ارتفاع حصيلة العدوان الصهيوني على لبنان إلى 3583 شهيدا و 15244 مصابا    هولندا ستعتقل المدعو نتنياهو تنفيذا لقرار المحكمة الجنائية الدولية    الرابطة الأولى موبيليس: شباب قسنطينة يفوز على اتحاد الجزائر (1-0) ويعتلي الصدارة    ضرورة تعزيز التعاون بين الدول الأعضاء في الآلية الإفريقية للتقييم من قبل النظراء وتكثيف الدعم لها لضمان تحقيق أهدافها    ندوة علمية بالعاصمة حول أهمية الخبرة العلمية في مكافحة الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية    الأسبوع العالمي للمقاولاتية بورقلة : عرض نماذج ناجحة لمؤسسات ناشئة في مجال المقاولاتية    قريبا.. إدراج أول مؤسسة ناشئة في بورصة الجزائر    رئيس الجمهورية يتلقى رسالة خطية من نظيره الصومالي    الفريق أول شنقريحة يشرف على مراسم التنصيب الرسمي لقائد الناحية العسكرية الثالثة    اجتماع تنسيقي لأعضاء الوفد البرلماني لمجلس الأمة تحضيرا للمشاركة في الندوة ال48 للتنسيقية الأوروبية للجان التضامن مع الشعب الصحراوي    تيميمون..إحياء الذكرى ال67 لمعركة حاسي غمبو بالعرق الغربي الكبير    ربيقة يستقبل الأمين العام للمنظمة الوطنية للمجاهدين    توقرت.. 15 عارضا في معرض التمور بتماسين    سايحي يبرز التقدم الذي أحرزته الجزائر في مجال مكافحة مقاومة مضادات الميكروبات    الجزائر ترحب "أيما ترحيب" بإصدار محكمة الجنايات الدولية لمذكرتي اعتقال في حق مسؤولين في الكيان الصهيوني    هذه حقيقة دفع رسم المرور عبر الطريق السيّار    عطاف يتلقى اتصالا من عراقجي    توقيف 55 تاجر مخدرات خلال أسبوع    مكتسبات كبيرة للجزائر في مجال حقوق الطفل    حوادث المرور: وفاة 11 شخصا وإصابة 418 آخرين بجروح بالمناطق الحضرية خلال أسبوع    أدرار: إجراء أزيد من 860 فحص طبي لفائدة مرضى من عدة ولايات بالجنوب    توقيف 4 أشخاص متورطين في قضية سرقة    بوغالي يترأس اجتماعا لهيئة التنسيق    الجزائر العاصمة.. وجهة لا يمكن تفويتها    سوناطراك تجري محادثات مع جون كوكريل    التأكيد على ضرورة تحسين الخدمات الصحية بالجنوب    المجلس الأعلى للشباب ينظم الأحد المقبل يوما دراسيا إحياء للأسبوع العالمي للمقاولاتية    رفع دعوى قضائية ضد الكاتب كمال داود    صناعة غذائية: التكنولوجيا في خدمة الأمن الغذائي وصحة الإنسان    منظمة "اليونسكو" تحذر من المساس بالمواقع المشمولة بالحماية المعززة في لبنان    غزة: 66 شهيدا و100 جريح في قصف الاحتلال مربعا سكنيا ببيت لاهيا شمال القطاع    كرة القدم/ سيدات: نسعى للحفاظ على نفس الديناميكية من اجل التحضير جيدا لكان 2025    حملات مُكثّفة للحد من انتشار السكّري    الجزائر تتابع بقلق عميق الأزمة في ليبيا    الرئيس تبون يمنح حصة اضافية من دفاتر الحج للمسجلين في قرعة 2025    الجزائر متمسّكة بالدفاع عن القضايا العادلة والحقوق المشروعة للشعوب    3233 مؤسسة وفرت 30 ألف منصب شغل جديد    ارتفاع عروض العمل ب40% في 2024    الشريعة تحتضن سباق الأبطال    طبعة ثالثة للأيام السينمائية للفيلم القصير الأحد المقبل    بين تعويض شايل وتأكيد حجار    90 رخصة جديدة لحفر الآبار    خارطة طريق لتحسين الحضري بالخروب    التسويق الإقليمي لفرص الاستثمار والقدرات المحلية    الوكالة الوطنية للأمن الصحي ومنظمة الصحة