لا شيء يبرر عدم كتابتي عن ليلة ليست ككل الليالي في حياتي كمثقف ومهاجر جزائري وفي حياة الملايين من الجزائريين المشتتين والموزعين عبر كل قارات العالم بوجه عام وفي فرنسا بوجه خاص، ولو مازالت أم كلثوم على قيد الحياة حية ترزق لغنت ليلة عمر أخرى، ولا مبرر مقبول اعتبارا من اليوم مساندتي طروحات المثقفين والكتاب الذين تعالوا دائما عن شعب كرة القدم الغوغائي بدعوى تحول هذه الرياضة إلى عفيون شعوب جديد يخدم بالدرجة الأولى حكام العالم الثالث ويغير من مقولة ماركس الشهيرة. عرس مونديال كرة القدم الذي أشارك فيه منذ انطلاقه رغم أنف شيبي وانتمائي إلى النخبة التي تعادي بطبيعة موقعها ومستواها كل أنواع الإنزلاق والشطط والمغالاة والتطرف ، لم يكن عاديا ليلة قبل أمس بعد إعلان الحكم التركي صفارة الخلاص والانتصار التاريخيين اللذين أدخلا حيا جزائريا لا يحمل من فرنسيته إلا الاسم مثل ما هو حال حي برباس الأشهر، وعليه لم يكن ممكنا أن ألعب دور المثقف النخبوي الذي كثيرا ما يعيش في برجه العاجي على هامش نبض ووهج الشارع متمتعا بخلوته ومنفردا بأفكاره النظرية والتنظيرية حينما وجدت نفسي وسط أمواج المئات من الجزائريين الذين اكتسحوا شوارع الحي الأشهر في محافظة سان دونيه 93 المعروفة بسكانها المغاربيين الذين أطقلت عليهم المناضلة الجمعوية الشهيرة حورية بوثلجة تسمية انديجان الجمهورية الجدد بسبب تهميشهم كما كان الحال في الجزائر الفرنسية. قبل توجهي إلى بيت أخي حسين المشترك في قناة بين سبور الرياضية التي عززت اكتساح قطرلفرنسا رغم أنف اللوبانيين، مررت لشراء بعض الحاجات على محل كارفور بمناسبة انطلاق فترة التنزيلات أو الصولد كما يقول المثقفون والأميون والمعادون للغة الفرنسية بشكل مرضي. كانت الأجواء عادية بين مختلف أروقة المتجر الشهير الذي يعد عربيا إثنيا وسوسيولوجيا وثقافيا بحكم بشرات الزبائن ولهجاتهم المستعملة وعلى رأسها لهجة أهل القرى المحيطة بمنطقة مسيردة والغزوات وما جاورهما. وتغيرت هذه الأجواء رأسا على عقب في حدود الساعة التاسعة قبل انطلاق مباراة الجزائرروسيا بساعة بعد أن بدأ أعوان الأمن يشعرون بالراحة والاطمئنان ويتنفسون الصعداء إثر شروع الزبائن في الخروج بهدوء لافت يعكس توترا داخليا استشفه كاتب هذه السطور المحسوب على المحللين نظريا على الأقل. لم يخرج حديث الزبائن الجزائريين والمغاربيين والأفارقة وهم يتهافتون على السلع التي تبدو لهم رخيصة في مثل هذا الوقت من فصول السنة عن نطاق الحدود المرسومة له سلفا تحت وطأة الموعد التاريخي الذي اتخذ بعدا سرياليا ولا معقول من منتصف الليل حتى ساعة متقدمة من الليل السوفراني. سيارات من كل الأنواع ومهاجرون من كل الأعمار ونساء متحجبات وأخريات سافرات وأعلام وطنية ترفرف فوق السطوح وبين أيدي الرجال والنساء كانت كلها إشارات وعلامات عيد تذكر بمثيله الأول الذي أرخ لاستقلال شعب أبي رفض الذل وعشق الحرية وتاق إلى الكرامة الإنسانية. حتى أتفادى عواقب الانزلاقات والانحرافات التي لا تبرر في كل الحالات، خرجت من الزحام الرهيب وعدت إلى قريتي الوديعة التي وجدتها نائمة، وبقيت أحتفل بفضل قناة بور أفام ببهجة الانتصار التاريخي رافعا من مستوى الأغاني التي خلدت "لي فيناك" وصارخا كمثقف وكجزائري طبيعي "ون تو تري فيفا لالجيري" لكنني خفضت من درجة الصوت عملا بقانون يطبق بحذافيره في قرية أعد فيها أنديجينا كما فهمت من رئيس البلدية الذي أنوي ملاحقته قضائيا كمثقف يعرف حقوقه ويرفض تجاوزات شبان أحيائنا الجزائرية ومنها بين حي سوفران بودوت بدعوى الحقد على فرنسا العنصرية والاستعمارية الجديدة. فرنسا فيها قضاء عادل أيضا وسجنت رجال شرطة اعتدوا على مهاجرين ولا يتعامل كل قادتها مع المهاجرين كأنديجان جدد.