سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
في ملتقى وطني احتفى بالشاعر الكبير "محفوظ بلخيري" ... لهجة الجلفة وعلم اللهجات في 29 محاضرة من 11 جامعة ومركز ومدرسة عليا!! توصيات بتوثيق وتدوين الموروث اللهجي في شتى منجزاته
اختتمت اليوم مساء فعاليات الملتقى الوطني الأول "التعدد اللهجي في الجزائر بين رهانات البحث اللساني والتنوع الجغرافي والاجتماعي والثقافي – دراسات في لهجة منطقة الجلفة أنموذجا". حيث تداول على منصة الالقاء بالمسرح الجهوي بالجلفة "أحمد بن بوزيد" أساتذة وباحثون قدموا من 11 جامعة ومركز ومدرسة عليا وألقوا 29 محاضرة تناولت القضايا النظرية في اللهجات والأطالس اللغوية والجوانب التطبيقية في البحث اللهجي بمنطقة الجلفة. ولم يفوّت المنظمون الفرصة لدعوة الشاعر الفحل الأستاذ بلخيري المحفوظ الذي افتتح الملتقى بواحدة من روائعه في الشعر الملحون مما أعطى للملتقى زخما بمدونة لهجية حيّة في صورة ابداعية. وقد شهد الملتقى ثراء وتنوعا في الأبحاث والدراسات التي جادت بها قرائح الأكاديميين المحاضرين. فالدكتور حبشي التيجاني لفت الانتباه خلال ترأسه الجلسة الافتتاحية الى ضرورة تثمين البحث اللهجي العلمي الرزين وتصفيته من التعاطي الايديولوجي الذي تدفعه العصبية والحقد على اللغة العربية الفصحى. أما الدكتورة آمنة مناع من ورقلة، فقد تحدثت عن صناعة الأطالس اللغوية والمشروع الذي يتم بورقلة في هذا الاطار. وأكدت أن الأطالس اللغوية لها سابق ارهاصات في الموروث اللساني العربي القديم. كما تحدثت عن بعض معايير اعداد الأطالس ومنها معيار الفصاحة ومعيار البعد عن الحاضرة والبادية. وفرّقت الباحثة بين مصطلح "الراوي" في الموروث اللساني العربي والمصطلح الحديث "المتحرّي" باعتبارهما مختصين في التدوين اللهجي. ومن جهته أفاد الدكتور بوزيدي اسماعيل، المدرسة العليا للأساتذة ببوزريعة، بأن لغة الأم (اللغة المكتسبة) التي يأتي بها الطفل الى المدرسة يجب أن تشكل نقطة انتقال لإتقان اللغة الأم (اللغة المُتعلَّمة) وهذا عن طريق ما سمّاه بمنهجية الانتقاء ثم الاثراء ثم الارتقاء أي الانتاج والتعبير الشفوي أو الكتابي، على حد تعبير الباحث. وألحّ الأستاذ بوزيدي على ضرورة عدم تجاوز لغة الأم أو اقصائها وانما تهذيبها باعتبارها رصيدا لغويا. أما الأستاذ بن مبخوت محمد، فقد رجع الى أبي اللسانيات في الجزائر الأستاذ الدكتور عبد الرحمان حاج صالح، رحمه الله، حين فنّد رأيا استشراقيا مفاده أن العرب لهم لغة أدبية ولغة أخرى هي اللهجة. بل إن العرب، يقول الأستاذ بن مبخوت، لهم مقامان في اللغة وهما: مقام اجلالي ترتيلي ومقام ابتذالي ليضيف بالقول أن اللغة لها أسطول وقوة عكس اللهجة. وقد ذكّر في هذا الصدد بمحاولة فرنسا نشر الدارجة في التعليم الرسمي ليُقابل ذلك بجهود معتبرة من خلال تأسيس 400 مدرسة حرة من طرف جمعية العلماء المسلمين الجزائريين . وفي الجانب التطبيقي لبحثه، أثرى نفس الباحث محاضرته بنماذج لهجية من منطقة الجلفة مع تأصيلها من خلال ظاهرة الاختزال في: كلمة "وشراك "وأصلها "وأيّ شيء أراك؟" وكلمة "ورّاك" وأصلها "وأين أراك؟". ومن جهته دعا الأستاذ الدكتور قنشوبة أحمد الى تجاوز الحديث عن كون اللهجة الجلفاوية هي الأقرب الى العربية الفصحى لأن ذلك معروف. وفي مقابل ذلك رفع الباحث نداء الى ضرورة الانتقال الى الدراسات التطبيقية لوضع المعاجم والأطالس اللغوية. وفي الجزء التطبيقي لمحاضرته، رجع الأستاذ الى قصيدة "فطّ القلب" لفحل الشعراء الأستاذ بلخيري محفوظ حين وصفه بصاحب الثقافة العالمة والقدرة على تطويع اللهجة والفصحى معا وأن الشاعر بلخيري ليس عاجزا على النظم بالفصيح بل له ميل روحي الى الملحون وأن هذا الأخير، أي الشعر الملحون، حين اختاره الكثير من الشعراء انما اختاروه لقدرته على الانتشار. ودائما مع الشاعر محفوظ بلخيري الذي اختاره أيضا الدكتور جاب الله سمير، جامعة بوزريعة، في دراسة تحليلية لخطابه من خلال قيمة اللفظ وقوته الإنجازية. وقد كانت الدراسة التطبيقية للباحث جاب الله على 47 قصيدة للشاعر بلخيري. ومع تحليل الخطاب اللهجي لمنطقة الجلفة، اختار الدكتور ابراهيمي الحاج أن يطرق موضوع التأدّب في لهجة سكان منطقة الجلفة. وقد رصد الباحث 08 مظاهر تأدبية في المدوّنة اللهجية لمنطقة الجلفة مع اعطاء الأمثلة الحية عنها. فذكرة ظاهرة التصغير في الطلب "مويهة (ماء) قهيوة (قهوة) ...)