العالمية : التوقيع على مخطط عمل مشترك    شايبي يتلقى رسالة دعم من المدير الرياضي لفرانكفورت    فنانون يستذكرون الراحلة وردة هذا الأحد    دعوة إلى تجديد دور النشر لسبل ترويج كُتّابها    مصادرة 3750 قرص مهلوس    رياضة (منشطات/ ملتقى دولي): الجزائر تطابق تشريعاتها مع اللوائح والقوانين الدولية    الملتقى الوطني" أدب المقاومة في الجزائر " : إبراز أهمية أدب المقاومة في مواجهة الاستعمار وأثره في إثراء الثقافة الوطنية    الجزائر ثانيةً في أولمبياد الرياضيات    ماندي الأكثر مشاركة    هكذا ناظر الشافعي أهل العلم في طفولته    الاسْتِخارة.. سُنَّة نبَوية    الأمل في الله.. إيمان وحياة    المخدرات وراء ضياع الدين والأعمار والجرائم    نوفمبر زلزال ضرب فرنسا..!؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المسار الثوري للمجاهد المرحوم عبد القادر فضة "بوعسرية" بين ثنايا مذكراته "قصتي مع ثورة التحرير"
بقلم الأستاذ الباحث "الخليفة لبوخ"
نشر في الجلفة إنفو يوم 25 - 11 - 2020

تعد المذكرات الشخصية للمجاهدين أو صانعي الأحداث التاريخية، من أهم الركائز التي تحفظ ذاكرة الأمة والوطن فهي المرآة العاكسة للوقائع البعيدة، ولعل الحديث عن الذاكرة والتاريخ يقودنا إلى أن نفتح صفحة مجيدة من خلال مذكرات المجاهد المرحوم عبد القادر فضة المدعو بوعسرية التي هي بعنوان " قصتي مع ثورة التحرير المنطقة الثانية الولاية السادسة " صدرت سنة 2019 عن مطبعة الرويغي بالاغواط ، جاءت في 218 صفحة موزعة على إحدى عشر مبحثا، ختمت بملاحق تتضمن وثائقا وصورا للمجاهد عبد القادر بوعسرية الذي وافته المنية سنة 2015، قبل أن يرى قصته مع الثورة التحريرية بين طيات الصفحات، لكن الفضل الكبير يعود للأستاذ الباحث في التاريخ " لبوخ الخليفة" الذي أعد وجمع شتات هذه المذكرات الخالدة، والتي أصبحت بين يدي القراء والباحثين .
واليوم إذ نقلب أرواقها كان لزاما علينا أن نعطي دفعا قويا للأحداث المترابطة التي عاشها المجاهد طيلة مسيرة حياته سواء قبل الثورة أو أثناءها أو بعدها، كما أننا نريد أن نُطلع المتتبع على أهمية هذه المذكرة لاسيما وأنها تحدثت عن المنطقة الثانية من الولاية السادسة باعتبار أنها كانت حبلى بملاحم تاريخية دوى صداها في كل أرجاء المنطقة التي سقيت بدماء الشهداء، وها هي اليوم تجمع بمداد الذكريات كي تكون عربون وفاء لكل مجاهد وشهيد ناضل من اجل الوطن.
سيرة المجاهد عبد القادر فضة " بوعسرية "
هو المجاهد عبد القادر فضة المدعو "بوعسرية " من مواليد 1931 بالغيشة "قعدة القمامتة" الغربية دائرة افلو ولاية الاغواط حاليا، من أبوين كريمين "برحال" و"عيشة بوعسرية" وأسرته تنتمي إلى عرش أولاد يعقوب، عاش وترعرع في ربوع القعدة الغربية عاش في كنف والدته بعدما توفي أبوه وهو في سن السابعة ولما بلغ العشرين بعد أن عاش قساوة الطبيعة، فضل الالتحاق بالثكنات العسكرية بعد أن ضاقت به سبل العيش خاصة البطالة، وبحثا عنه لقمة العيش، قرر الالتحاق بالجيش الفرنسي وتم تجنيده بثكنة افلو سنة 1951، وبعد أن أكمل تدريبه أقحمتهم فرنسا في حرب الهند الصينية ونظرا لثقل الحرب و قساوة الجو رجع مريضا إلى الجزائر وادخل المستشفى، لكن بعد أن استعاد عافيته ذهب نحو الأراضي الفرنسية إلى غاية انتهاء عقده نهاية 1954.
