لا يختلف اثنان في أن النمو الاقتصادي والدخل القومي ومستوى التعليم والخدمات و البُنى التحتية والحريات الفردية تعتبر مؤشرات حقيقية لتصنيف الدول إلى دول متقدمة ودول متخلفة ودولا تسير في طريق النمو، مما يطرح العديد من الأسئلة، أبرزها كيف نستطيع بناء دولة قوية ومجتمع متقدم أو من أين نبدأ ذلك...؟ إن الأمر بطبيعة الحال ليس بالهيّن أو السهل بل يتطلب وجود فلسفة عميقة تكون بمثابة قاطرة تتبعها إصلاحات عميقة وجذرية بدأ بالمدرسة المنوط بها إعداد مواطن صالح يعتز بانتمائه للوطن ويسعى لخدمته والذود عنه، وإعلام حيادي ومحترف هدفه البحث عن الحقيقة ونقلها بكل موضوعية وحيادية، ومؤسسات دستورية تعبر حقيقة عن إرادة الشعب وتطلعاته، ونخب فعّالة تعبّر عن آرائها بكل حرية، بيد أن أي مشروع سياسي للنهوض بالدولة مهما كان صادقا سيصطدم بالبيروقراطية وعقلية ملئ الفراغ و "البريكولاج" بتقديم أرقام غير حقيقية ومعطيات مغلوطة من جهة في ظل إدارة تعودت على الشكليات والمناسبتية والخوف من المواجهة بالحقيقة، و عدم تنفيذ البرامج والتوصيات بجدية لا نقول باحترافية من جهة أخرى... المسألة في غاية التعقيد حين تجدنا عاجزين عن إصلاح حفرة في الطريق العام وطمرها بقليل من الزفت أو سقي شجرة تم زرعها ونسيانها أو تنظيف شارع في المدينة من القاذورات... بين إدارة لم تقدر على توفير حاوية عصرية ومواطن لم يستطع أن يضع القمامة في مكانها المناسب، ومرفق عام تعوّد موظفوه على الغيابات المتكررة ومواطن يفرغ جام غيضه وغضبه في وجه أول موظف يصادفه... تجد الأمر أكبر من أن يكون مجرد ظواهر اجتماعية أو مظاهر عامة بل يتعداه إلى أبعاد اجتماعية ونفسية وبيروقراطية متشابكة، فمن يحاسب من؟ ومن يراقب من ومن هو المسؤول عن من؟. إن مؤشرات نجاح أي مشروع سياسي أو إصلاحي يبدأ من أبسط الأمور ربما من حفرة في الطريق... حين تجد مدينة مليئة بالحفر وعلى مرأى من المواطنين و المسؤولين المحليين والوطنيين تجد أن الأمر ليس عاديا حين نعجز عن التكفل بالانشغالات البسيطة واليومية والعادية حتما ودون شك سنعجز عن الانشغالات الكبيرة والعميقة، إن الوصول إلى دولة قوية ومجتمع متحضر يبدأ من أبسط الأمور من طريق بلا حفر وحي نظيف وشجرة في الطريق يتم سقيها والاعتناء بها بانتظام ومواطن متفهم وموظف جاد وملتزم في ظل منظومة متجانسة ونسق محكم ومنظم.