الجزء الثاني وفي ردّها على هذه المناورات قررت قيادة الولاية السادسة تدعيم وتعزيز الثورة في المناطق الصحراوية بعدد من الإطارات جيش التحرير الوطني، منهم الشهيد أحمد طالب والضابط السعيد عبادو ورشيد الصايم ومحمد شنوفي وعثمان حامدي ورابح لبيض وغيرهم.
برزت خلال تلك المرحلة شخصية "محمد شعباني" الذي أظهر كفاءته وقدرته السياسية والعسكرية وإدراكه للسياسة الفرنسية، لذلك وبأمر من القيادة كثف العقيد محمد شعباني العمليات العسكرية في الصحراء بهدف الضغط على فرنسا لدخول المفاوضات ورأى "محمد شعباني" أن يتولى جيشه هذه العمليات، لذلك تم عقد اجتماع لقادة جيش ولاية الصحراء، فكانت أربع كتائب قوامها أربعمائة جندي في جبل "الكرمة" وقمم الجبال المجاورة له، وجرى هذا الاجتماع في ليلة 15 سبتمبر 1961 حيث عرضت فيه تقارير قادة الوحدات وقدمت التوجيهات، وتمت التعيينات وترقية الضباط ونذكر منهم الرائد: سليمان سليماني قائد المنطقة الثانية والرائد عمر صخري قائد المنطقة الرابعة، وفي الساعات الأولى من يوم 16 سبتمبر 1961 أفادت المعلومات أن القوات الفرنسية قاصدة جبل الكرمة قادمة من جهة الأغواط وبسكرة وبوسعادة وتقرت.
إن هذه المعركة هي من ضمن المعارك الكبرى والضارية التي خاضها جيش التحرير الوطني في الولاية السادسة ضد قوات المستعمر الفرنسي البغيض، وتعتبر من أطول المعارك إذا ما قورنت بالمعارك الأخرى والاشتباكات الدائمة، حيث استمرت يومين كاملين: أما أسبابها فترجع إلى عدة عوامل منها: أن القوانين الداخلية لجيش التحرير الوطني، تنص على عقد اجتماعات دورية لإدارة الجيش على كل المستويات مع الأخذ بعين الاعتبار الظروف الحربية المناسبة وتهدف هذه اللقاءات إلى: تقيييم الوضعية السياسية والعسكرية. عرض التقارير ومحاسبة الأعمال. تقديم التوجيهات وإصدار الأوامر اللازمة لمواجهة المرحلة المقبلة. التعيينات الجديدة والترقيات. إن هذا الاجتماع الذي وقعت على إثره المعركة المذكورة، كان يضم قيادات الولاية بأكملها، وقد ترأسها العقيد محمد شعباني، قائد الولاية السادسة وحضره على الخصوص، الضباط الآتية أسماؤهم: عمر صخري قائد المنطقة الرابعة سليماني سليمان الاكحل قائد المنطقة الثانية مخلوف بن قسيم قائد المنطقة الثالثة محمد شبشوب ملحق بقيادة الولاية
وعدد من الإطارات والمجاهدين، يقدر عددهم بحوالي 400 مجاهد واجتماع مثل هذا كان لابد أن يلفت أنظار الاستعمار الذي يراقب بوسائله الخاصة تحركات جيش التحرير الوطني باستمرار وحذر، لاسيما في هذه الجهات التي تطل على الصحراء، ويخشى عقد اجتماعات من هذا النوع لأنه يعرف مسبقا نتائجها الوخيمة على خططه ومن مصلحته السعي إلى الحيلولة دون وقوع مثل هذه الاجتماعات لعزل القسمات والنواحي والمناطق عن بعضها البعض وعن الولاية من جهة وقطع الاتصالات مع الجماهير الشعبية والجيش من جهة أخرى.
