إن الحديث عن الاستقلال والنصر يجرنا دائما إلى فتح صفحات الذاكرة التي ارتبطت بالثورة التحريرية والتي تكللت بوقف لإطلاق النار يوم 19 مارس 1962، هذا الحدث الذي بقي راسخا طيلة 59 سنة وانتهى باحتفالات عمّت ربوع الوطن، لكن رغم الأهمية الكبرى للذكرى إلا أن الكثير يجهلون صيرورة هذه الاحتفالات خاصة في تراب الولاية السادسة التاريخية، باعتبار أنها كانت صمّام الأمان للاستقلال، فبفضل جنودها وقادتها الأشاوس لم تكن للمفاوضات الجزائرية مع العدو الفرنسي لتكتمل لولا المعارك الضارية والمظاهرات التي جابت شوارع مدن ورقلةوالاغواطوالجلفة وغيرها من مدن الولاية السادسة التاريخية، ولعل الحديث عن عيد النصر واحتفالاته يقودنا حتما لمعرفة صداها في الذاكرة التاريخية التي لم تعطها حقها باعتبار أنها غيّرت مسار الأحداث بعد الاستقلال، فكانت سببا في توزيع الأدوار السيادية في السلطة ومن هذا المنطلق سنتحدث اليوم عن احتفالات الولاية السادسة بعيد النصر والاستقلال من خلال هذه الورقة التاريخية. احتفالات مدينة امدوكال وبوسعادة 13 افريل 1962 يذكر المجاهد والمؤرخ "الهادي احمد تمام درواز" في كتابه العقيد محمد شعباني الألم والأمل أن مدينة امدوكال أول بلدة يدخلها جيش التحرير ليشارك الجماهير الشعبية فرحتهم بالنصر ويقطفوا ثمار تضحياتهم والانتصارات التي حققها الشعب الجزائري ضد جيوش البغي والعدوان، فكانت الفرحة عارمة والمدينة مزيّنة بالأعلام الوطنية وأقواس النصر، وخرج الشعب عن بكرة أبيه نساء ورجالا شبانا وشيبا للمشاركة في هذا اليوم الأغر من تاريخ الجزائر المستقلة، وشارك أهل البلدة حشد كبير من المواطنين جاؤوا من كل حدب وصوب، من الولاية ومن كل أنحاء الوطن لمشاهدة أبنائهم المجاهدين في زيّهم العسكري واستعراضهم المنظم والجيد وتحت زغاريد النسوة وصيحات "الله اكبر" و"تحيا الجزائر" و"يحي جيش التحرير الوطني" متبوعا بطلقات الرصاص تعبيرا عن الفرحة والابتهاج ودام عرس الاحتفالات الرسمية حتى 5 جويلية 1962... من جانبه يؤكد المجاهد والمربي الشيخ "محمد يحيى الحرزلي" في كتابه وقفات من تاريخ منطقة بوسعادة النضالي "بان أول احتفال أقيم في الولاية السادسة كان في مدينة امدوكال حيث ألقى فيه العقيد محمد شعباني قائد الولاية السادسة خطبة تاريخية أمام ألاف المواطنين المتوافدين بعد كلمتي الرائدين "محمد قنتار" و"عمر صخري" ، فكان اللقاء بهيجا سعد به الجميع . مدينة بوسعادة هي الأخرى لبست حللا زاهية ، الأعلام ترفرف على مشارف البيوت والمؤسسات والشوارع مزدانة بكل ما هو جميل وجذاب، أنوار ساطعة ليل نهار ، طلقات البارود ، الزغاريد انه العرس الأكبر عرس الحرية والاستقلال وكان حينها المجاهد محمد يحيى الحرزلي بالقرب من العقيد محمد شعباني منشدا ما قاله المتنبي : لا يسلم الشرف الرقيع من الأذى * حتى يراق على جوانبه الدم عش عزيزا ومت وأنت كريم * بين طعن القنا وخفق البنود
احتفالات مدينة امدوكال بعيد النصر 13 افريل 1962 احتفالات فيض البطمة و القاهرة 16/15 افريل 1962 احتفالات مدينة فيض البطمة لا تقل أهمية عن المدن الأخرى فقد عمّت فيها الفرحة العارمة بالنصر والتواقة للاستقلال، وفي هذا الصدد يستذكر المجاهد "مختار المخلط" في مذكراته تاريخ جهاد لحظات عيد النصر فقد اختلطت حينها مشاعر الفرح ببلوغ الغاية ومشاعر الحزن على رجال أبطال يصعب تعويضهم ، ففي تلك الأثناء يذكر المجاهد انه كان بالقرب من فيض البطمة ، حينما سمعوا إعلان الحكومة المؤقتة من خلال الرئيس بن يوسف بن خدة عن وقف إطلاق النار ، كانت المفاجأة التي لم يتمكنوا من استيعابها فقد كان هناك من يرقص ويطلق النار في الهواء، لينتقل بعدها إلى سلمانة في 22 مارس 1962 رفقة مساعد