في الزميلة تستند الكثير من التحليلات في تفسيرها للاحتجاجات الأخيرة في الجنوب والهضاب، والتي لم تكن لتهدئ حتى تعاود الظهور من جديد. قلت ترى هذه الأخيرة أن السبب يعود إلى نقص أو انعدام مستويات هامة ومحترمة من التنمية المحلية فيها، وأن تدارك السلطة لهذه الحالة ببرامج تنموية وبصورة سريعة قد يقلل الاحتقان ويزيل كل الألغام التي تخافها السلطة المركزية في الجنوب.، وقد يكون من بين الحلول التي تراها هذه التصريحات التذكير بأهمية الوحدة الوطنية وعدم المساس بها واعتبار أن الوحدة الترابية والجغرافية والديمغرافية أمر لا يليق أن يمس ولا على حساب أي مطلب. إذا فهذه الآراء التي لا تختلف كثيرا عن توجه السلطة المركزية لا يعطي القضية حقها من التفسير والمتابعة، إن الوضع التي تعيشه مناطق الجنوب وكثير من مناطق الهضاب، لا تنهيه برامج مستعجلة ولا تخفف منه زيارات ميدانية وإقالات في جهاز الإدارة المحلية، ولا تلغيه خطابات التهويل الأمني والتشكيك في وطنية أبناء الجنوب والمناطق المتضررة من النظرة الضيقة لهذه المنطقة سواء من أصحاب القرار أو حتى من مواطني الضفة الشمالية في الوطن الواحد. إن الواقع الذي تعيشه الجزائر اليوم من ارتفاع منسوب الوعي والإدراك وزيادة الفهم في ما تعلق بقضايا الإقليم المحلي (الجنوب والهضاب على السواء)، وما يعانيه هذا الأخير من إهمال وتهميش في جدول أعمال السلطة المركزية، وما صحبه من حالة احتجاج مستمر (رغم انقطاعه في مرات) يعود في جوهره إلى أن الحقيقة التي تحاول جهات معينة تجاهلها أو الصمت عليها، وهي كفاءة الأجهزة المحلية من جهة، وضعف الإمكان والتصرف الذي لا تملك منه هذه الأخيرة أية مبادرة أو قدرة على أن تخلق به التحول المطلوب في خيارات الجنوب و الهضاب في الجزائر. إن المدخل الذي طالب به وزير الداخلية في مرات سابقة الأجهزة المحلية بأن تكون فاعلة في خلق الثروة وتجاوز مشاكل أقاليمها، لا يمكنه أن يتحقق ولا يستطيع أي مسؤول محلي أن يكون قادرا على أن يستوعب كل المشاكل أو يسعى إلى حلها جميعا، لأن القرار الأخير والاختيار الأخير والبديل الأخير موجود في يد السلطة المركزية، وهو ما يحُول بين تحقيق الرغبة والتصرف المتلائم مع احتياجات المنطقة. وعليه فإن الذي وجب أن تقتنع به السلطة الإدارية المركزية هو وجوب الانتباه إلى أخطر وأصعب حلقة في قضايا التسيير المحلي وهي انعدام المبادرة وانعدام القدرة على التجاوب الصحيح والمنطقي على مستويات الوحدات الإقليمية في جنوبنا وهضابنا، ومن جهة أخرى هو حالة فراغ سلطوي محلي تضعه القوانين والتشريعات لتمكين أوسع للسلطة المركزية وتمددها في كل القضايا والتفاصيل. الحال اليوم يستوجب أن يكون توجيه العتاب أو النقد إلى السياسات المركزية وليس إلى السياسات المحلية التي لا أثر لها إلا في أجزاء تقنية بحتة لا تخدم المواطن في كثير من متطلباته التي يسعى إلى افتكاكها في ولايات الجنوب والهضاب، لأن الواقع اليوم يقول أن المركز هو من يسير ويدير المحلي وعلى حساب خيارات مستعجلة في هذه الأقاليم، بمنطق منعزل وغير مدرك لحقائق الوحدة الإقليمية ورغباتها ومتطلباتها، ما يعني أن المطالبة ستبقى ملحة ودائمة ومستمرة وموجهة إلى المركز وعدم انشغال أو اهتمام بالسلطة المحلية، وهذا نموذج غير صحي في دولة وطنية نظامها جمهوري وخيارها التنظيمي يفصل بين المركزي والمحلي. (*) د. عبد القادر سعيد عبيكشي / أستاذ العلوم السياسية