كانت قصة خيالية بالنسبة لنا تلك التي روتها لنا حدة الطالبة الجامعية في كلية العلوم الإنسانية تخصص تاريخ عن مكتبة "النور - مالك بن نبي" ، سردتها لنا و نحن نندهش لعجائب هذه المكتبة التي بدأ مشوارها من غرفة خصصتها مسعودة في بيتها لتحضن فيها تلميذات في السنة الثالثة ثانوي مع كم من الكتب الثقافية و الدينية التي جمعتها في مكتبتها الخاصة و أرادت أن تخدم بها مجتمعها ، ولم يروي ظمئنا سماع باقي الحديث حتى قمنا بزيارة لهذه المكتبة . حب العلم أتى بفكرة مكتبة النور - مالك بن نبي "مسعودة زناتي" كانت صاحبة فكرة هذه المكتبة التي نبتت من معاناة كفف ولد مع ولادتها فطموحاتها في تحصيل أعلى درجات العلم توقفت لأسباب صحية منعتها من متابعة دراستها و رغم ذلك تحدت كل الظروف الصعبة و العقبات لتصبح معلمة " براي" كما كان حبها للعلم نقطة تحول كبيرة في حياتها حين انتقلت بها من حلم راودها الى واقع أسست فيه مكتبة تهتم بالجانب الديني و العلمي و الثقافي و الاجتماعي ، و في 01 سبتمبر 2002 افتتحت مكتبة النور مالك بن نبي و التي عمدت صاحبتها على نقلها من ذلك المكان الصغير الى مبنى فوق بيتها التي تسكنه في حي برنادة فقد تحدثت لنا في لقائها بنا أن خدمة الفقراء و المساكين في جميع مناحي الحياة كان أكبر همها و هذا الحي معروف أن عدد الفقراء فيه و المحتاجين مرتفع بنسبة كبيرة و قد استوقفت أذهاننا لوهلة عند السؤال الذي طالما كانت تطرحه على نفسها كيف للفقير أن يقرأ ؟ ففهمنا من خلال حديثها سبب اختيار شعار المكتبة دينية – علمية – ثقافية – اجتماعية ، كما ساهمت معها نخبة كبيرة من الأساتذة و المثقفون و الأئمة من صفوة المجتمع في الجلفة في تطوير المكتبة و تقديم المساعدات و التبرعات التي هي العامل الأساسي التي تقوم عليها ، و في ذات الصدد قابلتنا النائبة المساعدة نجمة آيت يوسف التي كانت ماكثة في البيت قبل التعرف على الأستاذة مسعودة و عندما عرضت عليها فكرة المشروع لم تترد في الانضمام دون مقابل و هي الى غاية اليوم تعتبر الساعد الأيمن لصاحبة المكتبة التي عددت مناقبها و أعمالها الخيرية لأكثر من مرة. في مغارة علي بابا قابلتنا مشقة و نحن في طريقنا الى المكتبة لجهلنا نوعا ما بطرق و حي برنادة لكن فور وصولنا إليها لا أدري لماذا تذكرت قصة علي بابا و مغارة افتح يا سمسم مع أن المكان لا يشبه المغارة لكن الأمر الجميل الكنز الذي و جدناه داخل هذا المكان فقد كان أغلى من الكنز الذي و جده علي بابا ، كتب مصطفة على الرفوف يفوق عددها 1000 كتاب تتنوع من دينية الى ثقافية و أخرى كتب و بحوث مدرسية كل من يتسنى له قراءتها يصبح ثريا ليس بالمال و إنما بالمعلومات التي أصبحت العمود الأساسي الذي نعتمد عليه في عصرنا اليوم ، و قاعة الكتب كانت أول جلستنا فيها بعد ذلك أدرجتنا الزميلة حدة الى قاعتي المطالعة و كانت شبيهة بأقسام المدارس فهي تحتوي على طاولات مدرسية و صبورة تقابل هذه الطاولات كما صادفنا في رواق المكتبة صورة للمفكر مالك بن نبي التي اتخذت الأستاذة مسعودة من اسمه عنوان مكتبتها و صورة أخرى لجبران خليل جبران ، و رغم ضيق المكان و بساطته الشديدة و العفوية إلا أن أجواء التفاؤل فيه و الحميمية و طيب الكرم جعل منه مكانا يزدان بورود العلم و تضيئه شموع الأمل و العمل. نشاطات مكتبة أم جمعية !؟ كانت الأستاذة مسعودة قد قدمت لنا نسخة من مجلة المكتبة عرفنا من خلالها أهداف المكتبة التي تتجلى في السعي نحو محو الأمية و تعليم القرآن الكريم ، إقامة الدروس التدعيمية و تقديم الخدمات المكتبية لانجاز البحوث و المطالعة كما تقوم المكتبة على تنشيط مسابقات فكرية و العمل على مساعدة الفقراء و المساكين و إعانة ذوى الاحتياجات الخاصة في المراكز و المستشفيات...فنشاط المكتبة لم يتوقف فقط في الجانب العلمي هذا ما أكده لنا ملف النشاط الخيري الذي تفحصناه و رأينا الانجازات الهامة التي سهرت عليها الأستاذة و القائمين معها على تلبية احتياجات المجتمع و كنا قد سألنا المسيرة عن أهم جانب نجحت المكتبة في تحقيقه بشكل كبير فأجابت " الجانب الاجتماعي" فأردنا أن تضرب لنا مثلا فتذكرت قفة رمضان التي وزعت على الفقراء بكميات أكبر من تلك التي جهزتها البلدية ، لكن بدت بعد ذلك متأسفة كون أن نشاط المكتبة في الآونة الأخيرة تراجع لأسباب غير مرئية غير أنها تحلم بالأفضل في المستقبل القريب، و بعد التعرف على مختلف النشاطات استغربنا كيف لمكتبة أن تقوم بكل هذه الأدوار التي في الغالب نرى أن الجمعيات الخيرية هي من تتبنى مثل هكذا أعمال لكن الأستاذة مسعودة كانت لها فلسفة خاصة في هذا الموضوع فهي ترى أن كلمة جمعية قد اتسخ معناها الجوهري إذ أصبح كل من هب و دب ينشأ جمعية في الغالب تعمل لحساب أصحابها أو لأحزاب سياسية و هي بدورها لم تكن تريد أن تتقيد بجهة معينة فهي تؤكد أن هذه الأعمال و النشاطات يجب أن تكون خالصة لوجه الله لا أن تتبع نظاما أو حركة أو غير ذلك و للملاحظة قد عرض على الأستاذة لأكثر من مرة فكرة تحويل المكتبة إلى جمعية لكنها كانت دائما تقابل هذه الفكرة بالرفض . حور عين المكتبة هذا ما أردت أن أصف به بنات المكتبة أو كما أسمتهن الأستاذة بجنود الخفاء لكن ارتأيت أن أطلق عليهن هذا الاسم لأن جمال أنفسهن و تواضعهن جعل من المكتبة بمثابة الجنة التي يجتمعن فيها لطهر أخلاقهن و حبهن للعلم فمسعودة زناتي رأت في حدة و فاطنة و أمينة و سعدية و حليمة طموحها العلمي و ظروف الحياة جمعتهم بها فاستقبلتهن في غرفة المكتبة التي خصصتها لها في البداية لتتطور الأحداث و تكبر المكتبة لتكبر معها هؤلاء البنات اللواتي نجحن في الحصول على شهادة البكالوريا ليلتحقن بالركب الجامعي كما نذرن أنفسهن لخدمة الرحمان فيساهمن في تنظيف المكتبة تارة و متابعة بعض النشاطات الخيرية تارة أخرى إضافة أنهن المسؤولات عن ترتيب و تصليح أغراض المكتبة و مساعدة بعض تلاميذ الابتدائية في إعطاء دروس تدعيمية و غيرها من الأعمال التطوعية.غادرنا المكتبة ، أو هذا المكان المتعدد الخدمات على أمل العودة إليه من جديد في ظروف غير العمل الصحفي ، غادرنا و لم يكن موضوع حديثنا سوى عن مكتبة النور مالك بن نبي طيلة الطريق الذي كان طويلا و نحن ذاهبون لكنه قصر و نحن راجعون حين قالت لي زميلتي مفيدة " وصلنا بسرعة