القسمة 58 ووجدوا هناك العريف الإخباري "مناد لعراف" ومعه الكثير من الشباب يرغبون في التجنيد فجندوا بعضهم ليواصلوا مسيرتهم إلى القاهرة أين ألقى المجاهد مختار لمخلط خطابا في زاويتها العامرة ، ليشرفوا بعدها على عدة تجمعات شعبية كان الهدف منها التأكيد على ضرورة اليقظة والاعتزاز بما قدمه المجاهدون وعلى الإقبال على الانتخابات بقوة للمساهمة في استرجاع السيادة الوطنية ، كما أنهم عملوا على تنظيم مهرجان شعبي في 15 افريل 1962 بقرية فيض البطمة وقاموا بعملية استعراض عسكرية وألقى حينها كلمات تذكر بتضحيات الشهداء وبقوة الثورة التحريرية في معاركها العسكرية والسياسية. وفي 16 أفريل 1962 نُظم مهرجان شعبي في قرية القاهرة حضرته عدة قيادات في الجيش اشرف عليه علي الشريف الذي وصل يومها من ليبيا في مهمة جلب السلاح والذخيرة ، وقام حينها بإلقاء كلمة شرح فيها ظروف وقف إطلاق النار وكيفية الاستعداد للانتخابات .
الضابط مختار مخلط ينشط تجمعا شعبيا بالقرب من قرية فيض البطمة أيام وقف اطلاق النار 19 مارس 1962 استعراض وسط قرية فيض البطمة - أفريل 1962 من اليمين إلى اليسار: عمار معاليم، معمر الرامبة، ثامر بشيري، مختار مخلط، زيان لخذاري، حمة بن احمد عذاورة، قرمة بوجمعة بقرية القاهرة (مسعد) - مارس 1962 الواقفون من اليسار الى اليمين: مختار مخلط، ثامر بشيري، علي بوغزالة، محمود حلجي، علي الشريف، احمد عبيسي، قويدر اعمر مصدر الصور مذكرات المجاهد مختار مخلط احتفالات سيدي مخلوف بالاغواط مع وقف إطلاق النار بتاريخ 19 مارس 1962 قام أفراد جيش التحرير الوطني بتنظيم أول احتفال لهم بالمنطقة بالثكنة العسكرية (البرج) بسيدي مخلوف، الذي افرغ مبكرا من عساكر العدو، أقيم حينها حفل بهيج بمناسبة إعلان النصر عن الأعداء تحت إشراف السادة المجاهدين : سليماني الميلود قائد مسؤول الناحية، محمد حكوم المدعو بن صولة ملازم قيادي، عمر مالكي قيادي مسؤول قسمة عرش المخاليف، عمار بلخيار عريف أول سياسي وإخباري، سي بركات ملازم مسؤول قسمة الاغواط، هتهات بوبكر مسؤول قسمة تاجموت وعين ماضي، جلول الأبيض شيخ بلدة سيدي مخلوف رقم 171، محمد العايب شيخ بلدة سيدي مخلوف مجلس رقم 172، محمد ملازم وإخباري، وعدة جنود من جيش التحرير ومسبلين ومناضلين حيث انطلق الحفل من الساعة 20 ليلا إلى الساعة 02 صباحا، توافدت جماهير غفيرة من كل حدب وصوب من الجلفةوالاغواط ومسعد وعين الابل وكل المداشر المجاورة ، تخلل هذا الحفل كلمات معبرة لمسؤولين مهنئين الشعب الجزائري بالنصر وفي نفس الوقت محذرين من مكائد الاستعمار وأعوانه، مذكرين بان هذا المكان (البرج) كان قبل أيام قلائل معتقلا ومركز تعذيب والليلة أمسى ساحة للبهجة والسرور فسبحان مغير الأحوال شاكرين الله على نعمه و أول هذه النعم توقيف القتال وقرب الاستقلال وطلوع الفجر لا محال. بعدها تناول الحاضرون وجبة العشاء بعين المكان وفي ساعة متأخرة من الليل اختتم الاحتفال من طرف رجال الدرك التابعين للمجلس البلدي الذين قاموا بتنظيم هذا اللقاء التاريخي ويذكر أنه بلغ عدد الوافدين 5000 مواطن. المجاهد بوبكر هتهات في مذكراته "جوانب من ثورة التحرير بالمنطقة الثانية الولاية السادسة" ذكر بأنهم حينما سمعوا وقف إطلاق النار شرعوا في اطلقوا عيارات نارية في الهواء تعبيرا عن فرحتهم وفي الصباح الموالي توجهوا إلى قيادة الناحية من اجل عقد اجتماع للقسمات التابعة للناحية والالتزام بقرارات وقف اطلاق النار، ليتفرغوا لشؤونهم التنظيمية والتحضير للمستجدات المستقبلية التي تتطلبها ظروف تلك المرحلة على مستوى ناحيتهم وقد توافد الناس عليهم لتهنئتهم وليعبروا عن فرحتهم بالاستقلال ، ومرت تلك الأيام كلها أفراح واحتفالات...