، وظاهرة التقليل في استعمال القاف في قولنا "قالعافية، قالخير" أو الاجابة مثلا حين قرع الباب "افتح، قا أحمد" والغرض من كل ذلك هو التحفيز والتحبيب والتقريب ليضيف الدكتور براهيمي أن هذه "القاف" لها عجائب في لهجة الجلفة. كما عرّج الباحث على ظاهرة التكرار والتبيين في سياق التأدب وظاهرة التلطف في الطلب كالدعاء "ربي يحفظك" أو قولنا "في كُبرتك" والدعاء بعد اسداء الخدمة ولو كانت واجبة كأن نقول لسائق سيارة الأجرة "يرحم والديك" رغم أننا دفعنا له الثمن المعلوم. وفي هذا السياق أكد الأستاذ على أن هذا التأدب يحث على حميمية العلاقات المهنية ويكون له اثر على زيادة الانتاجية. أما ظاهرة استعمال أدوات التنبيه للربط وأدوات التقدير فأعطى حولها أمثلة من قبيل "يا خي= يا أخي" و"يا سيدي" و"بالعافية" و"الربح". وحتى ظاهرة الفأل الحسن في قولنا "الرفقة" بمعنى "العرش" لتحيل على الألفة بين أفراد "الفِرقة" وتتجنب الاشارة الى "الفُرقة". أما الأستاذ بن سالم المسعود فقد رجع في محاضرته الى استنطاق أسماء الأماكن "توبونيميا" والأعلام "باترونيميا" (الألقاب وأسماء الأشخاص) بغية تأصيلها لغويا كمصدر من مصادر المدونة اللهجية لمنطقة الجلفة. وقد قدم الباحث أمثلة عن أسماء الأماكن والأعلام مع تأصيل لغوي في اللغات العربية القديمة (البربرية استنادا الى معجم الدكتور عثمان سعدي وغيره) واللغة العربية الحديثة واللغة العثمانية. كما قسم الدلالات اللغوية لأسماء الأماكن الى 03 أنواع "توبونيم بدلالة تاريخية، توبونيم بدلالة تضاريسية، توبونيم بدلالة تراثية". وبشأن التأصيل العربي للهجات البربرية فقد أعطى الباحث مثالا باسم جبل "سردون" بمنطقة زنينة حيث أن سردون اسم بربري بمعنى "البغل" وتأصيله العربي، حسب معجم عثمان سعدي، هو من الفعل سرد/ أسرد البغل أي يمشي بتتابع لأن البغل يتم ترويضه على طريقة المشي بربط رجليه لكي "يُسرد" في مشيه. وذكر الباحث أيضا بعض الصيغ ذات الأصل "اليمني-الحميري" و"الفينيقي-البونيقي-الكنعاني-الشامي"مثل "تاء المفعولية" البونيقية في قولنا (بيناتنا/بيننا، بيناتكم/بينكم، بيناتهم/بينهم)، والاستعمال الفينيقي للفعل "عاد" بمعنى "عوّل" في وقلنا (عاد راك رايح). وذكر الباحث أيضا "النون الحميرية" في كل من "تقرسان وتيولفين" وهي مناطق بالجلفة، و"تاء التأنيث الحميرية" في تعظميت، وصيغة "افعول الحميرية". وقبيل اختتام الملتقى تم تلاوة التوصيات من طرف الدكتور بوزيدي اسماعيل ثم أحيلت الكلمة الى السيد مدير الثقافة "عبد المجيد مرسيس" الذي أعلن عن أن مديريته مستعدة لتنظيم الطبعة الثانية في بُعد دولي. ليتم بعدها تكريم المشاركين بحضور كل من نائب رئيس الجامعة للتدرج الأستاذ الدكتور لخذري عيسى وعميد كلية الآداب واللغات والفنون الدكتور عبد الوهاب مسعود ونائب العميد الدكتور قراش محمد. مختصر التوصيات: * طبع أعمال الملتقى * ترسيمه وترقيته الى ملتقى دولي * انشاء مركز لحماية التراث الشفهي بالجلفة * انشاء أطلس لغوي يُعنى بلهجة منطقة الجلفة وما جاورها * تأسيس شراكة علمية بين كلية الآداب واللغات والفنون ومديريات الثقافة والتربية والمجاهدين والشؤون الدينية. * تشجيع الطلبة الباحثين (الماستر والدكتوراه) على تناول اللهجات كعينات دراسة * تشجيع الطلبة المبدعين