إن المحاولات الفرنسية للقضاء على جيش التحرير الوطني كانت ولا تزال مستمرة وذلك بدفع تعزيزات إضافية لتدعيم المراكز الموجودة والمنتشرة عبر المنطقة، خاصة جبل بوكحيل للقضاء على الثورة في محاولة يائسة منه أو على الأقل الحد من تنامي خطر جيش التحرير الداهم، كما أن هدف العدو من وراء ذلك إفشال المخطط الإستراتيجي للثورة القاضي بجعل بوكحيل الموقع المناسب لدعم منطقة الصحراء الشرقية، وكذا ربط الاتصالات مع الوحدات العاملة في العمق الصحراوي من أجل إفشال مخططات وادعاءات العدو الزائفة والتي تزعم بأن الصحراء بمنأى عن الثورة وأنه حسب زعمه لايوجد على الإطلاق ثورة، ومن ثم خلق الظروف الملائمة لإعلان فصل الصحراء عمن بقية الوطن واعتبارها جزءا لا يتجزء من فرنسا.
* معركة جبل بوكحيل معركة 48 ساعة: هي معركة تزامنت مع إجراء المفاوضات بين الحكومة المؤقتة والجانب الفرنسي، معركة أفشلت كل محاولات فرنسا لفصل منطقة الصحراء عن باقي الوطن وبرهنت وبقوة على شمولية الثورة وعدم التفريط في أي شبر من التراب الوطني، معركة ذاع صيتها في الداخل وفي الخارج وكتبت عنها صحف أجنبية شاهدة على تلك المقاومة الباسلة لدحر الاستعمار والرافضة لأي مساومة على صحراء الجزائر، معركة رغم أهميتها لا يعرف عنها الكثيرون من أبناء هذه المنطقة، و لهذا حاولنا تسليط الضوء عليها لتُخلّد ذكراها لأجيالنا على مرّ السنين.
* لا لفصل الصحراء عن المفاوضات .. هذا ما برهنت عليه المعركة إن معركة "الكرمة" و "الجريبيع" نشبت في ظروف خاصة و صعبة كانت تعيشها الجزائر عموما و المناطق الصحراوية بشكل خاص، فالاستعمار قد دعَّم المنطقة بقوات ضخمة شنَّت حملات واسعة النطاق من أجل القضاء على الثورة في هذه الجهة لعزلها عن المناطق الأخرى في الوطن، إلى جانب تكثيف الدعايات المضللة في الوقت الذي بلغت فيه المفاوضات الجزائرية الفرنسية مرحلة هامة و خاصة فيما يتعلق بوضعية الصحراء و مصير الثروات الموجودة فيها بهدف التأثير على المفاوضات.
ولكنّ بتضافر جهود الخيّرين من أبناء منطقة الصحراء و القوى العاملة في القاعدة وجيش التحرير و عمل الجميع في نسق تامّ و متكامل وبالحرص على تدعيم النضال في الجنوب الصحراوي ضدَّ جحافل قوى الاستعمار وإبطال إدعاءاته و إفشال مخططاته التي كانت تزعم بأن الصحراء لا يمكن أن تصلها الثورة أو يوجد بها نظام ثوري و هو ما يرمي إلى فصل الصحراء عن باقي التراب الوطني أي أنها خارج نطاق المفاوضات، لكنّ المعارك التي جرت هناك و الإشتباكات و الكمائن و العمليات الفدائية والشهداء الذين وقعوا في سبيل وحدة الصف و إعلاء كلمة الحق، و بخضوع الاستعمار الفرنسي و اعترافه في النهاية بأن الصحراء جزء لا يتجزأ من التراب الوطني إنما هو في الحقيقة ثمرة الكفاح الطويل الذي خاضه أبطال جيش التحرير ضد المستعمر و معركة "الكرمة" و "الجريبيع" مثال حي على ذلك.
* اجتماع وحَّد الجهود بوقفة رجل حرب ومقاوم إن الاجتماع الذي وقعّت على إثره معركة "الكرمة" و "الجريبيع" كان يضّم قيادات الولاية بأكملها و قد ترأسه العقيد محمد شعباني قائد الولاية السادسة و عدد كبير من الإطارات و المجاهدين ب 62 مجاهدا من الناحية الأولى مقسمين إلى كتيبتين و250 مجاهد من الناحية الثانية مقسمين إلى أربع كتائب بالإضافة إلى 20 مجاهدا من الناحية الثالثة و 10 مجاهدين من المنطقة الثالثة و 30 مجاهدا من الولاية السادسة، أي ما يقدر بحوالي 400 مجاهد. واجتماع كبير مثل هذا لابد وأن يلفت أنظار المستعمر الذي يراقب بوسائله الخاصة تحركات جيش التحرير الوطني لاسيما في الجهات التي تطل على الصحراء، و هو الذي يخشى عقد اجتماعات من هذا النوع ويسعى الى الحيلولة دون التخطيط لهكذا اجتماعات لعزل القسمات و النواحي و المناطق عن بعضها البعض و قطع الاتصالات بين الشعب و جيش جبهة التحرير لأنه يعرف نتائجها الوخيمة على خططه و مؤامراته.
