تتواصل فعاليات الطبعة السابعة لمهرجان أدب وكتاب الشباب.. حيث جرت أول أمس برياض الفتح ندوة حوارية تناولت "المجلات الإلكترونية ومساهمتها في نشر النص الأدبي واكتشاف كتاب جدد" ... فيما مضى، ساهمت الصحف والمجلات الورقية في نشر النص الأدبي بكل أنواعه، عبر الصفحات المخصصة للثقافة وكذا عبر ملاحقها الثقافية. وهكذا، سبقت دور النشر في الترويج للنص الأدبي واكتشاف أسماء الكتاب الذين وجدوا فيها ضالتهم، في زمن كان طبع كتاب فيه عسيرا. اليوم، تقدم التكنولوجيا الحديثة بديلا آخر، وهو الصحف والمجلات الإلكترونية. فإلى أي مدى نجحت وسائل النشر الإلكتروني هذه في دور نشر الأدب واكتشاف أسماء كتاب جدد؟ وهل تمكنت أن تكون البديل عن الصحف والمجلات الورقية؟ هذا ما حاول المشاركون في الندوة الإجابة عنه عبر مداخلاتهم. الناقد "قلولي بن ساعد" ابتدأ حديثه بالقول: "لا يمكن أبدا في تصورنا ونحن نقدم هذا العرض للمساهمة في راهن وأهمية المجلات الإلكترونية ذات الوجه الثقافي الأدبي على وجه الخصوص كفضاء مكمل للمجلات الأدبية الورقية الغائبة أو المغيبة في المشهد الثقافي والإعلامي الجزائري وللإعلام الأدبي عموما، اعتبار أن الوظيفة التي يمكن أن تقدمها المجلات الإلكترونية تتوقف فقط عند نشر ما يرد إليها من مواد ثقافية وأدبية ومساهمات إبداعية، بل لا بد أن تتوفر لدي القائمين عليها طموحات أكبر وآفاق عمل تتجاوز مسأله المساهمة في الذيوع والنشر والتداول الإعلامي لمختلف أنماط المعرفة النقدية والتجارب الإبداعية المختلفة باختلاف الحساسيات الفنية والجمالية والرؤيوية القائمة خلف كل نص أو تجربة إبداعية في القصة والشعر والرواية وفي ما لا نعلم من ضروب الإبداع غير المقيدة بنظام "نص التقعيد" ومقاييس الفصل المدرسية بين الأنواع الأدبية، وعليه نعتقد أنه لا بد لهذه المجلات أن تساهم جميعها بأقصى ما يملك القائمون عليها من إمكانات في الانتصار للنص الأدبي الجزائري ليأخذ موقعه في المشهد الأدبي العربي للدفع به إلى واجهة الاستقطاب والتلقي النقدي، فالنصوص التي يراد لها إعادة الاكتشاف والمراجعة النقدية في الفضاء الثقافي العربي عبر بعض الجوائز العربية تقف وراءها دائما مؤسسات إعلامية كبرى تعمل على الترويج لها وليس مهما شكل هذه المؤسسات ووضعها القانوني من خلال مساهمات النقاد والصحفيين والمهتمين بالشأن الأدبي خاصة ذوي التكوين الحداثي للتعريف بالمنجز الإبداعي الجزائري عبر هذه المجلات الثقافية الإلكترونية ومن خلال الكتب التي تصدر بين الحين والآخر ضمن منشورات دور النشر الجزائرية والعربية على وجه الخصوص بوصفها تملك إمكانات التوزيع واستقطاب القراء عبر ربوع الوطن العربي لإحداث التأثير المطلوب في ذائقة القارئ العربي باعتبار هذه المجلات أولا قلصت من المسافات وقضت على كل أشكال الرقابة الدينية والأخلاقية والسياسية التي ظلت ولا تزال تعاني منها الملاحق الأدبية للصحف الوطنية ... "، ويضيف بن ساعد: "حيث أنه يفترض في السياسة الثقافية التي ترعاها الوزارة الوصية أن يتم الاعتماد فيها على المدون والمكتوب، بدل التركيز على مظاهر الثقافة الكرنفالية الفقيرة معنى ولغة، وأن توفر ما يكفي من أسباب الدعم المالي غير المشروط للهيئات الثقافية والمدنية التي تضع ضمن أولوياتها إصدار مجلات فكرية وأدبية محكمة لكي يستمر وجودها في الزمان والمكان، وبما يعني من أن تحمل آفاقا بعيدة وأن تستشرف الرغبة في منح معنى آخر لسيرورة التداول الإعلامي والثقافي لأنماط المعرفة والقول الإبداعي بهدوء، وتناول علمي غير متسرع وغير مشحون بتأثيرات ثقافة "الميديا" السائدة سريعة الحركة والتحول. مجلات تشرف عليها نخب متعددة مبدعون ونقاد وإعلاميون يشتغلون بهدوء ضمن محاور معرفية وإبداعية تتناول قضايا الإبداع والثقافة العربية المعاصرة، وطالما أنه لا توجد سياسة ثقافية، مسؤولة أصلا فطبيعي جدا أن نجد من يرد ذلك إلى