الأستاذ "لبوخ خليفة" الذي اشرف على إعداد مذكرات المجاهد المرحوم عبد القادر بوعسرية أعطى فسحة للقارئ حتى يتعرف على شخصية المجاهد من خلال ما ذكره عن بدايات التحاقه بالثورة حيث يقول انه "التحق بعائلته بجبال العمور افلو أين اندمج من جديد في الحياة المدنية، وفي تلك الأثناء بدأ المد الثوري ينتشر بالمنطقة وأخبار الثورة والثوار عمت أرجاء الوطن " وهنا يسرد المجاهد بوعسرية دور عرش "اليعاقيب" وعرش "القمامتة" الذين كانوا ينتشرون على ضفاف القعدة وفي وسطها باعتبار أنها مكانا استراتيجيا ومعقلا مهما بالنسبة للمجاهدين من طلائع جيش التحرير، حيث حل بها المجاهد "سي بوشريط" ورفيق دربه "العماري" وكونا جيشا، ومن الجهات الشرقية حطت بها أفواج من جيش الشيخ زيان بقيادة عبد الرحمان بلهادي قادمة من سلسلة جبال أولاد نايل وكان ذلك سنة 1956.
التحاق المجاهد عبد القادر بوعسرية بالثورة
التحق المجاهد بوعسرية بصفوف جيش التحرير الوطني بالمنطقة الثامنة من الولاية الخامسة بعد أن تحيّن فرصة تواجده في الجيش الفرنسي، فقد التحق في أواخر سنة 1956 بثكنة تيارت، وكانت خطته بأن يوهم الجيش الفرنسي بأنه معهم لكن استغل الفرصة حينما حُول إلى ثكنة عسكرية بسعيدة، أين جسد فكرته بدعم من احد المدنيين الذي كانت له علاقة بالكولون ومع حلول جانفي 1957 انضم بوعسرية إلى جيش التحرير، بعدما رتب له بعض المسبلين عملية الالتحاق بمركز "شفر الخوخة" بالقعدة الغربية التي كانت بطولاتها تملأ أرجاء المكان خاصة وان المعارك والكمائن لم تتوقف بدءا من "كمين الخطيفة" في 03 اكتوبر 1956 ومعركة الشوابير الشهيرة في 04 اكتوبر 1956 .
بعدها صار بوعسرية ينتمي إلى الناحية الثالثة بالمنطقة الثامنة الولاية الخامسة ضمن الجنود التي كان يشرف عليه زكريا وقد كانت أول معركة خاضها هي "معركة تقرسان" في 1957 وفي تلك المرحلة كان للمجاهد بوعسرية شرف حضور اللقاء الشهير بين مسؤول المنطقة الثامنة لطفي ومبعوث القائد "عمر ادريس" المجاهد "الطيب فرحات" أين عقدت اتفاقية بين الطرفين في مركز القيادة "بخناق عبد الرحمان" بعدما أرسل لطفي رسالة إلى القائد عمر ادريس يدعوه فيها الحضور لمركز القيادة من اجل تثبيت الاتفاق، وهنا يذكر بوعسرية انه كان في استقبال عمر ادريس في حدود الولاية الخامسة ورافقهم إلى "خنق عبد الرحمان" و كان حينها لطفي في استقباله فأصبح بذلك جيش عمر ادريس او جيش الصحراء تابعا للولاية الخامسة وخضع الجميع لمؤتمر الصومام خاصة بعد أن اطلع جنود جيش الشيخ زيان على مقرراته في اجتماع الاتحاد في جبل قعيقع في ماي 1957 وتم خلاله توزيع رتب جديدة وترقية بعض الجنود.
بعد أن توجه القائد عمر ادريس إلى وجدة المغربية للقاء العقيد "عبد الحفيظ بوصوف" حدث بمنطقة جبل قعيقع انقلاب قاده العربي مزيان القبايلي وذلك تحضيرا لسيطرة بلونيس على المنطقة وهذا الانقلاب راح ضحيته ممثل الولاية الخامسة "عيسى بكباشي" ونائب القائد عمر ادريس الرائد حاشي عبد الرحمان وأكثر من ثمانين إطارا من المنطقة .
