربي لي من عمر الرابعة عشرة، وعشنا مع بعض على أرضية النضال الوطني والكفاح والتحرر ودخلنا السجن مرات عديدة، وكنت أقف بجانبه حين يكون معتقلا ويقف معي حين أسجن.. لكن في لحظة من اللحظات ابتدأت الأنا تكبر عندي، وابتدأ هو بسياسة الاستحواذ، هنا حصل الصدام، والعامل المساعد على ذلك اتفاقيات كامب ديفيد، حيث رفضت كامب ديفيد بشدة، أما هو فوقف مع الاتفاقيات، لذلك لم نستطع الاستمرار مع بعض." قامت بكتابة 57 مسلسلاً منهم مسلسل "رمانة الميزان، شمس منتصف الليل، حبال من حرير، وبدر البدور، وهي والمستحيل، وحتى لا يختنق الحب، وحبنا الكبير، ولحظة اختيار، ولحظة صدق الحاصل على جائزة أفضل مسلسل مصري لعام 1975"، كما كتبت عشر مسرحيات وهي "المرجيحة والبسبور، البين بين، نساء بلا أقنعة، سجن النسا، ليلة الحنة، من غير كلام". كما تأثرت بالكثير من الأحداث فى نشأتها وساهمت في تكوين شخصيتها مثل حرمانها من التعليم، بدأت الكتابة الأدبية في عام 1957 واهتمت بالقضايا الاجتماعية وقضايا المرأة بشكل خاص، تم اعتقالها ثلاث مرات بسبب كتاباتها عن قضايا المرأة. وهنا تقول: "فأنا من الأساس ضد الاستعمار وضد الفاشية وضد الحكم الفردي، وضد التبعية إن كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، وأنا كنت أيام عبد الناصر في الحزب الشيوعي بشكل سري أما الآن فلم يعد هناك سرية وأصبح الوضع مختلفا." آخر الأعمال الدرامية المقتبسة عن قصة للعسال مسلسل "سجن النسا"، سيناريو وحوار: مريم ناعوم، إخراج: كاملة أبو ذكري، ميزة قصة العسال أنها كتبتها العام 1982 عن تجربة واقعية، فهي سيدة لها تاريخ من النضال، سبق اعتقالها في أحداث سياسية، معظمها في سبيعينيات القرن الماضي. غير أنها لا تنقل هنا تجربتها الذاتية، ولا تنقل حتى تجارب زميلاتها المعتقلات السياسيات، وإنما تحاول البحث عن حياة السجينات الجنائيات بعيداً عن الصورة النمطية للسجينة، سواء السجينة المظلومة، أو السجينة عتيدة الإجرام. من تصريحاتها الأخيرة حول تحويله من الأدب للدراما، أكدت الكاتبة فتحية العسال: "أهمية وجود دراما مستندة إلى أعمال أدبية، مقابل طوفان الأعمال التجارية لأنها ترتقي بمستوى الذوق الفني لدى الجمهور، مقارنة بالأعمال الأخرى التي تتحدث عن البلطجة والعنف والسطحية الفكرية، مشيرة إلى أنها من عشاق استخدام الأدب في الدراما لأنه يعطي ثراءً للعمل الفني والأدبي معاً. ترفض العسال ادعاء البعض بأن تحويل الأدب إلى دراما تلفزيونية يأتي من باب الإفلاس، موضحة أن هذه الأعمال تتطلب مجهوداً لتقدم بشكل ملائم للحقبة الزمنية التي نحياها، وهو ما حدث بالفعل مع قصة "سجن النساء"، خصوصاً أنها كانت عرضاً مسرحيا يمتدّ على ساعتين عكس المسلسل الذي سيعرض على مدار 22 ساعة." تعتمد فتحية العسال الصدق منذ اللحظة الأولى للكتابة، فهي تعلن أنها ترددت كثيرا في البوح: "عن الإحساس بالمهانة لما حدث لي في طفولتي ومراهقتي، بفعل التخلف الذي كان سائدا"، حتى واجهتها ابنتها بالازدواجية المتمثلة في ادعاء التحرر والهروب من كتابة التجربة الشخصية. وربما كان هذا الإدراك هو أحد دوافع كتابة السيرة. الكتابة إذن هي أحد أشكال التطهر النفسي عبر إلقاء التجارب على الورق وعبر التأكيد لذواتنا أننا لا نخجل منها، فيتحول العبء النفسي إلى تجربة حياتية شكلت الرؤية وصاغت الأحداث. قبل عامين صدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب الجزء الأول والثاني من السيرة الذاتية لفتحية العسال بعنوان "حضن العمر".. وإذا كانت السيرة الذاتية هي أحد الأنواع الأدبية التي تلقى ترحيبا خاصا لأن الكاتب يقدم فيها خلاصة التجارب بحلوها ومرها، فإن السيرة الذاتية التي تكتبها النساء لا بد أن تلقى ترحيبا مضاعفا، إذ نعيش في واقع لا يعترف بخصوصية تجربة المرأة في الحياة عموما وفي النضال خصوصا. حياة فتحية العسال ليست حياة عادية، فهي حياة حافلة مزدحمة على المستويين: الخاص والعام، حياة عاصرت فيها المظاهرات المصرية ضد الاستعمار الانجليزي وأكملت مسيرتها بالتعلم الذاتي حتى أصبحت من أبرز الكاتبات. تخوض فتحية العسال منطقة شائكة لتكتب وتنزع كل ما يثقل الروح وهي تفعل ذلك بحرفية شديدة، فالمسألة ليست مجرد بوح أو فضفضة بل هي رسم لدراما حياتية باللغة العامية المصرية مما جعل الحوار يتمتع بمصداقية. فتحية العسال تبحث عن المستحيل: "عايزة اعرف انا حرة صحيح، ولا بادعي الحرية؟". وفي رسالتها بمناسبة يوم المسرح عام 2004 كتبت العسال: "في مسرحيتي الأولى "نساء بلا أقنعة" اخترت صيغة "المسرح داخل المسرح"، الصيغة التي أصبحت مألوفة في المسرح الحديث. بدأت مسرحيتي بصرخة وبسؤال، لأنني كنت أشعر أني حبلى بالكلمة من عشرات لا بل من مئات السنين. فهل آن الأوان لآلام المخاض أن تعتصر أعماقي وتدفع بكلمتي للوجود.. كلمتي.. حبيبتي.. طفولتي.. ابنتي، أسمع صوتها المختلف عن كل الآهات والإناث المستضعفة المكبوتة المقهورة والمهزومة، والتي يتردد صداها عبر أجيال وأجيال وينوء بها، وبكل المخزون، من رفض للقهر والتبعية، ضمير التاريخ الإنساني.. استحلفت قلمي بأن يتوقف ولا يسطر حرفا واحدا مستضعفا أو مقهورا، إن شعر أني قد جبنت عن قول الحقيقة، ثم طلبت منه أن يساعدني على أن أخرج إلى الوجود. عدد من النساء أعايشهن وأتقرب منهن متكلمة بألسنتهن.. بذلك نتعرى تماما أمام أنفسنا ونجلو صدأ السنين ونصرخ في وجه الظروف والأوضاع التي حرمتنا من تفجير طاقاتنا البشرية. إنني أؤمن أخيراً، أن المسرح هو الضوء الذي ينير للإنسان الطريق. ويؤمن التواصل مع المشاهد. التواصل الذي يولد الدفء بيننا سواء كنا أمام النص المسرحي أو أمام خشبة المسرح."