في قلب مدينة تبسة، وبشارع بخوش محمد السدراتي "والأغلبية لا تعلم" يقع بيت المفكر مالك بن نبي، بيت تحوّل إلى مأوى لانحرافات وشذوذ بعض الأشخاص على القيم والتاريخ والمبادئ التي عاش لها مالك بن نبي ومات من أجلها. قصة البيت، تذكر أشهر الروايات، أنه تمّ شراؤه من طرف والده "عمر" خلال الثلاثينيات من القرن الماضي قرب محكمة تبسة القديمة التي تطل على باب كركلا الشهير، وقد نشأ الإبن مالك وترعرع بالبيت بضع سنوات، إلى غاية انتقاله من تبسة إلى فرنسا لمواصلة دراسته. وفي تلك الأثناء، انشغل والده مع بعض أعيان مدينة تبسة بتأسيس جمعية تهذيب البنين والبنات بتبسة حسب ما أورده الشيخ محمد علي دبوز في كتابه نهضة الجزائر الحديثة وثورتها المباركة. وبعد الإستقلال، بقي مالك بن نبي متعلقا بمدينة تبسة كمدينته الثانية بعد قسنطينة في زيارات مستمرة لأسرته ولبعض العائلات القريبة منه إلى يوم وفاته في شهر أكتوبر 1973، وعلى الرغم من محاولات بعض الأشخاص من سكان مدينة تبسة شراء بيت مالك بن نبي، إلا أن هناك رفضا وبإجماع من الأسرة لبيع المنزل أو التنازل عنه، وكأن بأسرة مالك بن نبي أرادوا أن يتركوا آثارا بمدينة الشيخ العربي التبسي على غرار المنزل الذي يوجد بمدينة قسنطينة مسقط رأس العلامة الشيخ عبد الحميد بن باديس، لكن الواقع الآن، أن مسكن عالم ومفكر الجزائر مالك بن نبي، الموجود بتبسة تحوّل إلى نسي منسيا وضربت عليه، خاصة في جزئه العلوي العنكبوت نسيجها. ومع مرور الأيام والشهور والسنين، تحوّل الشارع الذي يوجد به المنزل، إلى مكان مشبوه لتواجد بعض الحانات به، مما قلل حركة المارة به، خاصة في النهار ليتحوّل في الليل قبلة إلى زبائن المشروبات الكحولية والانحرافات الأخلاقية، ليتمكن أحد الأشخاص من استغلال المنزل ويتخذه مقرا لإقامته، ثم بعد ذلك يتنازل عنه لأحد الأصدقاء، وهو الذي يكون من بين الذين تمّ توقيفهم داخل المنزل وبحوزتهم خمور ومخدرات حسب ما أشارت إليه الشروق في عدد أمس وهو الموضوع الذي حرّك مشاعر الناس والسكان وأعيان المدينة وحي الذين كانوا لا يعرفون بأن مالك بن نبي، أقام بتبسة وله منزلا خاصا ولما إطلعوا على موضوع الجريدة تحولوا إلى الشارع ليشاهدوا بأم أعينهم المنزل الذي آوى أسرة مالك بن نبي لعشرات السنين وهو الشارع الذي قال بشأنه أحد الجيران بأنه كان يسمى في زمن الإستعمار باسم شارع "النبي" للمكانة التي كانت تحظى بها العائلة بين سكان حي وسط المدينة. وبالمناسبة، كان للشروق اليومي نهار أمس زيارة لبيت مالك بن نبي، حيث كان الحديث مطوّلا مع بعض ممن تأثروا وما حصل لبيت مالك بن نبي، حيث أكد الحاج كافي عبد القادر، الذي يملك منزلا مقابلا لمنزل مالك بن نبي، بأن ما يتعرّض له منزل العلامة الفذ مالك بن نبي، جريمة في حق التاريخ وفي حق العلماء والمفكرين، ومن الجبن أن يبقى الإنسان ساكتا على المعالم وهي تندثر بين أيدينا.. وبالمناسبة، قال الحاج كافي: لقد قدمنا عدّة شكاوى سابقا للمسؤولين للتحرك وحماية هذا المنزل من