الثكنة العسكرية (البرج) بسيدي مخلوف التي أقيمت بها احتفالات عيد النصر
مجموعة من المجاهدين احتفالا بعيد النصر بالجبل الأزرق بسيدي مخلوف ( مارس 1962) من اليمين الى اليسار : الواقفون : محمد بن الطيرش، هتهات بوبكر، بزيان محمد ، مقوفل محمد ، دكاني لخضر، الرق محمد، الجالسون : بولفعة الطاهر، نويرة جلول، طالب عمر احتفالات مدينة الشارف 09 جوان 1962 جرت الاحتفالات في موعدها المحدد 09 جوان 1962 بمشاركة فيالق من المجاهدين والياتهم العسكرية وبمشاركة الكشافة الإسلامية والخيالة وسط جمع كبير من المواطنين الذين اقبلوا من كل نواحي الولاية السادسة وبحضور قائدها العقيد محمد شعباني . المجاهد بلقاسم زروال في مذكراته" فرسان في الخطوط الأولى " بعد ان انتهت مفاوضات ايفيان وتقرر توقيف القتال في 19 مارس 1962 سكتت أصوات البنادق والمدافع وراح الكل ينتظر جزائر المستقبل ، اجتمعنا في " بحرارة" جهة قعيقع لتثبيت الرتب ثم انتقلنا إلى غابة " سن الباء" قرب الجلفة وفي هذا المكان تم تكوين لجنة من مجموعة من ضباط جيش التحرير قصد تحضير الاحتفال بالنصر بداية من 09 جوان 1962 . كان اجتماع جبل قعيقع لمناقشة تحضيرات الاحتفال باستقلال الجزائر المتفق اقامته بالشارف لكي يتم تامين المكان وتجهيز المدينة وتدريب الجيش للقيام باستعراضات عسكرية أمام الشعب ولاستقبال الوفود، وتم إبلاغ إطارات الجيش بعهد الأمان الذي وقع بين محمد شعباني وعبد الله السلمي وإدماج مجموعته مع جيش الولاية السادسة ومشاركتهم في الاحتفال الذي سيقام لاحقا، وتم المصادقة في قعيقع على التحضير لاحتفال الشارف والتحضير له . وفي هذا الصدد يذكر المجاهد عبد القادر بوعسرية "استعدادا لتحضيرات الاحتفالات بالنصر بمنطقة الشارف أسندت له مهمة التكفل بالكتائب والفرق المشاركة من المناطق الأولى والثانية والرابعة، بالإضافة إلى وفد مجلس قيادة الولاية السادسة حيث تم استقبال العقيد محمد شعباني، واختيرت له إقامة مؤقتة بمركز حواص في انتظار الانتهاء من ترتيبات تحضير احتفال الشارف الذي حضرته وفود وشخصيات مدنية من مختلف المدن والجهات الواقعة في تراب الولاية السادسة. الاحتفال الذي دام أسبوعا كاملا حضره مجلس الولاية السادسة بالإضافة إلى وفد قيادة أركان الجيش ممثلة في العقيد "هوراي بومدين" الذي حضر معنا جانبا من الاحتفال لوقت قصير". هذا ويؤكد المرحوم قليشة مصطفى في كتابه "شاهد على جهاد الجزائر" أن احتفال الشارف حضرته فرق من جيش الولاية السادسة تحت قيادة العقيد محمد شعباني حيث أقيم حفل كبير على شرف كتائب جيش التحرير الوطني، وسط هتافات الشعب الذي صفق معبرا عن فرحته الكبرى تلتها زغاريد النساء، كان يوم النصر بعد قرن من الظلم والاستبداد، رفعت حينها الأعلام الموشحة بالألوان الوطنية والنجمة والهلال وعزفت خلالها الأناشيد الوطنية ورقص الشعب فرحا بنصره وحريته من قيود المستعمر. من جانب آخر المجاهد بلعمري لخضر يسرد أحداثا مهمة في كتابه "مذكرات كفاح " فبعد أن أطلق سراحه من سجن ورقلة رفقة عديد المجاهدين من بينهم السعيد عبادو، محمد بوزيد ، جمال مناد ، احمد الزبير ، العيميش، تم نقلهم إلى مدينة غرداية تحت رعاية لجنة توقيف القتال والجيش الوطني، لينقلوا بعد ذلك إلى مدينة الشارف قصد مشاركتهم في أول احتفال للاستقلال ، كلف حينها المجاهد لخضر بحراسة العقيد الهواري بومدين وتم هذا التكليف من طرف الضابطين سليمان لكحل والملازم المداني، حيث قضى حينها العقيد هواري بومدين بضع أيام بنزل بمدينة الجلفة الواقع على حافة الطريق رقم 01 وذلك تحضيرا للانقلاب على حكومة بن يوسف بن خدة.