وبالفعل أسفر عن هذا الاجتماع الكبير نتائج باهرة و صدرت قرارات مهمة في جلّ المجالات العسكرية و السياسية و الإعلامية نذكر من بينها تدعيم الكفاح في المناطق الصحراوية بالأسلوب الذي يناسب طبيعة الأرض و معطيات الجهة، شن هجومات واسعة النطاق و القيام بحملة توعية واسعة في أوساط الجماهير و خاصة في المناطق الصحراوية حول النوايا الخبيثة للاستعمار فيما يخص الصحراء و ثرواتها
دارت فصولها بموقعي " الكرمة " و" الجريبيع" شاركت فيها قيادة الولاية التاريخية السادسة بأكملها، ترأسها العقيد محمد شعباني قائد الولاية بجيش قوامه 372 جندي ضد قوات العدو بأكثر من 120 عسكري مدعمة بأسراب الطائرات والمدفعية الثقيلة خلال يومي 17و 18 سبتمبر بجبل بوكحيل، سقط بالمعركة شهيدان في اليوم الأول، و07 في اليوم الثاني، أما من جهة العدو فقد قتل 400 عسكري في اليوم الأول و 300 في اليوم الثاني، ومثلها من الجرحى في اليومين، إلى جانب سقوط ثلاث طائرات اثنتين من نوع "ب "29، وأخرى من نوع "ت 06″، وغنم جيش التحرير عدة بنادق من نوع خماسي ألماني، بنادق خماسي أمريكان، 07 رشاشات ثقيلة 14 و30 أمريكان، رشاش ألماني، رشاش "ناط 49″، بنادق 86 عشاري انجليزي وقنابل نار.
في هذه المعركة أثبت جيش التحرير قدرته على المواجهة العسكرية مهما كان حجمها، وفندت هذه المعركة مزاعم المستعمر أن سكان الصحراء بعيدون عن الثورة وأحبطت مشروع فصل الشمال عن الجنوب.
* المظاهرات الشعبية في الصحراء ودورها في تقرير المصير كان من نتائج التحرك للإطارات الثورية بمنطقة شمال الصحراء، خروج السكان في كل المدن والقرى والمداشر في مظاهرات شعبية عارمة، منادين بجزائرية الصحراء وبالوحدة الوطنية، ومن أهم تلك المظاهرات الضخمة، مظاهرة مدينة غرداية ونواحيها في سبتمبر 1960، ومظاهرات مدينة تقرت سنة 1961 التي تحدى فيها المواطنون السلطة العسكرية وثبّتوا العلم الوطني بألوانه الثلاثة ليرفرف على صومعة الجامع الكبير وعدد من المساجد، هذا بالإضافة إلى مظاهرات مدينة الجلفة في 01 و 02 نوفمبر 1961 ومظاهرات مدينة ورقلة في فيفري .1962 هذه المظاهرات والعمليات العسكرية فتحت الباب لتواصل المظاهرات بمناوراتها، وصرح "جورج بومبيدو" عن الصحراء، قائلا " إن قضية الصحراء لا نقاش فيها، إن الصحراء بحر داخلي، له سواحل تسكنه شعوب ساحلية، والجزائر واحدة من الشعوب وعلى فرنسا أن تستشير الجميع، وأن المرسى الكبير بوهران ملك لفرنسا، كجبل طارق الخاضع لبريطانيا في التراب الإسباني…إلخ".