المنحرفين، لكن الوضع بقي على ماهو عليه إلى غاية التحرّك الأخير لرجال الأمن، الذين أوقفوا مجموعة أشخاص في حالة تلبس داخل البيت، مثل ما أشارت إليه الشروق اليومي، هذا ولم يفوّت محدث الشروق أنه اتصل رفقة بعض الأشخاص بأهالي مالك بن نبي لإعادة الإعتبار للمسكن بأي طريقة كانت، لكن فكرة المشروع لم تكتمل بعد.. ومما يؤسف له كما قال بعض تجار الحي، أنه لم توجد أي جهة رسمية سواء من مديرية الثقافة أو السياحة أو البلدية قاموا، بزيارة البيت والتفكير فيه كمشروع مستقبلي، فباستثناء كما قال كافي عبد القادر، الزيارة التي قام بها "نور الدين بوكروح"، رئيس حزب التجديد الجزائري "لأسباب سياسية" فلم تحدث أي زيارة كانت لشخصية سامية أخرى.. وبالمناسبة، طالب كثير المواطنين على غرار ما تقدمت به إحدى الجمعيات التاريخية بالولاية بضرورة تأسيس جمعية تاريخية تتخذ من دار مالك بن نبي مقرا لها أو مكتبة خاصة يكون مقرّها المنزل على غرار ماهو حاصل بكثير المناطق.. وفي ردّه على الجريمة التي حصلت بمنزل أحد أعلام الجزائربتبسة، أكد الدكتور محمد مراح، الباحث في فكر مالك بن نبي، بأن الانتباه وإهمال أحد أهم الآثار المادية للمفكر مالك بن نبي ببيته خاصة من الجهات المسؤولة وكذلك من أهله، والعرف المعمول به لدى الدول المتقدمة التي تنزل الثقافة والمثقفين المتميزين فيها المنزل اللائق بهم، ومن ذلك استغلال أثارهم وممتلكاتهم في السياحة الثقافية لتحول بيوتهم ومكتباتهم وحتى لباسهم ومستعملاتهم الشخصية ضمن متحف، وواصل الدكتور بأن الحدث الشنيع الذي كشفت عنه السلطات الأمنية والذي اطلعنا عليه في جريدة الشروق اليومي، أنسب فرصة لتبادر الدول الجزائرية بتحويل البيت إلى متحف للمفكر مالك بن نبي، خاصة وأن الفكرة كما قال مقبولة لدى زوجة مالك بن نبي، التي طرحنا عليه المشروع سنة 1990 ورحبت بها، لكن البيت يجب أن يبقى بعيدا عن أي شكل من أشكال الإستغلال والأفضل أن تتكفل الدولة بتحويله إلى متحف على غرار ماهو حاصل في مصر، حيث تمّ تحويل فيلا رامتان، للأديب طه حسين إلى متحف، وفي ألمانيا تمّ تحويل منزل الفيلسوف "قوثا" إلى متحف. وعن إمكانية خلق نشاط أو عمل ما يؤرخ لحياة المفكر ويبرز العلاقة بين مالك بن نبي ومدينته الثانية تبسة أكد الدكتور عمار بوضياف بأن هناك مشروع ملتقى دوليا حول فكر مالك بن نبي سيقام بجامعة تبسة السنة المقبلة وهو بالتنسيق مع المركز الثقافي الإسلامي وسيكون تحت الرعاية السامية لرئيس الجمهورية وهذا بغض النظر عن الأعمال التي أقيمت بجامعة تبسة خلال السنوات الفارطة حول شخصية مالك بن نبي من تنظيم طيلة الجامعة. وإلى غاية تحرّك الجهات المعنية، أكد بعض الباحثين والأساتذة أنه بصدد كتابة عريضة موقعة من كل المخلصين والمثقفين والوطنيين سترسل إلى رئيس الجمهورية لحماية مآثر مالك بن نبي، ودار تبسة واحدة من ذلك.. المؤلم أن في قسنطينة لا حديث ولا تنديد من أهل الثقافة الذين يبدو أن كثيرا منهم غير مهتم إن لم نقل لا يعرف الرجل أصلا. ب. دريد