بعدما انتشر صدى هذه الأحداث في المنطقة قرر العقيد عبد الحفيظ بوصوف قائد الولاية الخامسة إنشاء منطقة عمليات تاسعة من اجل مواجهة حركة بلونيس فدعم القائد عمر ادريس بكتيبتين وأعطى له اسما ثوريا "سي فيصل" بعد مسار طويل ومعارك قاسية خاضها جنود الكتيبتين من اجل الوصول إلى المنطقة التي يسيطر عليها بلونيس وجنوده، دخلت قيادة المنطقة التاسعة في حدود شهر جانفي 1958، وكان من ضمنها المجاهد عبد القادر بوعسرية الذي كان ملازما للقائد عمر ادريس فقد كان ضمن كتيبة "محمد بن سليمان" التي بقيت مرابطة في جبل القعدة و رافقت عمر ادريس إلى منطقة الزعفرانية، لكن هذه الرحلة لم تكن سهلة لعبد القادر ورفاقه بل كانت شاقة، خاضوا خلالها معارك طاحنة من بينها معركة الضحيحيكة منتصف جانفي 1958 ومعركة المققشة في20/21 جانفي 1958، تكبد فيها أتباع بلونيس خسائر في الجنود ومع بداية فيفري 1958 شارك عبد القادر بوعسرية ورفاقه في معركة الزرقة بالهامل التي قتلوا فيها الضابط ريكول.
منطقة الجلفة ونواحيها فيها رجال مخلصون ساندوا جيش التحرير وحاربوا بلونيس
ذكر المجاهد المرحوم بوعسرية في مذكراته (أن ثورتنا كانت شعبية نابعة من أعماق الشعب ومن صلبه، فقد احتضنها منذ انطلاق الرصاصة الأولى في كل المناطق، ومنطقة الجلفة بالذات التي حظينا فيها بعناية من طرف سكان النواحي التي كنا نمر بها رغم تجنبنا الاختلاط بالمواطنين الذين تعرضوا للبطش والتنكيل حينما علم المستعمر تعاونهم معنا، وقد ظهر هذا التعاون والتلاحم مع جيش التحرير الوطني أكثر والفرار من مناطق نفوذ بلونيس عندما زحفنا بكتائبنا نحو المناطق المجاورة ل"حوش النعاس" ورغم الدعايات المغرضة ضد المنطقة بان أغلبية شعبها ساند جيش بلونيس وبان أغلبيتهم مصاليين، ولكن أقولها للتاريخ بان السواد الأعظم من سكان هذه المناطق وخاصة المنطقة الثانية التي تمثل الجلفة ونواحيها فيها رجال مخلصون ووطنيون حتى النخاع ضحوا بأموالهم وفلذات أكبادهم في سبيل الله والوطن وقدموا للثورة الدعم والمساندة إلى غاية الاستقلال).
حركة بلونيس الخيانية تعلن نهايتها ..وجيش مفتاح أراد التواصل مع جيش التحرير لكنه فشل
بعد أن سيطر بلونيس على المنطقة بدعم من الجيش الفرنسي خيم الظلام على "حوش النعاس" والمناطق المجاورة طيلة مدة من الزمن، لكن جيش التحرير الوطني بمنطقة العلميات رقم 9 تحت قيادة سي فيصل كان يسارع الزمن للقضاء على هذه الحركة الخيانية في مهدها، وهو ما كان فعلا فقد استطاع جيش التحرير السيطرة على مناطق "جبل قعيقع" و"مناعة" و"وجه الباطن" حيث أنهم تمركزوا على مشارف "حوش النعاس" - دار الشيوخ حاليا- فكانت الوحدات العسكرية تحت قيادة أبناء المنطقة أمثال "نايل علي، قاسم سالم، جقبوب محمد، شتوح العيساوي" وغيرهم، كانت مهمتهم مسح الطريق ورصد تحركات العدو وكشف نقاط تمركز بلونيس.
كان الحدث الأبرز مع منصف شهر جوان 1958 هو تناحر جماعات بلونيس في حوش النعاس فقد حدث الانقلاب الشهير في 19 جوان على بلونيس من طرف عبد القادر لطرش ومفتاح وانتهى بفرار بلونيس وتفرق جماعاته ولعل جنود مفتاح كانوا يحاولون الاتصال بنا قصد الانضمام لكن الجيش الفرنسي باغتهم وقتل الكثير منهم وكانت لنا معه معركة خاضها جنود جيش التحرير في ربوة المهرية كان يقودها "بوجمعة الطاهر" انتصرنا فيها وأسقطنا طائرة وعشرات القتلى من اللفيف الأجنبي.
