كقاعدة شبه عامة فإن معظم النظم الانتخابية النسبية تفرز تشكيلات برلمانية فسيفسائية الألوان الحزبية, مما يفرض على البرلمانيين تشكيل تحالفات ظرفية أو تكتلات دائمة سواء بتعليمات قيادات الأحزاب أو بمراعاة مصالح شخصية , علما أن معظم حالات التكتلات الحزبية تتم بعد الاستحقاقات الانتخابية, خلافا للتحالفات الظرفية التي تسبق الانتخابات عادة لضمان التواجد ضمن التشكيلة البرلمانية, أو المجالس المنتخبة عموما. و رغم أن مرحلة الترشيحات للتشريعيات المبكرة ليوم 12 جوان المقبل ,كشفت عن وجود ما لا يقل عن 55 حزبا, أبدى نيته المشاركة في هذا الموعد الانتخابي , إلا أن الحديث عن التحالفات أو التكتلات الحزبية لخوض هذه المنافسة يظل محتشما, تمليه أوضاع الأحزاب نفسها خاصة من حيث الوزن الشعبي و الانتشار الجغرافي بغض النظر عن التوجه السياسي أو الإيديولوجي . فمعظم الأحزاب الجزائرية , لا تتذكر مدى عجزها عن خوض الانتخابات إلا حين صدور المرسوم الرئاسي لاستدعاء الهيئة الانتخابية , و هو العجز الذي كانت الأحزاب في ظل القوانين الانتخابية السابقة تتجاوزه بفتح , أو بنقل بيع فرص الترشح على ظهر قوائمها بتسعيرات تتفاوت بحسب الترتيب في القائمة , و هي الآلية التي كانت تتيح لمثل هذه الأحزاب تقديم قوائم خاصة بها في ولايات و مناطق لا تتواجد بها سوى ظرفيا في المواعيد الانتخابية أو خلال عهدة انتخابية إن أثمرت الصفقة الانتخابية بالفوز ببعض المقاعد . هذه الآلية ما زالت ممكنة حتى في ظل القانون الانتخابي المعدل , لكن مع بعض الصعوبات , لأن فتح القوائم للاختيار الحر للناخب حين التصويت , جعل شراء الترشح باسم قوائم الأحزاب المغمورة التي لا تستيقظ إلا على قرع طبول الاستحقاقات الانتخابية , جعلها خطوة غير مضمونة النتائج ,مثلما كانت عليه بشراء رأس القائمة. التجارب السابقة غير مشجعة وبحكم هذه الصعوبات المستجدة التي قلصت فرص المتاجرة بالمقاعد الانتخابية , أصبحنا نسمع عن دعوات للتحالف الحزبي تحسبا للتشريعيات المسبقة , و هكذا أوردت وسائل الإعلام أخبارا عن دعوات حزبية لتحالفات مسبقة للمشاركة في التشريعيات المبكرة , قابلة للتمدد إلى تحالفات تحت القبة البرلمانية , مثلما هي دعوة رئيس حركة البناء الوطني , الذي يسعى إلى تكوين حلف انتخابي يتكون من أحزاب و شخصيات و جمعيات داعمة لتوجه السلطة الجديدة في البلاد , و هو مسعى يبقى في انتظار من ينضم إليه , لأن أحزاب من نفس تيار صاحب المبادرة ليست متحمسة بما فيه الكفاية للالتحاق بهذا التحالف الذي يوصف بتحالف» نداء الوطن» و الذي حذر أحد رؤساء حزب من التيار الإسلامي من تحويل «نداء الوطن» هذا ,من تكتل مدني إلى حزب سياسي للرئيس تنخرط معه الإدارة والسلطة للاستحواذ على مخرجات الانتخابات التشريعية، ليتكرر بذلك سيناريو التجمع الوطني الديمقراطي في انتخابات 1997.و هي معضلة بالنسبة لأحزاب تأبى التطور , و تمنع بروز قوى سياسية جديدة تطيل حبسها في خندق المعارضة الأبدية ؟ إذ من البديهي سياسيا أن تطمح أي أغلبية برلمانية «غير متحزبة» إلى التهيكل ضمن كيان حزبي يتيح لها ممارسة السياسة و فق الأطر القانونية السارية المفعول , بغض النظر عن حداثة وجودها , و لكن الإشكال في من يطالب بمنعها من هذا الحق,و خاصة من طرف قوى حزبية تتجه نحو خوض التشريعيات المقبلة بدون أي تنسيق بينها أو الاستعانة بتشكيل تحالفات انتخابية , على غرار تجاربها في استحقاقات سابقة, لعلها تؤتي ثمارها في العهد الجديد. و قد كشفت التجارب السابقة في استغلال الأحزاب للترشح عبر القوائم الحزبية المشتركة عن تواضع النتائج المتحصل عليها مقارنة مع الجهد المبذول , علما أن هذا النوع من اشتراك عدة أحزاب في نفس القائمة , تم منعه قانونيا كونه كان يتيح لأحزاب التكتلات التواجد في أكثر من قائمة في نفس البلدية و الولاية , كما فتح الباب واسعا لكل أنواع التحالفات المصلحية والعشائرية , و حتى الصفقات المادية للفوز برئاسة المجلس المنتخب , و انحصر اهتمام المنتخبين في كيفية الفوز بمنصب ومقابل ماذا؟ و رغم أن التحالفات دخلت بشكل محتشم في الانتخابات المحلية منذ ثاني موعد انتخابي تعددي في الجزائر سنة 1997 و استمرت عبر بقية المواعيد الانتخابية , إلا أنها ,غالبا ما تبقى بدون تأثير كبير لا على نتائج الانتخابات و لا على نسبة المشاركة , بل الراجح أنها تؤثر سلبا على مصداقية العملية الانتخابية برمتها جراء ما تفرزه المنازعات و الخلافات بين المترشحين الفائزين سواء بسبب تغير التحالفات أو قيام تحالفات مضادة على ضوء النتائج, بحثا عن التموقع الجيد الذي يتيح الفوز بمنصب ضمن الهيئات التنفيذية للمجالس المنتخبة , وما ينجر عن ذلك من انسدادات تعطل سير المجالس و من خلالها المصالح المباشرة للمواطنين , ولاسيما على مستوى الجماعات المحلية. و لكن قبل اللجوء إلى أي شكل من أشكال التحالفات الانتخابية «القبلية أو البعدية», ينبغي أن تتوفر الأحزاب المعنية على أوراق رابحة يمكن أن تضمن فرص التفاوض مع الحلفاء,فما هي الأوراق التي تتوفر عليها معظم الأحزاب المعتمدة في الجزائر.