العوامل - السوسيو- اقتصادية وغلاء سعر الورق وغيرها من الحجج الواهية. ومع ذلك، فإن كل المجلات الأدبية الجزائرية التي تظهر وتختفي بين الحين والآخر، هي مجرد مغامرات وجهود أفراد لا يملكون من الإمكانات ما يجعل هذه المشاريع المجلاتية تقاوم إرادة البقاء، ولذلك سرعان ما تختفي، ولا أريد أن أتحدث عن بعض المجلات الأكاديمية التي تصدرها مخابر الجامعة، فرغم أهميتها العلمية والعمق المعرفي الذي يؤطر بعض توجهاتها، فهي محدودة التأثير، ولا توزع على نطاق واسع، وبالتالي لا تشكل أفقا بعيد المدى لكل أذواق القراء ومتتبعي الشأن الثقافي والإبداعي بكل توجهاتهم الإيديولوجية والثقافية، وإذن فالمجلات الإلكترونية ذات التوجه الثقافي ورغم أنها تأتي في سياق ثورة النت والتدفق الإعلامي لمختلف الوسائط الإلكترونية التي فرضت نفسها بقوة في العالم المعاصر. ويضيف بن ساعد: تقدم المجلة الإلكترونية بشكلها وبنائها الفسيفسائي خاصية مهمة لأي باحث أو قارئ، إذ تتيح له إمكانية البحث سواء في النصوص الجديدة، أو استحضارا من الأرشيف، كما تمنحه القدرة على التحكم في حجم النصوص، حسب الطاقة القرائية لأي شخص. أما الروائية نجاة دحمون والتي تنشر كتبها تحت اسم "ناردين دمون" فتساءلت: ما هي حصيلة نشر نص أدبي على صفحة خاصة على الفيس بوك؟ أيمكن للمجموعات الأدبية التي تنشر أدبا لأدباء بلا إصدارات ورقية أن تساهم في الحراك الأدبي وفي صناعة أسماء أدبية لامعة؟ وماذا عن دور المجلات الأدبية الإلكترونية الحريصة على التواجد في مواقع التواصل الاجتماعي أن تقدمه لكتاب جدد يبحثون عن منابر واقعية لأعمالهم أمام عجزهم عن إيصال إنتاجهم للصحف والمجلات الإلكترونية؟ لا يمكن لتجربة أدبية واحدة أن تلخص آلاف التجارب الأدبية التي يخوضها أدباء شباب من أجل إيصال أصواتهم، حيث يجب أن تصل وأقصد هنا وصول الدواوين الشعرية للشعراء الافتراضيين وروايات وأعمال كتب المجموعات الأدبية والمجلات الورقية، إلى دور النشر وإلى الجرائد الورقية، ورغم ذلك أستطيع الاستعانة بتجربتي الشخصية الصغيرة لشرح مسار أي أديب شاب موهوب لتحقيق الوجود الفعلي بإصدار أعماله ورقيا ونشر بعض إنتاجه في الصحف والمجلات الورقية المختلفة، والإجابة من خلال ذلك على الأسئلة المطروحة أعلاه. ورأى الروائي عبد الوهاب عيساوي أنه: "بالتأكيد لا يمكن أن نُنكر الفضل الذي قدمته المجلات الورقية للقارئ من معلومة حرصت على تقديمها بطريقة سلسة، كما صنعت لنفسها تقاليد احترافية، وأسماء صار لها وزنها في الساحة الأدبية، ولكن الأحداث الأخيرة التي انتابت العالم العربي، والانتكاسات السياسية زادت من هشاشة التوزيع، وتضاءل عدد النسخ المطبوعة، بينما على مستوى المجلات الإلكترونية الموازية لها، فإننا نلاحظ عكس ذلك، إذ أن القيم القرائية في تضاعف مستمر مما يؤكد الفرضية التي تقول إن المطالع صار يتوجه بشكل آلي تجاهها. تقدم المجلة الإلكترونية بشكلها وبنائها الفسيفسائي خاصية مهمة لأي باحث أو قارئ، إذ تتيح له إمكانية البحث سواء في النصوص الجديدة، أو استحضارها من الأرشيف، كما تمنحه القدرة على التحكم في حجم النصوص، حسب الطاقة القرائية لأي شخص، وحتى الاستفادة من متون النصوص -بالنسخ- وهذا يخولها أن تكون بديلا تثقيفيا بجدارة في المستقبل. سرعة النشر وكذلك سرعة التعديل وحركية نقل الروابط إلى مواقع التواصل جعلا من مشكلة انتشار النصوص ميسرة، فالقارئ لا يحتاج إلا إلى كبسة زر واحدة حتى يطالع النص، وتنتهي في تلك اللحظة أزمة تواصله مع الكاتب." ويضيف عيساوي: "من وجهة نظري أن الفتح الحقيقي في المجلات الإلكترونية هو حرية التعليقات، وذلك من أجل فضاء تفاعلي أوسع، فالقارئ يمكنه أن يُعبّر عن وجهة نظره في غضون دقائق معدودات، وبتكاثف التعليقات يمكن للكاتب أن يؤطر التوجهات المختلفة للقُراء، ومن ثمّ يمكنه الاختيار أينحاز لأحدها أم أنه ينحاز إلى توجهه الكتابي."