بعد سيطرة القائد عمر إدريس على المنطقة انتشر خبر أن بلونيس يتواجد بناحية أولاد عامر هذا ما جعل سي فيصل يجهز فرقة تحت قيادة "شتوح العيساوي" ويرافقهم المسعود البار لأنه على دراية بالمنطقة من اجل البحث على الخائن بلونيس والقضاء عليه، وفي ذلك الوقت كان الجيش الفرنسي في سباق مع الزمن للظفر برأسه فقد استطاع أن ينهي تجربته الخيانية ويقتله يوم 14 جويلية 1958 هذا ما استدعى رجوع فرقة جيش التحرير بعد تأكدها من مقتل بلونيس.
مرحلة ما بعد بلونيس ....تكثيف النشاط العسكري ..فقدان للقادة.. وخيبة أمل
عرفت المنطقة نشاطا عسكري كثيفا كان الهدف منه مواجهة الجيش الفرنسي والقضاء على بقايا فلول بلونيس، فكانت أولى المعارك في الفاتح من شهر اوت 1958 بمنطقة "قتلة الرمال بجبل مناعة" انتصر فيها جيش التحرير الوطني تحت قيادة القائد عمر ادريس على جيش الفرنسي، رغم أن الفرقة التي كان ينتمي إليها المجاهد عبد القادر بوعسرية استشهد اغلب جنودها بما فيها قائدها بوجمعة الطاهر، كما أن بوعسرية جرح ونقل إلى واد امجدل وهناك تلقى العلاج مدة شهر إلى أن عاد مطلع سبتمبر 1958 حينها علم بان القائد عمر ادريس سيسافر إلى الولاية الثالثة رفقة سي الحواس للقاء العقيد عميروش تاركا وراءه مسؤولين يشرفون على المنطقة منهم: ابن سليمان محمد، لغريسي عبد الغني، احمد زرزي، سليماني سليمان، ودربالي سليمان بوكروشة، وثامر بن عمران، ولقرادة بلقاسم وبن شهرة لزهاري وكان على رأس المسؤولين الضابط الطيب فرحات شوقي مسؤول المنطقة الثانية.
حادثة اغتيال القائد بوعمامة تأثر لها قادة المنطقة.. وعبد الرحمان رفال خان عهد جيش التحرير
بعد القضاء على بلونيس اعتقد الكثير بان المواجهة أصبحت مباشرة مع الجيش الفرنسي إلا أن البقايا الضالة من أتباع بلونيس كان لها دورا سلبيا، فبعدما انضم الكثير من إتباعها إلى جيش التحرير الوطني من بينهم "عبد الرحمان رفال" وهو من أتباع بلونيس الذي اندمج مع جنود المنطقة، كان تواجده متزامنا مع زيارة الضابط الأول "بوعمامة بوعبد الله" إلى قائد المنطقة الثانية "الطيب فرحات" ب"واد امجدل" مقر قيادة المنطقة ليغادر بعدها يوم 16 سبتمبر وقد عين لمرافقته بعض الجنود على رأسهم "عبد الرحمان رفال" وهنا يذكر المجاهد بوعسرية "أن مركز القيادة لا يبعد سوى بعض الكيلومترات عن مخيمنا وفي تلك الأثناء سمعنا طلقات نارية وحينما التقينا بمسؤول المنطقة اخبرنا أن الضابط بوعمامة كان في طريقه إلى مخيمنا وبعد بحث قصير وجدنا الضابط بوعمامة مقتولا برصاصات غدر من خلف ولم نعثر على مرافقيه وتأكد لنا أن الخائن رفال قد غدر به وهرب ليلتحق من جديد بمعاقل الخيانة ".
رغم الأحداث المؤسفة التي يعيشها جيش التحرير الوطني بعض الأحيان إلا انه استطاع مواصلة مسيرة الكفاح فقد واصل معاركه وكمائنه واشتباكاته ضد العدو في شهر أكتوبر ونوفمبر 1958 ولعل معركة فايجة العرعار أو معركة بوكروشة نسبة لاسم قائدها دربالي سليمان لأكبر دليل على أن الثورة لم تخمد في المنطقة، فقد جرت المعركة يوم 13 نوفمبر 1958 حينما كانت القوات الفرنسية تمشط الجهة دخل جيش التحرير في مواجهة مع نيران العدو الذي سقط الكثير من جنوده، بينما نال الشهادة 15 مجاهدا.