لم تنل هذه الشروط الاستفزازية من إرادة وعزيمة الوفد المفاوض، حيث جرت لقاءات أخرى، كان خلالها الوفد الجزائري يحصل على تنازلات فرنسية أخرى، لكن بقيت قضية الصحراء الإشكال رقم واحد، لذلك عقد المجلس الوطني للثورة الجزائرية في الفترة الممتدة بين 22 و 27 فيفري عام 1962 بمدينة طرابلس لدراسة المشروع المقدم المتعلق بالمحادثات السرية التي جرت بين ممثلي الحكومة المؤقتة والحكومة الفرنسية، وقرر ما يلي " عدم إعطاء امتيازات خاصة للأوربيين في الجزائر وتحرير جميع المساجين…. وحق ممارسة الجزائريين لكامل سيادتهم على التراب الوطني"، وتواصلت المفاوضات في فندق "دي بارك" على الحدود السويسرية الفرنسية بمدينة "إيفيان" بداية من يوم 7 مارس 1962 ودامت اثني عشر يوما بعد اختلافات كبيرة حول قضايا كثيرة، لتنتهي بتوقيع اتفاقية إيفيان عشية 18 مارس 1962 بين كريم بلقاسم وزير الشؤون الخارجية الجزائرية، و"جوكس لويس" وزير الدولة الفرنسي، ليصرح "يوسف بن خدة"عن وقف إطلاق النار في خطاب تاريخي قائلا:" بعد شهور من المفاوضات الصعبة الشاقة، فإني أعلن وقف إطلاق النار في كامل أنحاء الوطن ابتداء من يوم 19 مارس 1962، وإنني باسم الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية، أصدر الأمر إلى جميع قوات جيش التحرير الوطني المحاربة بالتوقف عن العمليات العسكرية وعن النشاط المسلح في مجموع التراب الجزائري، عرفت حينها الولاية السادسة احتفالات بالنصر كان أولها بمنطقة "بحرارة" في المكان المسمى "حلوفة" بجبل "قعيقع" بسيدي بايزيد ، فقد زار العقيد "محمد شعباني" هذا المركز ومكث فيه أسبوعا وعين على المنطقة الثانية المجاهد "احمد بن ابراهيم" وتم الإبقاء على الرائد "سليماني سليمان" كعضو مجلس الولاية السادسة، أما المجاهد المرحوم "الشريف خير الدين" فقد عُين كمسؤول التنظيم بالمنطقة الثانية، وخلال هذا الاجتماع تم توزيع الضباط على النواحي ليتم بعدها بحولي 40 يوما تنظيم الاحتفال بمنطقة الشارف بالجلفة، وقد كان احتفالا شعبيا كبيرا حضره قائد الولاية السادسة العقيد محمد شعباني، وبحضور كل من الرواد عمر صخري وسليمان لكحل وشريف خير الدين، بالإضافة إلى الضابط بركات الذي شاركهم منصة الاحتفال، حيث ألقى العقيد محمد شعباني خطابا بالمناسبة شكر فيه الله عز و جل وكلّ من ساهم في رفع التحدي و عقدِ العزم على أن تحيا الجزائر. * احتدام سباق التموقع والعقيد محمد شعباني يسير مع ركب القيادة: إن اختيار محمد شعباني من قبل زملائه قادة المناطق اختيار صائب، فهم يعرفونه حق المعرفة ويثقون في قدراته وإمكانياته القيادية ولم تخيب الحكومة المؤقتة ظنهم في قائدهم الذي أبدى كفاءة قتالية ومهارة قيادية عالية، إذ وافقت على قرار قادة المناطق بتعيين محمد شعباني قائدا للولاية السادسة خاصة مع انطلاق سباق السلطة مطلع 1962، فقد تلقى الضابط محمد شعباني – قائد المنطقة الثالثة من الولاية السادسة- في 4 جانفي تكليفا من قائد الأركان العقيد هواري بومدين بتشكيل مجلس الولاية، وتمت ترقيته إلى رتبة صاغ ثاني واعتبر أصغر عقيد في العالم، وعينت أعضاء مجلس قيادة الولاية بناء على اقتراح من وزير الدفاع في الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية السيد كريم بلقاسم، وتشكلت القيادة الرسمية الدائمة للولاية السادسة على النحو التالي : محمد شعباني قائدا عاما للولاية برتبة صاغ ثاني سليماني سليمان المدعو لكحل برتبة صاغ أول عسكري الشريف خير الدين صاغ أول للمواصلات محمد روينة المدعو قنتار صاغ أول سياسي عمر صخري برتبة صاغ أول للأخبار حسين ساسي ضابط ثاني بالولاية هذه النشأة لمجلس الولاية السادسة يسّرت سبيل التحالف مع بومدين وبن بلة، وهذا التحالف الذي ساهم في توطيده العقيد الطاهر زبيري قائد الولاية الأولى المجاورة كما يؤكد وجودهما جنبا إلى جنب في معارك السلطة اللاحقة، فقد كان شعباني على رأس القوات الزاحفة على العاصمة انطلاقا من الجنوب عبر محور عين وسارة – قصر البخاري في بداية سبتمبر 1962 بينما قاد الزبيري الزحف على محور سيدي عيسى سور الغزلان، وكانت أهم الخسائر في الأرواح على هذين المحورين للأسف نتيجة عنف الصدامات المسلحة بين الزاحفين وقوات الولاية الرابعة التي حاولت اعتراض سبيلهم.
