تعتبر النخبة المثقفة في كل البلدان - باستثناء الحالة الجزائرية - بمثابة الطليعة التي تقود المجتمع و الدولة عموما نحو أهدافها الإستراتيجية ، فهي توجه و ترافق مسيرة الدولة و تبادر بالنقد و تطالب بتغيير كل ما يعيق هذه المسيرة باقتراح التعديلات و تقديم التصحيحات و البدائل المناسبة ، لأن النخبة المثقفة هي العضو الحي شديد الحساسية و المدرك لمختلف المتغيرات الطارئة باستمرار و بشكل طبيعي على المجتمع ، لذلك فهي تتحمل وحدها مسئولية التنبيه و التوجيه أمام المجتمع و التاريخ. و بما أن الاستفادة من تجارب الآخرين هي ضرورة قائمة ، فإننا كمثقفين جزائريين نتابع ما حدث و ما يحدث الآن في دول مجاورة من تطورات سريعة ، هامة و حاسمة ، كان فيها للنخب المثقفة دور فعال و مواقف مشرفة ، حيث اقتضت الظروف التحرك و العمل لمرافقة الثورات الشعبية و دعمها و تأجيل القصائد الشعرية و الغناء إلى حين ، لكننا في الجزائر مثل المعزول عن العالم من حوله و مثل الذي فقد شعوره فهو في واد يهيم بعيدا عن مجرى الأحداث و تفاعلاتها ، و بالطبع لن يكون لمثل هذا موقف أو رأي أو تأثير ، و عليه ، لن نكون متشائمين إلى حد نفي وجود نخبة مثقفة في الجزائر ، و لكننا نتعجب من غياب هذه النخبة و صمتها و عدم خوضها في مواضيع الساعة و تفضيلها الانتظار لعل السماء تمطر جديدا. ستسألنا الأجيال بعد حين : أين كنتم - أيها المثقفون - عندما كانت النخب و الشعوب تتكاتف لبناء أوطانها ؟ ، قد يجيب البعض : كنا نائمين. و لتجنب الإجابة المحرجة عن هذا السؤال على الأقل ، فلنشارك كلنا كمثقفين في صنع التغيرات في بلادنا ، علينا توجيه الرسائل إلى أعلى هرم السلطة السياسية و مطالبتها بالتصرف العاجل و الحكيم لمعالجة الأوضاع المتأزمة في بلادنا ، بتقديم المقترحات و الآراء البناءة و كشف مؤامرات و قضايا الفساد و انتقاد المسئولين عن مختلف الأزمات و المطالبة بالعدالة الاجتماعية و محاربة احتكار السلطة و الثروة من طرف الأقلية و إجراء تعديلات جذرية في الدستور الجزائري و حل " البرلمان؟" و إبعاد الوجوه الممقوتة من طرف الشعب ... قد تتفق كتلة معتبرة من مجموع المثقفين في الجزائر على أنه آن الأوان لأخذ الشباب زمام المبادرة ، و أخذ المشعل بجدارة ، لأن قضية تسليم المشعل صارت قديمة و مضحكة ، و هنا تطرح بقوة مسألة حق جيل الشباب في المشاركة و ممارسة السلطة التي يحتكرها جيل هرم باسم الشرعية الثورية ، جيل تجاوزته التطورات و لم يعد باستطاعته استيعاب المستجدات المتسارعة و الحاجيات الحالية لجيل اليوم. ها هي العشرية الأولى من الألفية الثالثة قد انقضت سنواتها ، و كان بإمكاننا أن ننطلق منذ سنة 2000 في مشروع بناء دولة جزائرية حديثة قوية و ديمقراطية ، لكن يؤسفنا القول بأن الشباب الجزائري لم يكن في مستوى هذا التحدي ، ربما ، لأن جيلنا تأثر سلبا و بعمق بأحداث المأساة الوطنية و دخل في غيبوبة ، لكن ليس هناك بعد النوم إلا اليقظة ، و ها هي الأحداث من حولنا توقظ الموتى.