عمر ادريس بعد عودته يعيد هيكلة المنطقة الثانية في مركز جحيمو بجبل قعيقع
بعد عودة الرائد عمر ادريس من سفريته إلى الولاية الثالثة أعاد ترتيب المنطقة الثانية، ففي أواخر ديسمبر 1958 في اجتماع تاريخي بمركز جحيمو بجبل قعيقع تم إنشاء ناحيتين تابعتين للمنطقة الثانية بالولاية السادسة " الناحية الأولى عين على رأسها الملازم الثاني "لقرادة بلقاسم" وحدد نشاطها بالجهة الشرقية ومن أهم مراكزها "واد امجدل" و"مناعة " و"قعيقع" و"بحرارة " الى غاية "حد الصحاري" و"طريق لاروكات" شمالا" أما الناحية الثانية عين على رأسها الملازم الثاني ثامر بن عمران وحدد نشاطها من الجهة الغربية من عين معبد إلى غاية "زنينة " و"سيدي بوزيد" غربا ومن "قصر الشلالة "شمالا الى غاية "عين الشهداء" جنوبا وكان الخط الفاصل بينهما خط سكة الحديد المار بالجلفة " كما قام الرائد عمر ادريس بإنشاء قسمات ومجالس تابعة لهاتين الناحيتين كما قام بترقية بعض المسؤولين في رتب أعلى من الرتب السابقة .
كما يذكر انه عين مع كل مسؤول ناحية مسؤولين مساعدين وكتيبة تسمى بكتيبة الناحية وعين على رأس كل قسمة مساعدا وله أعوان حسب التنظيم العسكري الذي حدده مؤتمر الصومام .
الرائد عمر ادريس يسافر دون عودة، والمنطقة الثانية تدخل في الأزمة صائفة 1959
مع حلول سنة 1959 وسفر الرائد عمر إدريس رفقة العقيد سي الحواس لحضور لقاء العقداء بالولاية الثالثة، واصلت المنطقة الثانية معاركها ضد الاستعمار الفرنسي وبقايا فلول بلونيس، رغم أنها عرفت بعض التغييرات في القادة فقد أصبح الضابط "لغريسي عبد الغني" على رأس المنطقة الثانية خلفا للمجاهد "الطيب فرحات " الذي قرر مجلس الولاية إرساله إلى تونس لدى الحكومة المؤقتة، وقد شاركت القيادة الجديدة في عديد المعارك منها معركة سردون يوم 19 فيفري 1959 قادها الملازم الطيب برحايل وكمين بودنزير في 3 مارس 1959 قاده الملازم الثاني احمد زرزي. بعد هذا الكمين دخلت قيادة المنطقة الثانية في معركة أخرى لا تقل ضراوة عن المعارك الأخرى وهي معركة وجه الباطن يوم 07 مارس 1959 رغم انتصار جيش التحرير إلا أن المجاهد عبد القادر بوعسرية أصيب على مستوى الرأس ليتماثل للشفاء بعد فترة علاج، في تلك الفترة بلغتهم أخبار عن استشهاد العقيدين سي الحواس وعميروش واسر قائدهم الرائد عمر إدريس بتاريخ 29 مارس 1959 ورغم المحنة الكبيرة إلا أن المجاهد بوعسرية كان قد تجاوز هذه المحنة رفقة مجاهدي المنطقة الثانية.
مع مطلع شهر جوان 1959 بدأت الأحداث المؤسفة تلوح في الأفق فبعد استشهاد قائد الولاية السادسة واعتقال القائد عمر ادريس، استشهد الملازم الثاني "ثامر بن عمران" على اثر خيانة ووشاية وسقط شهيدا يوم 14 جوان 1959 ليليه مسؤول المنطقة الثانية الملازم الثاني لغريسي عبد الغني الذي استشهد بمنطقة العطشانة في نفس الشهر، بفعل خديعة أو وشاية اغتيل على إثرها من طرف فرق القومية. لم تنته أحداث شهر جوان المؤلمة حتى دخل شهر جويلية حيث عرف هزات عنيفة راح ضحيتها مسؤول الولاية السادسة الطيب الجغلالي، كما ألقت بظلالها على منطقة الجلفة حيث مست الإعدامات مجموعة من أبنائها رفاق المجاهد عبد القادر بوعسرية ولكن الشيء الملاحظ حسب شهادته في مذكراته (أن هذه الاغتيالات والتصفيات لم تستند إلى أدلة واضحة بل كان اغلبها مبني على مجرد الشك والشبهة في نظر الكثيرين من رفاقي باستثناء عنصرين أو ثلاثة ممن حامت حولهم الشكوك وثبتت إدانتهم والبقية كانوا ضحية لهذه الأحكام المتسرعة التي فقدنا بسببها نخبة من جنودنا الميامين ولكنها الحرب مع الأسف تأكل الأخضر واليابس ومرت علينا هذه الأزمة وتحملنا تبعاتها بصعوبة كبيرة بعدما تركت في نفوسنا جراحات عميقة).