المجاهد الطاهر لعجال، وفي تصريح لجريدة "صوت الأحرار"، أكد بأن شعباني كان مع بومدين في خندق واحد حين نشوب ما يسمى بحرب الولايات، و يكفي أن القيادة العامة للأركان كانت تنطلق من بوسعادة معقل الولاية السادسة، لكن بعدها قام بومدين بتعيين ضباط كانوا في الجيش الفرنسي والتحقوا بالثورة الجزائرية و منحهم مناصب حساسة في هرم الجيش، وهو أمر استاء له شعباني خاصة بعد تعيين شابو على رأس الأمانة العامة لوزارة الدفاع ومن فرط حساسيته لهؤلاء الضباط كان شعباني يرفض حتى الحديث معهم، فيقول لعجال "ما أذكره أنه كلما كلمه بالهاتف شابو لا يرد عليه بل طلب من بومدين أن يكلمه مباشرة إذا أراد شيئا، وأنه لا يجيب على الأمين العام مهما كان الحال". وللتذكير، فإن شعباني كان لايعارض وجودهم في الجيش نظرا لخبرتهم وكفاءتهم، ويتحفظ فقط حين تسند لهم المسؤولية.
* العقيد محمد شعباني من جبة النظام إلى مقصلة الإعدام كشفت الأيام أن التحالف الذي حصل بين قيادة هيئة الأركان وولايات الداخل التي تزعمها "أحمد بن بلة" كان هشا وظرفيا، أملته ظروف الأزمة والتنافس على الحكم، بحيث احتفظ كل واحد بمرجعيته ونظرته للآخر التي كان عليها قبل وقف القتال، وبالتالي لم يعمر طويلا. وازداد التباين في وجهات النظر بين الأطراف الحاكمة، والذي وسعته الحاشية المنتفعة والمتخندقة في كل وجهة. وفي هذه الظروف كان العقيد "محمد شعباني" أحد أطراف هذا التحالف الذي بيّن موقفه الصريح من تصرفات السلطة وتناقضاتها، التي تحينت الفرصة ووجهت تهمها له منها
وجود علاقة مباحثات بينه وبين الفرنسيين على فصل منطقة الصحراء عن الجمهورية الجزائرية (محاولته لتنظيم انقلاب عسكري، القيام بزعزعة الجيش الوطني الشعبي وزرع الفتنة داخله، والإقدام على ارتكاب مجزرة في حق 750 من أتباع " مصالي الحاج" في ولاية الجلفة، هذه الاتهامات عجّلت بإقامة محاكمة رفض تنفيذ القرارات الصادرة عن وزارة الدفاع الوطني، والتي اعتبرت عصيانا وخروجا عن النظام والقانون).