صور احتفالات الشارف 1962 ظروف التحضير للاستفتاء وتقرير المصير بالولاية السادسة ... عملية الاستفتاء بعد سنين الكفاح التي خاضها الشعب الجزائري ضد الاستعمار الفرنسي التي توجت بمفاوضات ايفيان بين وفد جبهة التحرير الوطني ضد الاستعمار الفرنسي تحت رعاية سويسرية ، والتي أدت إلى توقيف القتال بين الجانبين وكان من بين بنود الاتفاقية إجراء استفتاء تقرير المصير عبر كامل التراب الوطني بعد وقف إطلاق النار 19 مارس 1962، ففي منطقة الاغواط يذكر المجاهد بوبكر هتهات انه على مستوى ناحيته جنوب غرب الاغواط وتنفيذا لتعليمات جيش التحرير الوطني بالولاية السادسة، شرع بالتعاون مع بعض المناضلين والمسبلين في تعبئة المواطنين بتوزيع المناشير وعقد تجمعات لتوعيتهم وحثهم على المشاركة بقوة في عملية الاستفتاء مع ترك حرية الاختيار في الإدلاء بأصواتهم، علما بان استمارة الاستفتاء كانت مزدوجة " نعم /لا" تتضمن كل ورقة السؤال التالي " هل تريد أن تصبح الجزائر دولة مستقلة متعاونة مع فرنسا حسب الشروط المقررة في تصريحات 19 مارس 1962" وقد ذكر المجاهد بان القسمة التي كان يشرف عليها كان إقبال المواطنين كبير وسجلت العملية نجاحا باهرا وصوت المنتخبون بالأغلبية الساحقة بنعم . مع بداية شهر افريل 1962 وقع لقاء عام في مدينة بوسعادة ،ضم مصطفاوي عن الهيئة التنفيذية المؤقتة وممثلا عن قيادة الأركان الفرنسية بالإضافة إلى ضباط اللجان الجزائريين المعينين في الولاية السادسة، وتم تنصيب لجنة ولائية مهمتها التنسيق بين اللجان المحلية تتألف من عمر صخري برتبة رائد وحسين الساسي برتبة نقيب بالإضافة إلى لجان محلية أخرى يشرف عليها محمد شنوفي شمال الاغواطوغرداية ، ولجنة يشرف عليها احمد بن ابراهيم مسؤول المنطقة الثانية على مستوى دائرة الجلفة التي كان من ضمنها المجاهد عبد القادر بوعسرية حيث يذكر بأنه تفرغ رفقة لجنة التحضيرات والإشراف على سير الانتخابات بدائرة الجلفة والتي من بينها رئيس دائرة الجلفة "غربة عمر" عن الجانب الفرنسي ، وسي احمد بن ابراهيم عن جبهة التحرير الوطني وجيش التحرير ، وبركات عمر عن جبهة وجيش التحرير، والمنتدب لرئاسة الجلفة "دلولة بلعباس" ونائبه "حساني السعيد بوشيبة". وبعد عدة جلسات ولقاءات بالدائرة والبلدية من اجل ضبط قوائم الناخبين ، قاموا بتنظيم مهرجان شعبي ضخم بمدينة الجلفة وتحديدا بميدان الفروسية بباب بوسعادة وتدخل خلاله عدة مسؤولين لشرح العملية الانتخابية وطريقة الاستفتاء وكان من بين المتدخلين المجاهد سي احمد بن ابراهيم وقد تعرض في كلمته إلى الكفاح المرير ضد الاستعمار الفرنسي مذكرا ببطولات جيش التحرير والتي كللت بانتزاع السيادة الوطنية والتي لا تنقصها سوى كلمة الشعب يوم 2 جويلية 1962 وما هي إلا أيام حتى قال الشعب كلمته التاريخية. لجنة تحضير الانتخابات بالجلفة الجالسون من اليمين الى اليسار: المجاهدين بركات، فضة عبد القادر المدعو بوعسرية، المجاهد أحمد بن ابراهيم (مسؤول المنطقة)، الواقف أمام الميكروفون المجاهد دلولة الحاج بلعباس، و الواقف وراءه المجاهد حساني السعيد المدعو بوشيبة.