ورغم أن الأزمة قد مرت إلا أن صراعا بين الولاية الرابعة والسادسة طفا على السطح انتهى بمحاكمة قائد المنطقة الأولى علي بن المسعود الذي اعتبر الرأس المدبر لعملية اغتيال العقيد الطيب الجغلالي رفقة قادة المناطق الأخرى من بينهم الضابط محمد شعباني الذي عين منسقا للولاية السادسة.
مسار الثورة يتواصل رغم النكسات... وبشائر الاستقلال بدأت تلوح في الافق
لم يتوقف نشاط المجاهد المرحوم "عبد القادر بوعسرية" فقد أصبح يشرف على القسمة 38 ، كثف خلالها العمليات العسكرية ضد العدو الفرنسي فكان الهجوم على محطة القطار في خريف 1959 ناجحا استطاعوا من خلاله الحصول على قطع سلاح وذخائر من مختلف العيارات بالإضافة إلى الألبسة والأدوية، لينتقل بعد المجاهد بوعسرية إلى منطقة وجه الباطن أين خاض معركة في 01 أكتوبر 1959 كانت شرسة ضد العدو الفرنسي استشهد فيها 12 مجاهدا.
مع انتهاء سنة 1959 بأحداثها المحزنة ودخول سنة 1960 والتي كانت بدايتها هي الأخرى مؤسفة، حيث فقد جيش المنطقة الثانية أكثر من 60 شهيدا من أبرزهم قادة النواحي في معركة البسباسة في 21 جانفي 1960 التي قادها الرائد سليماني سليمان وهنا يذكر المجاهد بوعسرية الذي كان حاضرا "أن الخسارة آلمتنا حقا لكن ما آلمنا أكثر سوء تقدير العواقب من المسؤولين الذين لا يحسنون التصرف وهذه كانت نتيجة حتمية للتهور الزائد والشجاعة المفرطة ".
لم يكد جيش التحرير الوطني يستفيق من هذه الصدمة حتى دخل معركة أخرى فقد خلالها 68 شهيدا وهي معركة "جبل اللبة" التي قادها "احمد زرزي" وبمرافقة الضابط الإخباري احمد حشايشي وقد سجل خلالها إصابات في صفوف العدو وعمد خلالها العدو الفرنسي إلى حرق جثث الشهداء ليبرهن على حقده الدفين.
بعد أن فقدت المنطقة الثانية أهم قادتها في المعارك، تم تدعيم المنطقة بإطارات جديدة وأصبح الرائد "سليماني سليمان" قائدا للمنطقة الثانية رفقة "بوربابة احمد" و"جاب الله مخلوف" و"عبد القادر بن سليمان" و"بحوص بن سعد" و"عبد الدايم" وغيرهم من القادة لتتواصل مسيرة الثورة سنة 1961 فقد شهدت المنطقة أثناءها عمليات عسكرية متفرقة قام بها مسؤولون من بينهم الملازم "بشيري الميلود" والمجاهد "المبخوت البار" والمجاهد " جاب الله مخلوف" والمجاهد المرحوم "بوبكر هتهات" في مناطق متعددة منها جبال الشارف وحواص ومحور حجر الملح والزعفران وواجبة، ولعل الحدث الأبرز في ذلك الوقت هو هجوم المعمرة بحد الصحاري الذي قاده بحوص عثماني ومساعدة الملازمين زروال بلقاسم وسارية بودخيل ومساعد القسمة الشيخ لقليطي وغربي عطالله، هذا الهجوم الذي كان ناجحا يوم 07 ديسمبر 1961، ورغم هذه الانتصارات إلا أن الثورة فقدت هذه المرة مسؤول الناحية الثانية جاب الله مخلوف الذي استشهد على اثر كمين نصبه له الخونة بمنطقة الزباش، لتتعرض بعدها القسمة 37 بقيادة خضراوي عبد القادر لنكسة أخرى حيث أن قوات العدو حاصرت منطقة واد الصوف شرق شمال عين معبد اين استشهد فيها الكثير من المجاهدين كان أكثرهم من منطقة الجلفة أمثال "لخضر شنوف، بولرباح إبراهيم، اغريبي إبراهيم، عسلوني بايزيد، العربي الطاهر، ابن قيدة عيسى، بوزكري محمد، حساني الشيخ من بوسعادة، الصلعة عبد الرحمان من البيض، محمد حجيج، رابح البليدي، وغيرهم من الشهداء .
