انتهت الانتخابات وتم نشر النتائج بكل الوسائل المكتوبة والمرئية وذلك بعد الوسائل (الإشاعية) التي غالبا ما تكون تمهيدا نفسيا لاستقبال صدمة النتائج الرسمية، وشكلت الجلفة الحدث كعادتها باعتبارها الصندوق السري للحزب (العتيد) بنتيجة لم يكن يتوقعها حتى أصحابها، كيف لا وفي الوقت الذي كان الجميع ينتظر نتيجة فسيفسائية كألوان الزربية الجلفاوية المتشبعة بالألوان التي تغطي تنوع أزيد من 60 قائمة انتخابية بأسمائها المتنوعة والتي بذل أصحابها جهدهم في حسن اختيارها، تخرج الجلفة بنتيجة تسبح بها ضد التيار تتمثل في اكتساح تاريخي لحزب جبهة التحرير لصناديق الاقتراع باستحواذ تام على مقاعد الثلاثة عشر التي تمثل حصّة الولاية في البرلمان. لقد جاءت هذه النتيجة ضد كل معايير المنطق والواقع ولا تفسير لها سوى (نبوءات) بعجي في زيارته للجلفة عندما تفنن في تمجيد الرقم (السحري) لقائمة الأفلان وهو العدد (7) وما أدراك ما السبعة في ثقافتنا التي تستلهم خيالها من خلفية دينية حاضرة في لا شعورنا الجمعي، ولهذا نكتفي بهذا التفسير لهضم هذه النهاية المفتوحة لهذه الطبعة الجديدة للتشريعيات. ومرة أخرى تتمكن الجلفة المتحزبة شعرت بذلك أم لم تشعر من رمي طوق النجاة لحزب عاقبه الحراك على غرار غيره من الأحزاب عندما منعه من الخروج في مسيراته المليونية متهمة إياه بالمشاركة بشكل أساسي في سياسة العصابة التي كانت وراء مأساة الجزائريين، وهذا يذكرنا بالتصحيحية والتقويمية التي ساهمت في معارك هذا الحزب الذي عبثت به الصراعات الداخلية بين الإخوة الأعداء. لقد شكلت هذه الانتخابات في ولايتنا المنكوبة نكسة عميقة في مفهوم (التعددية) عندما أرجعتنا إلى ذكريات قديمة كان بطلها الحزب الواحد، وفوّتناعلى أنفسنا فرصة سانحة لتغيير الخارطة السياسية لولايتنا التي عبّر شبابها من خلال القوائم الحرة الكثيرة عن رغبتهم في الانخراط بشكل حماسي في صياغة سياسة تنموية واعدة من خلال خوض غمار التجربة البرلمانية. وبذلك يجد الحزب العتيد نفسه وجها لوجه مع نفسه متحديا لذاته يجر وراءه ثقلا تاريخيا يشوبه التناقض والتمزق، وتنبعث منه روائح المؤامرات و قصص الدسائس التي ترويها ضمائر تعيسة تلوّثت بالمال الفاسد وبقايا (الشكارات) التي كانت تنقل الرشاوى لبارونات المافيا السياسية. إنها تركة ضخمة وحطام هائل من المغامرات السياسية التي لا تزال ملفاتها لم تطوى بعد في رفوف محكمة سيدي محمد، فهل يدرك البرلمانيون الجدد هول التركة التي يجب عليهم تفكيك خيوطها ليعيدوا لحزبهم العتيد من الجلفة سمعته وتاريخه وبطولاته؟؟؟ إنها تساؤلات مشروعة لا أعتقد بأن الطبعة الجديدة لنوابنا قد وجدوا الوقت لطرحها على أنفسهم وهم في غمرة الفرح بفوزهم غير المتوقع. وعليه يجب أن نتركهم يتمتعون بانتصارهم الساحق ولا نفسد عليهم فرحتهم بهذه التساؤلات المحرجة متمنين لهم عهدة برلمانية ناجحة ولا يسعنا في هذا التوقيت المبكر سوى الدعاء لهم بالتوفيق والسداد وذلك على أمل صبح جديد تبدد فيه هذه الكوكبة البرلمانية كل مخاوفنا وتصنع فرحتنا وتجسد أمالنا في رفع الغبن عن ولاية تقبع بكاملها تحت ما يسمى (مناطق الظل) عندما يصبحون بفوزهم البرلماني قد انتقلوا إلى (مناطق النفوذ).