قبل صدور حكم المحكمة سبقته عدة مراسيم وقرارات نذكر منها: أولا: المرسوم المؤرخ في 02-07-1964 المتعلق بإنهاء مهام عضو هيئة أركان الجيش الشعبي الوطني العقيد محمد شعباني، ثانيا: المرسوم الرئاسي المؤرخ في 02-07-1964 المتعلق بتجريد العقيد شعباني من رتبته العسكرية وعزله من الجيش بناء على تقرير من وزارة الدفاع، ثالثا: القرار المؤرخ في 30-08-1964المتعلق بتعيين أعضاء المحكمة، حيث تم اختيارهم جميعا، باستثناء رئيس المحكمة من قبل هواري بومدين، وهم على التوالي – العقيد أحمد بن شريف – الرائد سعيد عبيد(سدراتة) – الرائد الشاذلي بن جديد (بوثلجة الطارف) – الرائد عبد الرحمان بن سالم (بو حجار) بالإضافة إلى ممثل الحق العام أحمد دراية (سوق أهراس) بدأت المحاكمة بالمحكمة العرفية بوهران في الساعة 12.30 ظهرا يوم 02 سبتمبر 1964، واستمرت إلى غاية الرابعة صباحا لليوم الموالي، وهي أطول محاكمة في الجزائر في بداية عهدها للاستقلال. وقد ترأس الجلسة "محمود زرطال" وبعضوية الرائد "الشاذلي بن جديد"، "سعيد عبيد"، و"عبد الرحمن بن سالم"، وقد أصدرت المحكمة حكمها بالإعدام على العقيد محمد شعباني ونفذ حكم الإعدام يوم 03 سبتمبر 1963 عشية احتفاله بعيده الثلاثين.
* المصادر والمراجع المعتمدة في الموضوع الهادي احمد درواز، العقيد محمد شعباني الأمل والألم، دار هومة الجزائر ص 59. محمد عباس الثورة الجزائرية، نصر بلا ثمن 1954-1962، دار القصبة للنشر، 2007، ص 534- السعيد عبادو، مساعي فرنسا لفصل الصحراء الجزائرية 1957-1962، مجلة أول نوفمبر، ديسمبر 2008، العدد 172، ص 10 – لمجد ناصر، الطاهر لعجال أمين سر الولاية السادسة، جريدة صوت الأحرار، العدد 2993، 26-12-2007. – مطمر محمد العيد: العقيد محمد شعباني وجوانب من الثورة الجزائرية، دار الهدى، الجزائر، 1999، ص 129 – محمد صايكي، شهادة ثائر من قلب الجزائر، دار الامة للطباعة والنشر والتوزيع الجزائر، ص 88 – عبد الحميد عباسي، منطقة بن سرور جهاد متصل من الحركة الوطنية إلى ثورة التحرير، المؤسسة الوطنية للفنون الجميلة وحدة الرغاية الجزائر 2015، ص 145 – عبد الحميد نجاح، منطقة ورقلة وتقرت وضواحيهما من مقاومة الاحتلال إلى الاستقلال، منشورات جمعية الوفاء وبمساهمة ولاية ورقلة، الآمال للطباعة 2003، ص 226 – سي عبد الله نورالدين، دور العقيد محمد شعباني في الثورة التحريرية 1934- 1962، رسالة مكملة لنيل شهادة الماستر 2 في تخصص تاريخ الثورة التحريرية، جامعة باتنة 2013-2014، ص63 – السعيد عبادو، معركة الكرمة والجريبيع بجبل بوكحيل بتاريخ 17/18سبتمبر 1961، مجلة الذاكرة منشورات متحف المجاهد، العدد الخامس، أوت 1998، ص 150-151 – المنظمة الوطنية للمجاهدين، من معارك ثورة التحرير، معركة جبل بوكحيل، 1982 ص 342 – توفيق بوزناجة، دليل الجمهورية، ط 1، جانفي 2015، ص 493 سليمان قاسم، الرائد سليماني سليمان قائد ثورة أم صانع مؤامرات جريدة الحياة العدد 852 ص 13 – فوزي مصمودي دور ومواقف العقيد محمد شعباني في الثورة وفي مطلع الاستقلال. مذكرة لنيل شهادة الماجستير في التاريخ المعاصر، 2009-2010 جامعة الجزائر، ص 125
_____________________ سيرة الذاتية خريج قسم التاريخ جامعة الجزائر 02 حائز على جائزة الوطنية لأحسن بحث تاريخي "أول نوفمبر" المرتبة الثالثة بوزارة المجاهدين لسنتي 2013 -2014 صاحب كتاب: تاريخ الولاية السادسة – المنطقة الثانية– من بداية التأسيس إلى نهاية بلونيس، عن دار الكتاب العربي للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة 2013 أستاذ في التعليم الابتدائي عضو المجلس العلمي لملحقة متحف المجاهد لولاية الجلفة رئيس فرع جمعية أول نوفمبر لتخليد وحماية مآثر الثورة بدار الشيوخ الجلفة عديد من المقالات التاريخية في الجرائد الوطنية عديد المشاركات في الملتقيات الوطنية