فرحة الحرية ... ورحلة مع ذاكرة الثورة والاستقلال
يذكر المجاهد عبد القادر فضة بوعسرية اللحظات الأخيرة من تاريخ الاحتلال الفرنسي بعد ثورة تحريرية مظفرة انتصر فيها الحق على الباطل وبعد مفاوضات عصيبة كللت بوقف إطلاق النار، فقد كان المجاهد في أعالي جبل تغرسان ينتظر رفقة المجاهدين صوت المذيع عيسى مسعودي الذي هز أركان الجبل بصوته المجلجل الذي أعلن وقف إطلاق النار فصاح بقول ابشروا الله اكبر جاء الحق وزهق الباطل، وفي تلك الليلة المباركة سمعوا خطاب من رئيس الحكومة المؤقتة بن يوسف بن خدة معلنا عن النتائج التي توصلت إليها اتفاقية ايفيان وكان من بينهما وقف إطلاق النار، عند هذه اللحظة قام الجنود يعانقون بعضهم البعض وباتوا في تلك الليلة ساهرين إلى الصبح على أنغام البشرى السعيدة .
استعدادا لتحضيرات الاحتفالات بالنصر بمنطقة الشارف أسندت للمجاهد عبد القادر بوعسرية مهمة التكفل بالكتائب والفرق المشاركة من المناطق الأولى والثانية والرابعة بالإضافة إلى وفد مجلس قيادة الولاية السادسة ويذكر هنا المجاهد بوعسرية في مذكراته (انه تم استقبال العقيد محمد شعباني واختيرت له إقامة مؤقتة بمركز حواص في انتظار الانتهاء من ترتيبات تحضير احتفال الشارف الذي حضرته وفود وشخصيات مدنية من مختلف المدن والجهات الواقعة في تراب الولاية السادسة. الاحتفال الذي دام أسبوعا كاملا حضره مجلس الولاية السادسة بالإضافة إلى وفد قيادة أركان الجيش ممثلة في العقيد "هوراي بومدين" الذي حضر معنا جانبا من الاحتفال لوقت قصير).
بعد هذه الاحتفالات تفرغ المجاهد عبد القادر بوعسرية إلى التحضير لعملية الاستفتاء بمدينة الجلفة فقد كان ضمن لجنة التحضير والإشراف التي كان يرأسها غربة عمر كرئيس دائرة الجلفة وقد كلل هذا التحضير بالنجاح بعد أن عبر الشعب عن رأيه يوم الاستفتاء برفضه بقاء المحتل الفرنسي وطرده إلى غير رجعة، ليعود بعدها المجاهد فضة عبد القادر المدعو بوعسرية إلى تنظيم وتسيير شؤون البلاد فقد رقي بعد الاستقلال إلى ضابط أول عسكري بالمنطقة الرابعة الولاية السادسة ببسكرة وضواحيها وبقي يعمل بالجيش الشعبي الوطني إلى غاية 1963 أين طلب من القيادة تسريحه من الخدمة العسكرية وعاد إلى الحياة المدنية واستقر بمدينة الجلفة إلى أن وافته المنية بها يوم 25 سبتمبر 2015 .
فرقة من جنود جيش التحرير (الناحية الثانية المنطقة الثانية الولاية السادسة) بقيادة الملازم الثاني بوعسرية عبد القادر -على اليمين- ويظهر على اليسار ملوك بن الدين وبجانبه حساني محمد وفي وسط الصف الأول صادقي الصادق وخلفه احمد بن عيسى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.