عادت قضية ارتداء الحجاب والنقاب مجددا إلى حقائب رجال السياسة في فرنسا، على وجه الخصوص، من أجل التحضير لضرب شعائر الإسلام ورموزه بأية وسيلة كانت قانونية أو عبر مغالطات تربط الحجاب أو النقاب بانتشار التطرف، فأزمة الحجاب -كما أشيع تسميتها خلال الأعوام الماضية- عرفت انتشارا وعدوى في عدة دول أوروبية ليست بجاهلة للإسلام ولا لقيمه ورموزه، وكأن الأمر يتعلق بالتحضير لاستراتيجية عامة قد تتبناها دول الإتحاد الأوروبي تحت زعامة اللوبي الفرنسي· ولو أن بعضها كإسبانيا وبلجيكا وبريطانيا ماتزال تنظر إلى الأمر بتحفظ وحيطة، لما يترتب عنه من عواقب خفية، لأن حظر الحجاب أو النقاب أو البرقع أمر ليس سهل التحكم في رد فعله بمجرد قانون يصدره البرلمان لتتسارع المؤسسات العامة والقضائية إلى تطبيقه بالحرف الواحد· فقبل أيام، قدمت اللجنة البرلمانية الفرنسية مقترحا يتضمن إصدار الجمعية الوطنية تشريعاً يحظر على النساء ارتداء النقاب (البرقع) في أروقة مؤسسات الدولة ودوائرها وفي وسائل المواصلات العامة· هذا الموضوع أثار ردود فعل متباينة من قبل المعلقين السياسيين، وكان مادة دسمة للصحافة في عدة دول أوروبية وعلى رأسها فرنسا وإسبانيا وبلجيكا· فهناك تضارب في الآراء السياسية والإعلامية حول ما الجدوى من إصدار مثل هذه القوانين المتطرفة في حد ذاتها والتي قد تعكر فضاءات الإندماج الحضاري والثقافي بين العالمين الإسلامي والغربي، رغم أن الهدف من هذه القوانين هو السير بخطى السلحفاة لحظر الحجاب بعد الانتهاء من حظر النقاب الذي يراه بعض المسلمين هنا في أوروبا مبالغ فيه· وإلى متى ستظل الدول العربية والإسلامية صامتة وترفض أن تدلي بصوتها لإنقاذ آلاف المسلمات اللواتي يعانين التهميش والملاحقة في شوارع أكبر العواصم الأوروبية، ولو بصفة خفية· لكن المرأة إحساسها سريع وعميق، وبإمكانها أن تشعر أكثر من الرجل بما توحي إليه نظرات رب العمل عندما تذهب إليه مرتدية الحجاب لطلب منصب شغل أو عندما تكون تتجول في شوارع مدينة أوروبية ولا تشعر بالأمان إلا وزوجها يرافقها، لأن الكل ينظر في الخمار الذي يغطي رأسها أو النقاب الذي لا يظهر ملامح وجهها، فالبعض يراها كأنها صورة للإرهاب أو الغزو الإسلامي إلى أوروبا·· وكل هذا ليس بلبلة منا بل واقع نسمعه يوميا ونقرأه في صحف أوروبية، وهذا نموذج منها رغم تضارب مواقفها· فصحيفة ''Frankfurter Allgemeine Zeitung'' الألمانية كتبت بهذا الشأن تقول إن فرنسا تلجأ إلى سلاح القانون لمنع تزايد مظاهر التطرف الإسلامي في البلاد، فبعد منع الحجاب في المدارس قبل ست سنوات جاء الآن دور النقاب، وتضيف الصحيفة الألمانية: ''حظر البرقع المقرر في فرنسا يعبّر عن عجز المسؤولين السياسيين على منع انتشار الإسلام ''المتطرف'' في البلاد بوسائل أخرى خارج إطار الإجراءات القانونية· ويفترض أن يحمل قرار منع النقاب الكامل الذي يشمل حاليا حوالي 2000 امرأة في أحسن الأحوال، إشارة واضحة إلى الملايين الستة من الفرنسيين الذين ينحدرون من أصول إسلامية· ومفاد هذه الرسالة أن فرنسا غير مستعدة للخضوع لضغوط الإسلام المتطرف من خلال تسويف مبدأ مساواة المرأة بالرجل وباسم الإسلام''· من جانبها، انتقدت صحيفة ''Liberation'' الفرنسية مقترح اللجنة البرلمانية وعلقت بالقول: ''يبدو أن الفرنسي المتعصب لهويته الثقافية بحاجة إلى أن يوقف النساء المرتديات للنقاب، اللواتي هن في الحقيقة أقرب إلى الضحايا منه إلى المذنبات، لكي يحذرهن ويوبخوهن· ألا توجد مهمة أخرى أفضل للشرطة الفرنسية في الظروف الحالية؟ ثم كيف سيفسر بقية المسلمين في البلاد الذين يعيشون بسلام وفي ظل القانون، كيف يفسرون إصدار قوانين تعبر عن عدم التسامح؟''· وعلقت صحيفة ''La Republique du Centre'' الفرنسية تقول: ''قرار منع ارتداء النقاب في المؤسسات العامة، الذي اقترحته اللجنة البرلمانية، سيتحول إلى نصف قانون لا يرضي أحدا، البعض سيعتبره غير كافٍ وآخرون يرون فيه إدانة للآخرين دون مبرر''، كلها تعليقات في الوقت الذي ما تزال الاستراتيجية الصادرة من فرنسا ضد المسلمات في أوروبا تطبخ بتوابل سامة·